23 ديسمبر، 2024 1:53 ص

الطبيب مشالي ليس أول أطباء الغلابة ولن يكون آخرهم !

الطبيب مشالي ليس أول أطباء الغلابة ولن يكون آخرهم !

بدأت رحلتي -إعلاميا- مع رحمة الطب والتطبيب والطبابة وأشهر أطباء الفقراء والغلابة عام 2004 تحديدا فبعد أن – حوسم – الغوغاء والسوقة وشذاذ الافاق مستشفيات العراق ومستوصفاته وعياداته الشعبية ومراكزه الصحية وفككوها وسرقوها ليتركونها أثرا بعد عين بعيد الاحتلال الاميركي البوشي الماسوني الغاشم عام 2003 شرع عدد من الاطباء بإقامة ما صار يعرف يومئذ بـ” العيادات الانسانية ” كإجراء مؤقت يتكفل بعلاج المرضى بأسعار رمزية أو مجانية ريثما يتسنى للمتخصصين إعادة الامور الى نصابها وتأهيل المستشفيات الحكومية المسروقة والمدمرة وتجهيزها مجددا …كانت المعدات والاجهزة الطبية المسروقة تباع في سوق الهرج وسوق الحرامية في ساحة التحرير بثمن بخس بعد نهبها حيث المجاهر الالكترونية ، السديات ، الاسرة ، السماعات ، الأدوات الجراحية ،تباع على الارصفة من قبل أنصاف لصوص وأرباع بشر وأخماس مواطنين ، ثلثهم يظهر اليوم على الفضائيات يتباكى أحدهم على عراقه الذي أسهم هو أولا بسرقته وتشجيع أمثاله من سقط المتاع على فعل ذلك ، يظهر أمام الشاشات وهو يحمل على الساسة الفاسدين مع أنه شخصيا اس الفساد والافساد والطائفية المقيتة في الارض ،وهو ذاته الذي وبعد أن باع دينه بـ”مبردة ، براد ، ثلاجة ، تلفزيون ، مكتب منضدي ” سرقها من احدى المؤسسات والدوائر الرسمية ايام الحواسم ، قد باع ولمرات عدة خلال السنوات التي اعقبت الحوسمة ، صوته واصبعه الانتخابي للفاسدين مقابل “صوبة ، بطانية أم النمر ، كارت موبايل أبو العشرة ” وهو نفسه الذي واذا ما ولي منصبا فسيبيع ضميره هذه المرة ويخون الأمانة لأن الحليب الذي ارضعه والفكر الحاقد الذي لقنه منذ نعومة أظافره غير طاهر، ومن بين العيادات التي تم افتتاحها لغرض تقديم المساعدة ومد يد العون الى المعوزين كانت عيادة في احدى المناطق الشعبية القديمة وقد انتدبت اعلاميا متطوعا لتغطية فعالياتها اليومية وكانت تعالج المرضى بأجر مقطوع – 500 – دينار بضمنها صرف الدواء وكشفية الاطباء – وعددهم خمسة اضافة الى المضمد – ممن تبرعوا للعمل من دون مقابل فيها حيث وضعت قطعة كبيرة على باب العيادة نصها (علاج الايتام وذوي الاحتياجات الخاصة مجانا) أما البقية فبـ 500 دينار فقط لاغير ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه الى توزيع الحصص التموينية بين المراجعين في رمضان ، وتوزيع البيض بينهم ، اضافة الى إجراء عمليات الختان الجماعية المجانية ، والتوسط لكفالة الايتام لدى المنظمات الانسانية ، وتوزيع الكراسي المتحركة والعكازات المرفقية بين ذوي الاحتياجات الخاصة …وكلها من تبرعات المحسنين واصحاب القلوب الرحيمة ، ومنذ ذلك الحين صار عندي شغف كبير بملاحقة أخبار أطباء الفقراء والغلابة في عموم الوطن العربي والعالم الاسلامي حاضرا وماضيا ولعل من أشهرهم الطبيب محمد مشالي الذي توفاه الله تعالى فضجت جميع وسائل الاعلام والتواصل بالترحم عليه وذكره بكل خير وثناء حسن ، الا ان مشالي رحمه الله والحق يقال لم يكن الأول في مجاله ولن يكون الأخير قطعا فطبيب جراحة الأطفال المهدي الشافعي ” مغربي الجنسية ” قد قدم العلاج المجاني لمئات الأسر الفقيرة جنوبي المغرب وأجرى أكثر من 500 عملية جراحية مجانا،حتى لقب بـ “طبيب الفقراء” ، كذلك الدكتور رحيم مال الله الخشيمي (عراقي ) اختصاص باطنية قلبية صدرية وهو معروف بعلاج المرضى مجانا في اشهر مخصوصة من السنة وبمبالغ زهيدة طيلة العام ، علاوة على الدكتور عبد الامير علوش ( عراقي ) المولود سنة 1938م في مدينة الحله وعيادته في مركز المدينة وأجور كشفيته 500 دينار عراقي فقط و دوامه بعد تقاعده بشفتين” صباحي – مسائي “تذهب ثلث أتعابه لدفع أيجار العيادة وثلث له والباقي لمساعدة الفقراء حتى لقب كل واحد منهم بـ” بطبيب الفقراء ” ولله در القائل في صنائع المعروف قبل الموت :
صنعُ الجميلِ وَفعلُ الخيرِ إِنْ أُثِرا..أبقى وَأحمد أَعمال الفتى أَثَرا
بَلْ لستُ أَفهم معنى للحياة سوى..عن الضعيفِ وإنقاذ الذي عثرا
والناسُ ما لم يواسوا بعضَهمْ ..فهمُ كالسائماتِ وَإِن سمَّيتهمْ بشرا
كذلك الطبيب الجزائري محمد توات، المعروف بـ”طبيب الفقراء”والذي وافاه الاجل المحتوم إثر إصابته بفيروس كورونا المستجد ( كوفيد – 19 ) بعد رفضه الابتعاد عن المرضى المصابين وكان مصرا على علاجهم حتى اصيب بالوباء ومات بسببه وكان معروفا بإجراء الفحوص الطبية مقابل 1.5 -$- فقط لاغير فيما يعالج الفقراء بالمجان ويشتري لهم الدواء على حسابه، ومن اطباء الفقراء المعروفين التونسي الذي لقب بـ” طبيب الشعب ..وطبيب الفقراء ” أحمد بن ميلاد الذي اسس نقابة الاطباء التوانسة اضافة الى اول مستوصف في تونس، زيادة على الطبيب التونسي عبد الرحمن مامي ، وكان معروفا بعلاج المرضى الفقراء من دون مقابل في عيادته الخاصة حتى لُقب بـ”طبيب الفقراء” وقد اغتالته منظمة ارهابية تابعة للاحتلال الفرنسي تطلق على نفسها اسم ” عصابة “اليد الحمراء” واطلقت عليه وابلا من الرصاص أمام منزله وداخل سيارته فأردته قتيلا كل ذلك لدوره في مقاومة المحتل الفرنس الغاشم بمعنى ( اشداء ) ولدوره في رعاية الفقراء بمعنى ( رحماء ) ..الطبيب السوري إحسان عز الدين، وكشفيته كانت 50 ليرة سورية ومن ثم صارت 100 ليرة بما يعادل دولارا واحدا تقريبا حتى أن مجموع ما تقاضاه عن علاجه لـ 100 ألف حالة لم يتعد الـ10 آلاف دولار فلقب بـ” ابو الفقراء ” وقد كرمته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بلقب الوصيف لجائزة نانسن التي تمنح لتكريم من تفانوا بخدمة النازحين من جراء الحروب والصراعات، وذلك لجهوده في علاج مرضاه على مدار 50 عاما.
الطبيب الاردني رضوان أحمد محمد السعد بدوره لقب بـ” طبيب الفقراء” وكانت أجرة معاينته نصف دينار قبل ان تصير دينارا واحدا وبعد وفاته نهاية العام الماضي شيعه ونعاه كل الاردنيين وفي مقدمتهم الملك ، وغيرهم المئات ممن لم تسلط الاضواء عليهم ولولا برنامج ” قلبي إطمأن” الذي سلط الضوء على سيرة ومسيرة الطبيب محمد مشالي ، لما عرفه احد خارج حدود طنطا حيث تقع عيادته التي يتزاحم على ابوابها الفقراء يوميا ، فضلا عن مصر والوطن العربي لأن من طباع هؤلاء العمل بصمت ومن دون رياء ولا بحث عن شهرة ولاسمعة ، انهم الاتقياء الانقياء الاخفياء، الا ان الله تعالى يشاء ان يعرفهم للناس إكراما لأحسانهم حتى يترحموا عليهم “ارجو ملاحظة ان اللقاء الذي بث عن الطبيب المشالي واذاع صيته بين الناس في كل مكان كان قبل شهرين من الان ” هذا الطبيب الانساني الرحماني الذي بين لنا أسباب حنوه على الفقراء والمعوزين يوما حين قال “اكتشفت بعد تخرجي أن أبي ضحى بتكاليف علاجه ليجعل مني طبيباً، فعاهدت الله ألا آخذ قرشا واحدا من فقير أو معدوم” .
ولاشك أن تأريخ الطب المشفوع بالرحمة والانسانية في الاسلام طويل وطويل وأول مشفى في الاسلام كان في خيمة داخل المسجد النبوي نصبت أيام غزوة الخندق بأمر من رسول الحق وحبيب الخلق صلى الله عليه وسلم الذي جاء للبشرية بشيرا ونذيرا ورحمة للناس كافة ، ثم كانت البيمارستانات،وتعني “بيوت المرضى” في العهود اللاحقة والتي يعالج فيها المرضى بقسمين – نسائي ..رجالي – وكانت مقسمة بحسب طبيعة الامراض وتضم صيدلية ومسجدا ومطبخا ومكتبة وقسما لتدريس العلوم الطبية وارشيفا تدون فيه الحالة الصحية لكل مريض ، وبرز اطباء مسلمون طبقت شهرتهم وعلمهم الافاق ودرست علومهم واكتشافاتهم الطبية المذهلة وتم تداول اختراعاتهم في عموم اوربا والعالم لقرون طويلة امثال الرازي ، ابن سينا ، الزهراوي ، الكحال ، إبن القف ، ابن الهيثم ، ابن البيطار ، ابن النفيس ، واشهر كتب الطب (القانون في الطب) لابن سينا و(الحاوي في الطب) للرازي و(التصريف لمن عجز عن التأليف) للزهراوي وكتاب ” أدب الطبيب ” للرهاوي ، و ” أخلاق الطبيب ” للرازي عن اخلاقيات مهنة الطب ، وكتاب ” زاد المسافر وقوت الحاضر” لابن الجزار، ويعد كتاب الطب النبوي للإمام ابن القيم من أشهر المصنفات في مجال الطب النبوي وطب الاعشاب ، يليه كتاب (المنهج السوي) للأمام جلال الدين السيوطي وكتاب (الطب النبوي) للحافظ السخاوي، وكتاب (الاربعون الطبية) من سنن ابن ماجه لمحمد البرزالي ، وكتاب (التذكرة في الطب النبوي) لأبن جماعة ،كيف لا وقد أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بالتداوي ودعا اليه ورغب فيه كما جاء في الحديث الشريف: (تداووا عباد الله، فان الله لم يضع داء إلا وضع معه شفاء، إلا الهرم) وهو القائل صلى الله عليه وسلم في رعاية المرضى ورفع معنوياتهم وعلاجهم ومداراتهم وعيادتهم : ” إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ” ، وخرفة الجنة تعني ثمرها وجناها ، وقوله صلى الله عليه وسلم ” أَطْعِمُوا الْجَائِعَ ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ” ، والعاني تعني الاسير ، وقوله صلى الله عليه وسلم ” حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ ، وَإتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ ” .
ولايفوتنا أن نذكر بما قام ويقوم به أبطال ” الجيش الابيض ” من جهود مضنية وحثيثة وسط مخاطر جمة لعلاج مرضى كورونا في المستشفيات كافة، ولابد من ان نعرج على الممرض ومعاون المختبر محمد كريم ، الذي ضرب لنا اروع الامثال في التخفيف عن المرضى المصابين بالوباء بمستشفى الموانئ في البصرة ، فبوركت القلوب الرحيمة التي تهيم بحب الفقراء والمحتاجين وتتفانى لعلاج المرضى الراقدين والمراجعين في كل زمان ومكان،ولله در القائل :
إنْ كنتَ لا ترحمُ المسكينَ إن عَدِما …ولا الفقيرَ إذا يشكو لك العَدما
فكيف ترجو من الرحمنِ رحمتَه ….وإنَّما يرحمُ الرحمنُ من رَحِما
اودعناكم اغاتي