عرف الشعب العراقي بميزة وخصوصية تفرد بها عن الكثير من الشعوب المجاورة له والمحيطة به ، وكان لتاريخه الحضاري العميق وما حباه الله من خيرات كثيرة ومتعددة أثر كبير في تلك الخصوصية والميزة، فالعراق أرض الروافد الثلاثة ، (دجلة والفرات والنفط) ، وأرض الأنبياء جميعا والأئمة الأطهاروالصحابة الأجلاء عليهم جميعا أفضل السلام 0 وأول ما يعرف به العراقي هو كرمه الذي لا حدود له ،هذا الكرم الذي يصل به أحيانا الى حد البذخ والأسراف! ، حتى أن أخواننا المصريين يقولون للشخص الذي يسرف بالكرم ( أنت بتتبغدد علينا) ، أي أنت بغدادي! 0 وبغض النظر عن صدق الرواياتمن عدمها ، عن كرم ( حاتم الطائي) الذي صار مضربا للأمثال عبر التاريخ ، عندما نحر ناقته الوحيدة أكراما لضيوفه ! ، هوخير دليل على كرم العراقيين 0 كما وتميز المجتمع العراقي بالتزامه بمعاني الشرف والكرامة والشمم وأباء النفس وفضائل الأخلاق ، وعلى الرغم من تركيبته الأجتماعية المتنوعة والقومية والعرقية والمذهبية ، ألا أن العراقيين كانوا يعيشون بسلام ووئام ومحبة فلا فرق بين كردي وعربي وسني وشيعي ومسيحي وصابئي ويزيدي وشبكي ، فالكل يعيشون تحت خيمة العراق الواحد بأنتمائية صادقة وحب لتربة العراق ، وكان مما يقوي ذلك النسيج الأجتماعي الرائع المتمثل بحب العراق هو وجود المصاهرة بين كل أطياف الشعب العراقي فالسني يتزوج من الشيعي والكردي يتصاهر مع العربي والعكس أيضا، حتى نجد أن بعض المسلمين يتزوج من أخواننا المسيحيين! ، فلا فرقة ولا تفرقة بين كل أبناء الشعب العراقي ، وكانت هناك روح المواطنة الصادقة والولاء المطلق للوطن بعيدا عن أية روح من الأنانية والتفرقة، فالكل يمارسون حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم ، بكل أحترام وبروح من الألفة بين الجميع0 أما العشائر العراقية وشيوخها فكانت لهم سماتهم وخصائصهم ، وكان للعشيرة دور كبير في تربية أبنائها على فضائل الأخلاق ومعاني الشرف ،وكانت العشيرة تتبرأ من أحد أبنائها عند قيامه بفعل مشين كالسرقة والأغتصاب ونهب مال الغيروأية جريمة معيبة ومخلة بالشرف 0 فالحياة العراقية بتركيبتها الأجتماعية المتنوعة ومجمل تفاصيلها وطبقاتها من (تجار وموظفين وكسبة) وغيرهم كانت تسودها روح المحبة والأحترام والتقدير والتسامح والوئام ، وأحترام كل المثل والقيم والمباديء الأجتماعية 0 هذا كان وضع العراقيين منذ قيام الدولة العراقية عام 1921 وحتى قبلها وأستمر على هذا النحو رغم تعاقب الحكومات من ملكية وجمهورية وتباين أفكار قادتها ومواقفهم السياسيةوالوطنية وأختلاف أصولهم الأجتماعية والعشائرية والمذهبية ، ألا أنهم جميعا حرصوا على المحافظة على شكل النسيج العراقي 0 ولكن هذه الصورة الجميلة والرائعة من الفسيفساء والنسيج الأجتماعي والديني والعشائري والمذهبي بكل ملله ونحله والذي يتفرد بها العراق ، أصابها الكثير من التمزق والتصدع والتغيير! ، منذ الأحتلال الأمريكي البريطاني الغاشم للعراق ، حيث عمل الأحتلال بسياسته المعهودة والمعروفة على تفتيت هذه البنيةالمجتمعية وهذا النسيج الأجتماعي العراقي الرائعمن خلال أتباع سياسة ( فرق تسد) ، وذلك بزرع الفتن الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية وأشاعة روح الحقد والأنتقام والفرقة وأفساد المجتمع بالتجهيل والتشجيع على نشر الرذيلة والفساد والمخدرات بأنواعها ، والتخلف والأيمان بالخرافات الدينية والأجتماعية ، والعمل على خلق الأزمات السياسية والأجتماعية والدينية والطائفية وتشجيعها ، وجعل أبناء الوطن يتقاتلون فيما بينهم من خلال نشر السلاح بين المواطنين وسهولة الحصول عليه حتى صار موضوع الشعور بالأمن والأمان أملا وحلما لدى العراقيين 0 فلو نظرنا الى أخلاقية المجتمع العراقي اليوم لوجدناه يحمل الكثير من الطباع الغريبة التي لم يألفها العراقيين من قبل! ،ولا تدخل في صلب طبيعتهم وسماتهم الأخلاقية والأنسانية الرائعة الأصيلة التي عرفوا بها ، حتىأن الكثير من العراقيين يشعرون بأنهم أغراب في الوطن ولا يعرفون السبيل لكيفية التعايش بالمجتمع ! ، وخاصة مع الأجيال الجديدة التي تفتقد للكثير من القيم والمباديء الأنسانية والأجتماعية لأنها تربت وكبرت مع الأحتلال الأمريكي البريطاني اللئيموعاشت في ظله وفي ظل كل تدخلات الدول المجاورة والمحيطة بالعراق التي لا تريد الخير للعراق وشعبه بل تضمر له كل السوء وعملت منذ 20 عاما على أفساده وتدميره 0 ولكن وعلى الرغم من كل الذي جرى ويجري يحدونا الأمل الكبير وبثقة مطلقة مع أشراقة النور لعراقنا الحالم بالخير والسلام والأمان، بأن كل هذه المتغيرات الطارئة التي أحدثتها سياسة المحتل عن قصد سيء وتدبير ممنهج ، هيلا تحمل الروح الأصيلة والحقيقية للمجتمع والتي عمل المحتل الغاشم وكل من تعاون معه من أعداء الداخل ومن كل الدول العربية والدول المجاورة والمحيطة للعراق على تغييرها والأساءة لها ومحاولة تطبيع المجتمع عليها ! ، أن هذه المتغيرات ستزول بأذن الله لأنها طارئة وظواهر مؤقتة ، فعلينا أن لا نترك لليأس مكانا في نفوسنا ، كما ويجب بأن لا ننسى بأن هذه الأرض المباركة وشجرتها الطيبة الأصيلة لا تطرح ألا الخير والسلام والمحبة ، والأمل كبير بل كبير جدا بأن القادم يحمل كل الخير بأذن الله ، مهما كان حجم الأسى والمأسي التي عاشهاالعراقيين منذ 20 عاما ولحد الان 0 وفي النهاية لا بد للخير والحق أن ينتصر ويسود وبالتالي سيتغلب الطبع على التتطبع وحالته المؤقتة التي زرعها المحتل الأمريكي البريطاني وكل من تعاون معه من سياسيين وأحزاب ، وستعود الأبتسامة للجميع أن شاء الله ، وكما قال الراحل الكبير الجواهري :
أنا عندي من الأسى جبل ،،، يتمشى معي ويرتحل،،، أنا عندي وأنا خبى أمل،،، جذوة في الفؤاد تشتعل0