في سلسلة بغداد تراث وتاريخ كانت لنا محاضرة عن الطرق الصوفية في بغداد في نهاية القرن السادس الهجري ذلك ان بغداد هي محل نشوء الفكر الصوفي وترعرعه خلافا للافكار الاخرى وقد بدأ الفكر الصوفي في بغداد حيث شيوخ التصوف الذين أقاموا هذا الفكر ذلك ان ما حصل من ابي ذر الغفاري وسلمان المحمدي والامام علي ورابعة العدوية وكثير من الشخصيات التزموا الزهد فقط والزهد مقام واحد من المقامات الصوفية وليس جميع المقامات التي تبدأ بالتوبة وتنتهي بالحلول او الاتحاد او وحدة الشهود او وحدة الوجود وكذلك الاحوال الركن الاخر من اركان التصوف اذ التصوف كفكر فلسفي نشأ في بغداد وليس في مدينة اخرى سواء في البصرة والكوفة او اية مدينة اخرى فهو الفكر الفلسفي الوحيد الذي كان وليد بغداد خلافا للافكار الاخرى كالاعتزال واخوان الصفا والخوارج والمذاهب الاسلامية حيث شيوخ التصوف البغداديين من الشيخ معروف الكرخي والجنيد البغدادي والشبلي والنوري ورويم البغدادي وشيخهم شيخ التصوف الحلاج والسري السقطي وبشر الحافي والنوري ومحمد السكران ولم تكن هنالك طرق صوفية زمن شيوخ التصوف ونشأته في بغداد ولكن الطرق الصوفية نشأت في المائة السادسة للهجرة في حين ان الفكر الصوفي نشأ في بغداد في نهاية المائة الثانية للهجرة وكانت بغداد موضعا للفكر الباحث عن الحقيقة ومحلا لأهل الحق كما يوصف الصوفيون وما زال سلوك اصحاب الفكر الصوفي في بغداد لغزاً محيراً فسلوكهم الظاهر يوحي بابتعادهم عن الدين والقيم والاخلاق والشرك بالله وسلوكهم الباطن يوصلهم الى مراتب الائمة والقديسين بحيث ان قبور متصوفة بغداد مازات شاخصة منهم معروف الكرخي والجنيد في مقبرة الكرخ وقبر الشبلي في مقبرة الاعظمية والقبر الرمزي للحلاج وغيرهم في حين ان خلفاء بغداد وولاتها لا وجود لهم واذا ابتدأ الفكر الصوفي في بغداد بمدارس صوفية كالمدرسة الجنيدية نسبة الى الجنيد والمدرسة الحلاجية نسبة الى الحلاج وغيرهم ولم تكن توجد طرق صوفية غير انه بمرور السنون قامت الطرق الصوفية في بغداد كالطريقة القادرية نسبة الى الشيخ عبد القادر الگيلاني والمدرسة الرفاعية نسبة الى السيد أحمد الرفاعي وبعدها بسنين عديدة ظهرت في بغداد الطريقة النقشبندية والطريقة الكسنزانية وعاصر ذلك ظهور الطرق الصوفية في تركيا حيث ازدهرت باكثر مما في بغداد بعد مدة تزيد على اربعمائة سنة من ظهور الفكر الصوفي في بغداد كالطريقة المولوية والطريقة البكداشية الشيعية والطريقة القلندرية وهذه الطرق وان ظهرت في تركيا فانها شائعة في بغداد بحكم تبعية بغداد للدولة العثمانية وبحكم وجود العساكر العثمانية في بغداد ومجاورة بغداد لتركيا لذا مازالت اثار هذه الطرق الصوفية العثمانية في بغداد واضحا منها مثلا المولى خانة الموجودة قرب المدرسة المستنصرية كجزء من جامع الاصفية اي الطريقة المولوية ومنها مكان التكية العائدة الى الطريقة البكداشية في محلة خضر الياس في كرخ بغداد
ولقد كان في بغداد العديد من الزوايا والربط الصوفية فلقد كانت بغداد تعج بالاماكن الخاصة بأهل التصوف فلقد كان في بغداد رباط الزوزني مقابل لجامع المنصور ورباط البديع ورباط البسطامي والرباط البشيري ورباط بهروز ورباط زمرد خاتون ام الخليفة الناصر لدين الله ورباط الاخلاطية الذي انشأته سلجوقي خاتون زوجة الخليفة الناصر وكانت هنالك زوايا صوفية ايضا منها زاوية المولي خانة التي كانت جزءا من جامع الاصفية التي أنشأها والي بغداد داود باشا وزاوية العيد روسي وكانت هنالك تكايا صوفية في بغداد منها تكية البكداشية في سوق الهرج في رصافة بغداد وتكية الهندي وتكية جامع الازبك وتكية مسجد بير داود وتكية الشيخ معروف وتكية البدوي ومن مشهورات التكايا التكية القادرية الطالبانية ومن تكايا الطريقة الرفاعية في بغداد تكية الشيخ گمر وتكية آل الراري وتكية الشيخ مصطفى الشيخ داود في محلة سوق جديد بالكرخ واذا تابعنا الطرق الصوفية في كل الارجاء نجد ان الطريقة القادرية في بغداد هي اول الطرق الصوفية في العالم الاسلامي نسبة الى الشيخ عبد القادر الگيلاني المتوفي عام ٥٦١ هج
ومن الطرق الصوفية التي ظهرت في بغداد في العهد العثماني الطريقة الحيدرية الذين ينتسبون الى جدهم الاعلى احمد الاعرابي حيث نبغ منهم السيد صبغة الله ابن السيد ابراهيم الحيدري المتوفي سنة ١٧٧٢ ومن شيوخ هذه الطريقة السيد عبد الغفور الحيدري مفتي الشافعية ودفين جامع السيد سلطان علي
ومن الطرق الصوفية المتأخرة الظهور في بغداد الطريقة الكسنزانية نسبة الى الشيخ عبد الكريم الكسنزاني وهي بمثابة فرع من الطريقة القادرية وان كانت لها طقوس قد تختلف مع الطرق الصوفية الاخرى ولقب الكسنزان اطلق على هذا الجد وهي كلمة كردية تعني الشخص الذي لا يعرف حقيقته وجرى هذا كلقب والبيعة او العهد فيها يدا بيد وهي وان كانت تبدو طقسا بسيطا لكنها تحمل الكثير من الاسرار
وتعتبر الطريقة القادرية طريقة صوفية عالمية لها اتباع في اغلب دول العالم الاسلامي من الهند الى السودان الى دول اسيا وافريقيا لابل ان لهذه الطريقة الدور في تحويل قادة التتر المغول الى الدين الاسلامي ويشهد على ذلك قصر تاج محل بالهند المسلم المغولي ويشترط في الشيخ في هذه الطريقة اخذه الخصال من الله ومن النبي ومن الخلفاء الراشدين اذ يجب ان تكون خصلتان من الامام علي فيه مثلا العلم والشجاعه وكان قاضي باب الازج ابو سعيد المخرمي هو الذي قلد الشيخ الگيلاني خرقة التصوف واجاز له الاجتهاد والفتوى وتحولت مدرسة القاضي وجامعه الى مدرسة وجامع الشيخ عبد القادر الگيلاني في بغداد اما الطريقة الرفاعية فهي تنسب الى السيد احمد الرفاعي وهو ابو العباس السيد سلطان علي ابي الحسن بن السيد يحيى بن السيد ثابت الذي ينتهي نسبه الى الامام موسى الكاظم وبني رفاعة قبيلة من العرب سكنت ام عبيدة لارض البطائح جنوب محافظة واسط وغرب محافظة ميسان وكان صاحب كرامات والطريقة النقشبندية من ناقش ويذكرون ان هذه الطريقة تعود الى محمد النقشبند المولود عام ٧١٧ هج وقد ظهرت هذه الطريقة كرد فعل ضد المغول والتتر الذين غزوا العالم الاسلامي وختاما فكم كان صائبا شيخ المستشرقين ماسينيون عندما يكون حجه الى بغداد بزيارة لقبر الحلاج ولم يخطئ الراهب الدكتور سكاتولين جوزيبي ايتاذ التصوف في المعهد البابوي للدراسات العربية والاسلامية ان التصوف يرادف الايمان المطلق وانه يمثل البعد الروحي الموجود في جميع الاديان والمذاهب والقوميات وان العالم بحاجة الى التصوف لاخفاق كل حوارات الاديان والثقافات والحضارات وان القرن الواحد والعشرين اما يكون قرنا صوفيا او لا يكون كما يقول المفكر الفرنسي أندريه مارلو .