8 أبريل، 2024 5:23 م
Search
Close this search box.

الطبقية والطبقة الوسطى في العراق

Facebook
Twitter
LinkedIn

تشير قواميس المصطلحات الاجتماعية والسياسية الى الاختلاف الكبير من مصطلح الطبقية، والطبقة الوسطى، حيث ان المصطلح الأول يدلل على حجم التفاوت المالي وفقدان العدالة بين المواطنين في البلد الواحد، في حين يشير مصطلح الطبقة الوسطى على وجود فئة اجتماعية من الشعب تتميز عن الاخرين بالمقومات الثقافية والاقتصادية مما تجعلها منتجة في تقديم النفع الذي يصب في المصلحة العامة ومسلكها لزمام المبادرة في كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصناعية والثقافية وما الى ذلك، لهذا تعد الطبقة الوسطى عماد المجتمع في أي دولة ناهضة وتسعى الى التقدم.
كما انها أي الطبقة الوسطى عادةً ما تكون سمة من سمات المجتمعات المستقرة وتشهد مستويات نمو متطورة، كما مس ذلك اقتصاديات البلدان ذات الأسواق الناشئة، التي بدأت بالتصاعد مع منتصف القرن الحادي والعشرين والتي تساهم ما نسبته 45 من الناتج الإجمالي العالمي ويتوقع ان تزداد مساهمتها في الناتج الإجمالي العالمي المذكور الى70% في العقد القادم من الزمن كما يشير الى ذلك الخبير مظهر محمد صالح الخبير الاقتصادي العراقي.
بالنسبة للعراق تفاوت تاريخه السياسي والاجتماعي بين سيادة الطبقية، ونمو الطبقة الوسطى واضمحلالها، فعندما كان العراق كدولة زراعية في اطار نفوذ الدولة العثمانية كانت تسيطر عليه الطبقية الريفية الاقطاعية مع وجود هامش ثقافي ونمو خجول للطبقة الوسطى لكن مع بدايات العهد الملكي اخذت الطبقي الوسطى في التطور كما يشير الى ذلك بالتفصيل الكاتب حنا بطاطو في كتابه الطبقات الاجتماعية في العراق، وحتى مع تأسيس الجمهورية في العراق مع ما شهدته من اضطرابات سياسية وتغيير في بنية الاقتصاد العراقي الزراعي آنذاك شهد العراق بروز نمو طبقى وسطى ترتكز هذه المرة على الطبقة العسكرية وظلت في التطور الى حدود في السبعينات من هذا القرن، التي تعتبر فترة افول الطبقة الوسطى في العراق كانت بمثابة لانهيار الطبقة الوسطى عبر انتشار ايدلوجية البعث الشعبوية القائمة على السذاجة والاحادية الفكرية والاقتصادية وتسخير اقتصاديات الدولة وأبناء الطبقة الوسطى لأجندات سياسية عبثية، وعاشت الطبقة الوسطى مع دخول العراق في الحرب مع ايران حالة التغريب الكامل، وتعرضت لشتى أنواع الاتهام والاضطهاد، والتفقير، ومن ثم بدأت في الانسلاخ بصورة نهائية وفر الكثير من شرائح هذه الطبقة الى خارج العراق، في حين بدأت الطبقية السياسية والاجتماعية في الاستفحال على أسس مناطقية واقتصادية ومن مظاهر هذا التحول السلبي في تلك الفترة مايلي:
المناطقية والتمييز على أساس المدن ومن ثم على أساس المناطق، فلم يلحظ التمايز المهني القائم على أسس المهنية والثقافة.
بروز الطبقية التجارية التي تحولت الى اوليغاشية اجتماعية واستفحال ظاهرة الفقر الشديد لاسيما مع دخول العراق في الحصر الاقتصاد مع بدايات التسعينات
انتشار القمع السياسي والاضطهاد السياسي فتعرض ما تبقى من الطبقة الوسطى اما اللجوء الى موالاة السلطة او التعرض للقمع او مغادرة الدولة وللجوء الى دول أخرى.
الاضطهاد السياسي اتجاه رجال وعلماء الدين بقدر ما أدى الى انزواء هذه الجماعات فأنه ساهم بصورة غير مباشرة في تكوين طبقة من رجال الدين اخذت بالنمو بعد تعاطف الشرائح المجتمعية في العراق لاسيما في مناطق بغداد ومدن وسط وجنوب العراق التي ستبرز بقوة بعد سقوط النظام الاستبدادي بعد بروز الأحزاب ذات الإيدلوجيا الدينية الى جانب بروز طبقيات أخرى كالعرقية الكردية وتيارات أخرى سنية تتراوح بين القبلية والإسلامية المتشددة والبراغماتية الواقعية.
حيث مثلت فترت ما بعد سقوط النظام السياسي الشمولي بداية لمرحلة جديدة اريد لها ان تعيد الطبقة الوسطى من جديد بدءاً من تحسين الواقع المالي والوظيفي، لكن عدد من العناصر السلبية أدت الى انتكاسة هذه العودة منها بنية النظام السياسي الجديد الذي ساده ثقافات عرفية قائمة على أسس خاطئة لم تفلح في إعادة الطبقة الوسطى الى مسارها في فترات الاربعينات والخمسينات، من خلال سيادة أنماط غريبة في تسير مؤسسات الدولة، وغياب الخطط الاستراتيجية في تنمية قطاعات التعليم والثقافة إضافة الى القطاعات الاقتصادية التي لا تزال مرهونة بهيمنة الاحزاب والكتل السياسية التي اشرنا الى شكلها السياسي والاجتماعي التي تحولت الى طبقية اولغارشية سياسية قائم على حكم المال والثروة ككسب غير مشروع .
استنتاجا لما تقدم مع الاغتراب الذي حل بالطبقة الوسطى واستفحال الطبقيات التي بدأت مع ظهور الأنظمة الدكتاتورية وتواصلت مع الفوضى الحزبية السياسية في عراق ما بعد النظم الشمولية والدكتاتورية، وحتى ننهض بالطبقة الوسطى لابد ان تعتمد على عدد من الأسس ومنها مايلي:
التنمية الاقتصادية وانعكاسه على مختلف القطاعات
سيادة حكم الكفاءات وتطويق المحاصصة الطائفية والحزبية التي تمثل حجر عثرة امام نمو الطبقة الوسطى في العراق
إشاعة ثقافة المواطنة المجتمعية عبر القنوات الرسمية وغير الرسمية، القائمة على ثنائية الامة ــــ الدولة هذه الثقافة تشجع من انتماء الناس الى ثقافة الدولة وترك الثقافات الفرعية وتحجيم الطبقية السياسية والاجتماعية والعشائرية والدينية والعرقية.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب