23 ديسمبر، 2024 3:33 ص

الطبيعة السياسية للشخصية العراقية

الطبيعة السياسية للشخصية العراقية

ـ برزت لدى الشخصية العراقية منذ ثور14 تموز 1958 نظرية المؤامرة في تفسير الأمور السياسية لتترسخ لديه هذه النظرة بمرور الزمن.. وتصبح سلوك في تفسيره لكل الأمور السياسية وغيرها.. حتى في العلاقة مع أفراد أسرته.
إن ما يميز شعب العراق عن شعوب العالم انغماسه في الأمور السياسية.. في كل الأوقات والأزمان.. ويفسر كل الأمور على أساس سياسي.. فنجد الشخصية العراقية.. أخذت تتصاعد في سلوكها السياسي منذ أواخر القرن التاسع عشر.
كان العراق أول البلدان (الإسلامية والعربية والشرق أوسطية) التي قامت فيها التمردات والثورات ضد الحكم العثماني.. ثم ضد الاحتلال البريطاني.. ثم الثورات والتمردات ضد الحكم الملكي.. وأول انقلاب عسكري في المنطقة حدث في العراق العام 1936.. والعراق هو أول بلد عربي يحصل على الاستقلال لنظامه السياسي في العصر الحديث العام 1932.
ـ بالمقابل.. ما يثير الدهشة.. إن شعب العراق كان آخر الشعوب العربية والإسلامية تتشكل فيه الجمعيات والأحزاب السياسية الحديثة.. وما يثير الدهشة ثانياً: إن جميع الأحزاب العراقية بلا استثناء منذ ظهورها في العراق العام 1908 حتى اليوم.. ومن خلال مسيرتها السرية والعلنية أثبتت إنها لا تمتلك رؤى عراقية.. بل كانت وما زالت حتى اليوم رؤاها.. وإيديولوجياتها.. الفكرية.. أما عثمانية.. أو عربية.. أو أفكار ماركسية.. أو ليبرالية.. أو طائفية.
وجميعها إن صح التعبير مستوردة الأفكار.. وليس لها شأن في الإنسان والأرض العراقية.. أو في الحقيقة إن الأحزاب في العراق هي أحزابٌ تابعة لأحزاب رئيسة من خارج العراق.. فلا نجد حزباً حتى اليوم عراقيُ (التنظيم.. والفكر.. والقيادة.. والأفراد).. واليوم تجد كل الكتل السياسية ليست صناعة عراقية.. وليست إيديولوجياتها وارتباطاتها بالأرض العراقية.. وحتى تمويلها غير عراقي.
ـ وهنا لابد أن نؤكد إن رجالات هذه الأحزاب منذ عشرينات القرن الماضي حتى اليوم.. على الرغم من عظمة نضال الكثير من كوادر هذه الأحزاب.. ووطنيتهم التي تخضبت بدمائهم الزكية.. ما زال التفكير حتى اليوم بنفس الأساليب التقليدية.. ليس في تأسيس أحزاب عراقية في الفكر والممارسة والبرامج.. بل إن هذا التقليد شملً حتى منظمات المجتمع المدني في العراق فتجد معظمها تمويلها وارتباطاتها خارجية.
ـ ولابد من القول إن القادة العراقيين والمسؤولين الكبار.. لم يستطيعوا حتى أن تتجاوز هذا التفكير التقليدي.. باستثناء الملك فيصل الأول الذي طرح مفهوم “الأمة العراقية”.. وسار في هذا الطريق وفق أفكاره بهذا الشأن.. لكن الرجل لم يستطع أن يتقدم خطوات كبيرة بهذا ألشأن فماتت أفكاره وخططه بموته.
الشخصية الثانية كانت الزعيم الركن عبد الكريم قاسم الذي طرح أيضا مفهوم (الأمة العراقية).. لكنه لم يخطو أية خطوة بهذا الاتجاه فلم يعينه رفاقه.. ولا الأحزاب السياسية.. ومات وماتت فكرته التي لم تتبلور.
ـ اليوم نجد الغالبية العظمى من شعبنا ذات تفكير وسلوك سياسي.. فأصبحت السياسة كل شيء.. فأي موضوع يتم الحديث فيه.. لابد أن يكون الموضوع السياسي حاضراً.. والتفسير لكل الأمور على أساس نظرية المؤامرة والتخوين.. ومشكلاتنا في الحياة تتمحور سياسياً.. وأحلامنا في النوم واليقظة ذات طابع سياسي.. ومعظم هذا السلوك “مستورداً” إن صح التعبير.. فهو يتحدث عن مشكلة عراقية بحلول أجنبية.. سواء بحلول إقليمية أو دولية.. وتجد الغالبية تطرح أو تؤيد أو تعارض الأطروحات والرؤى الخارجية للمشكلات العراقية.
الأهم إن التحليلات السياسية لغالبيتنا ليست قائمة على دراسة الواقع والأحداث.. والنظرة المستقبلية.. بل قائمة على السماع.. أو حتى بلا سماع ولا معرفة!!
الأخطر اليوم إن انتخاباتنا التشريعية بمال أجنبي.. وتشكيل الكتلة الأكبر بتوجيهات أجنبية.. بل تصل الى الأوامر.. حتى جمع النقيضين في كتلة واحدة.. واختيار رئيس الوزراء.. وتشكيل الحكومة بتوجيهات أجنبية.
ـ غالبية الأحداث الكبرى التي مرت في تاريخ العراق تأثرت بشكل أو آخر الى عوامل خارجية أو الى أيدي أجنبية “سواء الأحداث المصيرية كالثورات والانقلابات.. أو حتى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية”.. سواء أكانت هذه الأحداث ايجابية أم سلبية.
ـ الأخطر من ذلك عبادتنا للفرد.. فإن لم نجد فرداً نقدسه.. نخلق هذه الفرد حتى لو كان جاهلاً أو مجنوناً.. ونغطي على كل أخطائه.. ونبرر جرائمه.. وندافع عنه.. لدرجة تصفية المقابل إن تفوه بشيء عليه.. حتى لو كان ما يتفوه به صحيحاً.. “فنجد الكثير مازال يحنُ بشكل غريب الى العهد الملكي.. ويخلق الروايات والأساطير لنوري السعيد.. مثلما نجد الشعب متخندق حتى اليوم بين ملكيون حتى الثمالة.. وبين قاسميون حتى الثمالة.. وصداميون حتى الثمالة.. أو طائفيون حتى الموت”.. واليوم نجدهم متخندقين حتى القتل ليس للعراق.. بل للسعودية أو تركيا أو إيران أو أمريكا أو غيرها.. بالرغم من إن الكل تصرخ بالوطنية.. “أية وطنية؟.. لا أدري!!” كل هؤلاء يجمعهم شيء واحد غياب النظرة العراقية لحل مشاكلهم.
ـ في تفكير العراقي السياسي.. إن الماضي هو الجيد.. وهو الزمن الجميل مهما كان.. وإذا لم يكن جميلاً.. فنحن نجمله بحكايات وهمية.. نحن نصدقها !! وإن الحاضر مهما كان هو السيئ حتى لو كان جميلاً.
ـ لهذا فنحن الشعب الوحيد الذي نكرر وبإصرار الى إعادة كتابة التاريخ حسب ما نشاء.. وحسب ما نرغب.. وليس كما هي الحقيقة.. ومن يكتب الحقيقة فهذا كذاب ومزور التاريخ.. حتى إن الكثير من رسائلنا وأطاريحنا الأكاديمية التاريخية والسياسية تفتقد الى الكثير من الموضوعية والعلمية والوثائق الرصينة.
ـ النقطة الثالثة المثيرة للدهشة: إن جميع سياسيي عراق ما بعد 2003 حتى اليوم بقادتهم.. وأحزابهم.. ومسؤوليهم.. لا يفهمون ألف باء السياسة.. ولا المهارات القيادية.. وأغبياء في مفهوم الإستراتيجية.
ـ المصيبة الأنكى اليوم: هي إن الغالبية العظمى من سياسيينا اليوم.. ومن يقود السلطة والاقتصاد في العراق.. عراقيون بالاسم.. وهم وعوائلهم جنسياتهم أجنبية.. ولن يتنازلوا عن هذه الجنسيات .. وإقامتهم الدائمية في تلك الدول.. وهم يقودون العراق.. ويعيشون مترفين حتى الثمالة من أموال العراق.
ـ الأغرب في كل من ذلك إن الكثير من أعضاء مجلس النواب العراقي يعتزون بجنسياتهم الأجنبية.. أكثر من جنسياتهم العراقية.. ويسمون أنفسهم “ممثلي الشعب العراقي” !! عجيب شخص لا يعترف انه عراقي ويتمسك بجنسيته الأجنبية.. ويدعي أنه يمثل الشعب العراقي!!
ـ صحيح إن معظم الدول الأوربية والأمريكية الكثير الكثير من أبنائها هم من المهاجرين.. لكنهم ليسوا مزدوجي الانتماء.. ولا مزدوجي الفكر.. ولا مزدوجي المصالح.. بل إن هؤلاء المهاجرين بغالبيتهم قطعوا علاقاتهم بدولهم الأم.. وانتموا بشكل حقيقي للدول المهاجرة لها.. وأصبحوا مواطنين حقيقيين للدولة التي يعيشون فيها.
ـ فمتى يفكر العقل العراقي بحسم ولائه بشكل تام؟.. والعمل على تطوير أيديولوجيات للأمة العراقية؟.. ومتى نعمل على خلق أجيال متخصصة في علوم: النفط.. والاقتصاد.. والتخطيط المالي.. والعمراني والمدن.. وعلم الحياة.. والأرض.. والفلك.. والمياه.. وعلوم الجو والمناخ.. والذرة.. والطاقة.. والأديان.. والكهرومغناطيسية.. وغيرها من العلوم بعيداً عن الانتماء السياسي والسياسة؟.. وإذا وجدت بعض هذه العلوم في جامعاتنا.. فهي مازالت تعيش عصر خمسينيات القرن الماضي.. ولم تواكب التطورات العلمية.. وبالتالي فهي متخلفة.. ولا يمكن أن تساير تطور الحياة.
ـ ومتى نؤمن بالحرية والقانون والقيادة الجماعية وحب الوطن.. وليس بالأشخاص.. وبالعشيرة.. ونبني دولة مدنية حقيقية لا باسم فقط؟؟
ـ متى نعيد للأديان قدسيتها.. ونترك التجارة بالدين ؟.. ونترك إننا دينيون لساناً ونفاقاً.. “فالدين لله.. والوطن للجميع”.. وان الدين ينظم صلة المرء بربه وفي آخرته.. والوطن لجميع الشعب بكل طوائفه.. والقانون هو الذي ينظم السلوك العام وصلاته بين قومه ودنياه.
ـ متى نجد التفكير العراقي وصل لإنضاج فكر عراقي نابع من واقع العراق لبناء عراق متطور في واقعه وظروفه ورجاله؟.
ـ متى نترك التخندق الى خنادق نتقاتل ليس لبناء العراق.. بل لتوجهات إقليمية ودولية؟.. فهذه حرب من أجل المذهب.. وتلك حرب بالنيابة عن الأمة العربية.. وأخرى حرب بالنيابة عن العالم.. يا للمهزلة نتقاتل فيما بيننا سنة وشيعة ليس للعراق.. بل للدول المجاورة.. التي تدعم قتالنا وتسرق ثرواتنا.
ـ متى تكون مرجعيتنا الأولى “الوطن”.. وتبقى مرجعياتنا الفرعية تخص كل طيف وتحترم من قبل كل الأطياف؟؟؟