23 ديسمبر، 2024 12:10 م

الطبل سأزرع طبلاً… 

الطبل سأزرع طبلاً… 

هكذا قررتُ، ورحتُ أبحث عن طبل لتنفيذ قراري، وأخيراً وجدتُ ما كنتُ أبحث عنه منذ سنوات، طبل خشبي، وجدته أمام رجل لم أرّ وجهه، او هو لم يرد أن أراه… رجل  يبيع الذكرى كما قال بكلمات خرجت ربما من فمه، فأسرعتُ بشراء الطبل.  أرض مدينتنا خصبة لكل شيء، لذلك، ليست محاولة عبثية أن أزرع طبلاً في هذه الأرض، خاصة أنها أرض مجربة ، حتى أن هناك من يأتون ليلاً فيزرعون القتلى، وفي الصباح نرى أن المدينة مليئة بأعداد القتلى نبتت من الأرض، من كل قتيل يزرعونه في التربة، ينبت فوج قتيل.لم يطل الوقت بعد أن زرعتُ الطبل الخشبي، حتى رأيتُ براعم غريبة اللون تنبت من تلك المساحة التي دفنتُ الطبل فيها، وكان ذلك إشارة نجاح لفكرتي وقراري، أن أزرع طبلاً فأنا متأكد أن الطبل ليس فارغاً أبداً، بل هو يخزن تلك الأوقات واللقطات التي يقوم فيها الطبال بالضرب عليه، لا يوجد طبل فارغ، وهذه البراعم هي إشارة لذلك، هذه براعم ستنبت تلك اللحظات والأوقات واللقطات التي كان فيها هذا الطبل يعمل في يدي طباله.فجأة، تسارع نمو تلك البراعم مع تصاعد أصوات من تلك المكبرات الصوتية التي هي موجودة في كل ركن من المدينة ، والتي تخرج منها أصوات عالية، أصحاب المدينة يحبون الأصوات العالية، فمؤسس مدينتنا كان طبالاً، وكل الذين مسكوا مدينتنا من بعده هم من نسل ذلك الطبال، لذلك فهم مدمنون على الأصوات العالية. كلما أرتفع صوت ، زاد إرتفاع البراعم، حتى أصبحت جذوع أشجار غريبة، ثم مع إستمرار تلك الأصوات وتداخلها وإرتفاعها، أصبحت الأشجار غابات كثيفة، تغطي المدينة كلها، فلا نرى أي شيء فيها ولا حتى من يأتي ويزرع ويذهب، لكننا نحس تحت أرجلنا بإزدياد القتلى كدليل على زيادة زارعي القتلى الذين يأتون بالليل.غير أن تلك الأشجار صارت تحمل في أغصانها ما تستخدمه جيوش مدينتنا في حروبها المستمرة، وتكاد تسقط علينا، وأشجار الطبل تنبت وتتكاثر، فأصبحنا بين قتلى تحت أرجلنا، أولئك الذين لا نعرف من هم ولا من يرزعهم، وبين أدوات القتل فوق رؤوسنا، تلك التي تقترب منا حد أن تطبق علينا…تلك الأغصان حين تتشابك مع بعضها، نسمع أصوات الحرب وهي تتداخل مع أصوات مكبرات الصوت…أصبح الآن واضحاً أن  ذلك الطبل الخشبي الذي إشتريته هو طبل الحرب، الحرب التي لا نعرف وجه قارع طبلها كذلك الرجل… ذلك  الذي كان يبيع ذكرى الحرب في ذلك الطبل، تلك الذكرى صارت الآن تغطي مدينتنا…نعم… الرجل كان قارع طبول الحرب وكنتُ أظنه قارع طبول الفرح، وكنتُ أظن أن  الفرح سينمو في أرض مدينتنا الخصبة ! مدينتنا التي أطبقت عليها الآن الحرب والقتلى.