ما بين تهديد حزب الله للحكومة العراقية بوجوب إخراج القوات الأمريكية من العراق بغضون شهرين، وإلا سيكون موعداً لإستئناف الهجمات على المصالح الأمريكية وبين الموقف الحكومي الذي يرى ضرورة وجودية للنظام السياسي في إبقاء تلك القوات بقواعدها، يعيش الواقع السياسي في العراق حالة من الفوضى والإرباك قد تتعمق لتزيد من حالة التشظّي والإنقسام بين أركان المنظومة الحاكمة.
في ظل هذه الأجواء تمضي السيادة العراقية في مدارها المُعقّد في صراعٍ بين الدولة واللادولة، وتتداخل مع هذه الصورة إشارات مقلقة ومتوترة من كردستان العراق عن إمتلاك حكومة الإقليم معلومات حول تهديدات جديّة قد تطال الدولة العراقية فيما إذا أصرّ الإطار التنسيقي على عدم الإنصياع للرغبة الأمريكية في تسليم سلاح الفصائل إلى الحكومة العراقية.
الإتصال الهاتفي لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بالسوداني وضع النقاط على الحروف في جديّة التهديد الأمريكي حين أوضح روبيو القلق الأمريكي من تشريع قانون الحشد الشعبي داخل أروقة البرلمان العراقي حسب الرواية العراقية، لكن الإتصال تضمن تحذيراً للحكومة من وجهة النظر الأمريكية من تشريع ذلك القانون ما جعله يتأجل مرات عديدة بسبب إنسحاب نواب السنة والكرد من جلسات البرلمان وإعتباره تدخلاً في الشأن الداخلي العراقي من قبل نواب الإطار التنسيقي.
ذلك التدخل الذي رافقه الطلب الإيراني من الحكومة العراقية وتحديداً “الحاكمية الشيعية” بضرورة التعجيل بإخراج القوات الأمريكية من العراق خشية إستهداف إيران من قبل القواعد العسكرية الأمريكية المتمركزة في العراق.
إنظروا إلى معطيات وبيانات القيادة العسكرية العراقية بشقيها الحكومي والحشد الشعبي في مكافحة تنظيم داعش الإرهابي ستجدون إنها تخلو من مساعدة طائرات القوات الأمريكية أو قوات التحالف، مما يعني إنفراط العقد الإستراتيجي الذي كان يُؤمّن المعلومات للجانب العراقي من قبل الأمريكان في تحديد أماكن وجود الإرهابيين، أو ربما لم يعد الأمريكان يثقون بالقرار العراقي.
في المحصلة وصل الوضع العراقي إلى نقطة اللاعودة حين جمع بين نقيضين في كفة واحدة، فلا إستطاع صانع القرار السياسي في العراق أن يبتعد عن النفوذ الإيراني وذات الوقت لم يُنكر تودده للأمريكيين، في إزدواجية لم تعهدها كل مفاهيم السياسة.
اليوم حان موعد الإختيار وتحمل نتائج ذلك القرار ولم يعد الرهان على عامل الوقت في صالح الحكومة العراقية لأن الدلائل والمؤشرات تؤكد إن أمريكا باتت الأقرب إلى إتخاذ قرار تحييد العراق عن إيران التي كانت تعتمد على فصائل مسلحة معروفة لديمومة نفوذها في هذا البلد أو لكسب المزيد من نقاط التفاوض مع الأمريكيين، لكن ذلك السيناريو إنتهى بنهاية ستفرضها أمريكا في حلّ الحشد الشعبي الذي تعتبره قوى من الإطار التنسيقي إنه تهشيم لنفوذها وبداية لإنهيار النظام السياسي على إعتبار إن تسليم سلاح تلك الفصائل يعني “تزيين الشوارب” في المستقبل كما يحدث الآن لبعض القوميات والطوائف في سوريا.
الطوفان القادم الذي تُبشر به كل الدلائل والخرائط السياسية لم تصنعه إيران أو أمريكا بل صنعته أيادي حكمت العراق طوال عقدين من الزمن لم يجنِ هذا البلد من هذه الطغمة سوى الخراب والفوضى والدمار.