لا أدرى يوم نشر هذا المقال عما إذا كان موعد زيارة الرئيس السيسى سوف يكون محددا، ولكن ما نعرفه أن هذه الزيارة قادمة.
وأرجو ألا يكون من قبيل التكرار الحديث عن أهمية هذه الزيارة، فمنذ ٦ نوفمبر ١٩٧٣ عندما قام هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى بزيارة القاهرة عقب حرب أكتوبر، وحتى الآن فإن العلاقات المصرية الأمريكية اكتسبت مكانة خاصة لدى البلدين سواء اتخذت من «الشراكة الإستراتيجية» عنوانا، أو أخذت صفات «التوتر» و«الأزمة» عناوين أخري. فى كل الأحوال كانت التفاعلات المصرية الأمريكية مهمة وواقعة على رأس قائمة الأولويات المصرية على الأقل. وكما أن لكل ذلك دلالات عامة يصعب سرد تفاصيلها الآن، إلا أن توقيت زيارة الرئيس السيسى يحيط به كل ما هو «خاص» من أول زيارة لرئيس مصرى منذ سنوات عديدة، وحتى تولى دونالد ترامب الإدارة الأمريكية، بكل ما يحمله الرجل من خصائص غير مسبوقة لا داعى للتفصيل فيها، ولكنها فى كل الأحوال متفردة، وأهم ما فيها أنه يمثل خلطة غير عادية من وظيفة الرئيس بكل أبعاده المؤسسية والدستورية؛ وأنه رجل أعمال بامتياز. المؤكد أنه يستخدم هذه الخلطة بمهارة، وعلى محاوره أن يعرف متى يكون تحرك صاحبنا على أساس من القوة المرتبطة بالدولة؛ ومتى يستخدم «فن الصفقة» (كتاب ترامب الأشهر The Art of the Deal) التى يعرفها المقاول.
من ناحيتنا فإن الرئيس السيسى يذهب إلى واشنطن وفى جعبته الكثير، وهناك ما هو أكثر يضاف. مصر لديها أنها الدولة التى أسقطت التنظيم الإرهابى للإخوان المسلمين من عليائه، وهى الدولة التى أوقفت فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ مد الحركات الإرهابية للسيطرة على المنطقة، وهى التى تقف اليوم صامدة وحدها فى مواجهته دون مشاركة من أحد. مصر أيضا لديها الإمكانية لكى تخوض معركة القلوب والعقول الضرورية بما لديها من مؤسسات دينية وثقافية وإعلامية، ولا يختلف أحد على أنها الدولة التى بدأت من خلال مبادرة رئيسها بالدعوة إلى تجديد الفكر الديني. فى العالم العربى والإسلامى لا توجد دولة أخرى لديها ذات الثقة بالنفس فى هذا المجال؛ ولا نبالغ إذا قلنا نفس الدرجة من الشجاعة. وحينما تذهب القاهرة إلى واشنطن فإن فى جعبتها خريطة طريق جرى تنفيذها ووضعت مصر بالدستور والقانون على أولى خطوات التحول الجاد نحو الديمقراطية بالدستور والقانون والمؤسسات؛ كما أنه جرى لديها عملية إصلاح اقتصادى عميقة لا عودة ولا تراجع عنها، ومن ثم باتت مؤهلة للاستثمار الأمريكى الواسع النطاق.
كل ذلك يجعل لقاء الرئيسين السيسى وترامب مؤهلا لإرساء الإطار الاستراتيجى للعلاقات خلال المرحلة المقبلة، أما الأمور التكتيكية، وهى مهمة، فإنها تترك للمعاونين. وضمن هذا الإطار فربما يكون أهم ما يسعى له الرئيس السيسى هو التوافق مع الرئيس الأمريكى على ميثاق Charter يكفل تحقيق الاستقرار فى المنطقة من خلال تسوية الصراعات القائمة. هذا الميثاق كما سبق وأوردناه فى مجالات أخرى يقوم على مباديء: أولها أن الدولة فى المنطقة كما أفرزتها التطورات التاريخية خلال القرن العشرين قد وجدت لتبقي، وأن كل البدائل المطروحة للتقسيم لا تعنى إلا دوام العنف وازدهار الإرهاب. وثانيها أن الدولة ضمن حدودها القائمة هى التى لديها الحق الشرعى لاحتكار القوة ووسائلها ولا أحد آخر. وثالثها أنه لابد من مرحلة انتقالية تجرى فيها الانتخابات (تحت إشراف دولى مناسب) لانتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورا للدولة يكفل حقوق الإنسان والفصل بين السلطات وأساس تداول السلطة فى الدولة، كما يكفل حقوق الأقليات والطوائف ضمن إطار مناسب من اللامركزية. ورابعها يكفل المجتمع الدولى والدول العربية عملية الانتقال السلمى من الأوضاع البائسة الراهنة إلى أوضاع الاستقرار والتعاون. وخامسها أن حل الصراع العربى الإسرائيلي، وجوهره الإسرائيلى الفلسطيني، هو جزء لا يتجزأ من عملية بناء الاستقرار فى المنطقة. وضمن هذا الإطار فإنه لدى إسرائيل فرصة ذهبية لكى تحقق السلام الشامل والعادل والدائم، وضمان أمنها وأمن مواطنيها، من خلال تطبيق المبادرة العربية للسلام التى يضمنها النظام الدولى والإقليمي.
إن العلاقات الثنائية المصرية ـ الأمريكية وازدهارها هى حجر الزاوية فى بناء النظام الإقليمى الجديد، وبقدر ما أن المباديء السابقة سوف تكفل وجود شبكة عميقة من التشاور والتنسيق خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والقضية الليبية، فإن السلامة الاقتصادية المصرية ضرورية للمنطقة ككل بما لدى مصر من أرصدة الموقع والسكان والريادة فى مجالات الحرب والسلام. هنا فإن مصر لا تطلب بالضرورة عودة المعونات الاقتصادية الأمريكية أو زيادتها، وإنما احترام الولايات المتحدة لتعهداتها السابقة بالمساواة مع إسرائيل حتى ولو كان ما سوف تحصل عليه يستخدم كمحفزات للشركات الأمريكية للاستثمار فى مصر ونقل التكنولوجيات الجديدة إليها. فى مثل هذه الحالة فإن مصر لا تطرح نفسها كمتلق للمنح والمساعدات، وإنما كشريك اقتصادى واسع الإمكانات، فقبل وبعد كل شيء فإن حجم الاقتصاد المصرى يزيد على تريليون دولار محسوبا بالقدرة الشرائية للدولار، وذلك دون حساب الاقتصاد غير الرسمى الذى ربما يأخذ الحجم الحقيقى للاقتصاد المصرى إلى ما هو أكثر. منح مصر هنا منطقة للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة بالمساواة مع دول أخرى مثل الأردن سوف يعطى البلدين فوائد جمة.
كل ما سبق على المستوى الإقليمى والعلاقات الثنائية فيه الكثير من التفاصيل التى لن تغيب عن المتخصصين. المهم أن نكون مستعدين فى هذه الزيارة استراتيجيا وتكتيكيا لكى يكون العائد منها مفيدا لمصر أمنيا (الحصول على الأسلحة التى نحتاجها فى مقاومة الإرهاب، وإعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية)، وسياسيا بتحقيق استقرار المنطقة، واقتصاديا بالاستثمار الدولى فى الاقتصاد المصرى (منطقة التجارة الحرة). إنها حقا زيارة مهمة!.
نقلا عن الاهرام