18 ديسمبر، 2024 6:52 م

الطفل العراقي من العولمة الى الإحتلال

الطفل العراقي من العولمة الى الإحتلال

مع بزوغ شمس الألفية الجديدة قبل عقدين في ( 2000 ) برزت العديد من المصطلحات الحديثة بعد أن ساد العالم مع إنهيار الأتحاد السوفيتي سيطرة القطب الواحد من بينها مصطلح العولمة لتتربع على عرش المصطلحات العالمية وتصبح ملكة الكلمات في القرن الجديد لسعة إستعمالاتها وشمولية مضمونها ومفهومها في شتى المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية الإجتماعية والتربوية والعلمية وإنتقالها عبر الحدود الدولية دون جواز سفر وشروط الإقامة في أية دولة من العالم دون إستحصال الموافقات القانونية ، كيف لا وأنها غزت العالم بلا حروب حتى دخلت عالم الطفل ليس فقط بتوفير الحليب ولقاحات الأمراض إنما من خلال عولمة عمل الطفل حيث كتبت صحيفة ليموند الفرنسية في أحدى أعدادها قائلة . . . ( بأن هناك مليون طفل عامل في أوروبا حسب إحصاءات اليونيسيف وأوضحت الأخيرة بأن عشرات الألأف من الأطفال يعملون في بلدان أوروبا تحت ذريعة التدريب ، ثم واصلت . . . تقول … يوجد طفل عامل من بين خمسة عمال في أمريكا اللاتينية وفي أفريقيا طفل عامل من بين ثلاثة عمال وفي أسيا طفل عامل من بين عاملين وضمن ساعات عمل طويلة وبأجور زهيدة جدا مما يهدد بظهور طبقة عاملة واسعة من الأطفال في العالم تعيد الى الأذهان أيام الرق والعبودية في أوربا القرون الوسطى والثورة الصناعية في أنكلترا في القرن الثامن عشر ) .
أقول إذا كان أمر الطفل العامل هكذا عالميا ، فيا ترى كم هو عدد الأطفال الذين يعملون في العراق . . . في ظل معاناة الأسرة العراقية ممن يعانون من ضيق مالي لا يكاد يسد حاجاتها اليومية وممن هم دون مستوى خط الفقر . . .؟ وكم طفل عراقي يجب عليه أن يعمل مقارنة مع أطفال العالم حتى يدخل دنيا العولمة … ؟ وهل أصبح عمل الطفل في العراق فطرة جُبل عليها ….؟ أم أن الطفل العراقي وحده دخلها لتفوقه في النسبة العددية وفق إحصاءات منظمة اليونيسيف لينال رئاسة مجلس عولمة عالم الطفل في منظمات الأمم المتحدة علما بأن مؤهلات وإبدعات الطفل العراقي العامل يفوق مؤهلات أطفال الدول المذكورة أنفا لخبراته الغنية برصيد التجارب في مواقع العمل لأنه طغى وسيطر على أغلب الساحات المخصصة وغير المخصصة للباعة المتجولين حتى وصل به الأمر الى غزو مواقع الإشارات الضوئية مستغلا الإشارة الحمراء وتوقف المركبات بالإنتقال بينها في عرض سلعته للبيع ، وأحتل الأرصفة وشغل الأزقة والطرقات بشتى أنواع الأختصاصات في فن البيع والشراء وصار يعمل في المعامل والمحلات والدكاكين وبأجور لا تتناسب جهده وتعبه وتحت ظروف عمل صعبة قاسية كالتي كانت وأكثر في أوروبا القرون الوسطى .
ولو أستسلمنا الى الأسباب التى دفعت الطفل العراقي الى ممارسة ما تفوق طاقاته وقدراته جراء ضغوطات الفقر والعوز ومتطلبات الحياة المعيشية فلا يمكن الإستسلام الى تركه المدرسة وتسربه منها تنتهى بنتائج وخيمة عليه فقد صار يتعلم أفعالا وسلوكيات سلبية لا تليق به ولا بعمره ، واصبحت هذه الفئة من المجتمع العراقي مهددة بالانحراف عن جادة الصواب يُحمل نفسه فوق الحسابات العمرية يتصرف وكأنه رجل وهو لم يبلغ الحلم .
ومع ظهور بوادر الاهتمام بحقوق الطفل والمطالبة بها عالميا وعبر المؤتمرات والندوات العالمية المقامة باشراف منظمة اليونيسيف وأخرها كانت تحت شعار ( كيف يعرف الأطفال حقوقهم ) وكذلك خلال إنشاء البرلمان العالمي للطفل في فرنسا محدثة ثورة الطفولة .
والذي يريد أن يبدأ بهذه الثورة او تلك الحركة عليه أن يبدأ من العراق ويتخذه مقرا لنشاطاته ومركزا للإنطلاق نحو دراسة أوضاع الأطفال في العالم ، ذلك لظروف الطفل العراقي التي لا تشابهها ظروف طفل أفقر دول العالم أولا ، ولان الطفل العراقي منذ عشرات السنين وقد بلغ الأن من العمر عتيا مارس شتى أنواع العمل منذ أيام سنوات الحروب ومأسي الحصار في الثمانينات والتسعينيات في عهد النظام السابق ثانيا ، وثالثا ما معاصر لنا ومعروف بعد الإحتلال لا يحتاج الى أية إضافات .
إذا ما أجرينا إحصائية عالمية تحوي على معلومات دقيقة عن حقوق الطفل العراقي المسلوبة والمتجاوز عليها نجد أطفال العراق في أعلى سلم الأحصائية عكسيا ولا يزال ينتظر المزيد من التجاوزات على ما تبقى من حقوقه وبلده العراق يتخبط المجهول في ظل الإحتلال .
من هنا فان من واجب جميع المعنيين بحقوق الطفل من لجنة حقوق الإنسان البرلمانية ( وهنا أقترح إستحداث لجنة حقوق خاصة بالطفل العراقي – لجنة حقوق الطفل – في البرلمان القادم بعد الإنتخابات) الى المنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية ، أن يولوا الأهمية لإطفال العراق بشكل إستثنائي ويكرسوا جهودهم وإهتماماتهم لمعرفة أسباب ونتائج أوضاع أطفال العراق ووضع الحلول السريعة ليس للأطفال العاملين فقط بل لجميع الذين يعانون ما يعانون جراء الإنفلات الأمني من التيتم والتشرد والمبيت في العراء والمحظوظ منهم تحت الخيام وقبله الحربين وبينهما الحصارالمفروض على أسرة الطفل العراقي من نفس قيادة المحتل وحلفائه لسنوات وصولا الى حالات التسرب من مراكز العلم والدارسة ( تشير تقارير إحصاءات منظمة اليونسيف الى أن الألأف من الفئة العمرية 6 – 11 وفئات عمرية أكبر تركوا مقاعد الدراسة الثانوية والجامعية ) لأجل المساهمة في توفير لقمة العيش بشرف وكرامة لعائلاتهم وهم بحاجة ماسة الى قلم رصاص ليكتب عن عالمه الغريب والعجيب في ظل التهجير القسري والمفخخات قرب مدرسته ، علما بأن العلم الذي يتلقاه في ظل الوضع السائد أصبح هزيلا لايساعده على بناء مستقلبه كما كان ، لايتناسب ولا يواكب عصر العولمة الذي دخله الطفل العراقي مع أطفال العالم إن كان حقا يعد ضمن الداخلين والواردة أسمائهم في قائمتها خاصة في ظل جائحة كورونا .