23 ديسمبر، 2024 1:16 ص

الطبعة الإنتخابية الخامسة

الطبعة الإنتخابية الخامسة

أيام قليلة ستجري أحزاب السلطة سيناريو الطبعة الخامسة من الانتخابات، لابتلاع الدولة ومقدارتها، وتثبيت سطوتها من جديد كما جرت في سابقاتها في الطبعات الأربعة الماضية، دون تثبيت أي عمل عراقي شريف يمكنه أن يخدم الصالح العام، كما أرادت لها منظومة الفوضى والفساد والعمالة والإرتزاق، حفاظاً على السلطة ومنعاً لانهيارها بدعوة (الانتخابات المبكرة) التي لم تعد مبكرة بأي شكل من الأشكال مادامت على مقربة من موعدها الدستوري.

المواطن العراقي على دراية بتفاصيل ماسيحدث في هذه الانتخابات حين يتتبع تفاصيل التحضيرات ومستويات وأساليب وتكاليف الدعاية والإعلان والشعارات والوعود والعطايا والهدايا والهبات التي وصلت إلى أدنى المعاني والمستويات، لتؤكد تطابقها مع النسخ الأربعة الماضية، يجد أن لا جديد في الأمر عدا أن الجديد في هذه النسخة هو إسلوب جديد اعتمدته أحزاب السلطة بتكوين أذرع متعددة لإيهام الناخبين بامكانية التغيير بانتخاب (أحزاب جديدة)، أن انتخبوا هذه الأحزاب والحركات الجديدة فهي لا ترتبط بنا ونحن لا نرتبط بها، في حين هي (أحزاب ظل)، وهذا لا يخفى على الناس البسطاء فضلاً عن سواهم، ثم يجري تجميع هذه الأحزاب بعد الإنتخابات لصالح الكبار بواسطة المغناطيس ((الأمريكي- الإيراني)) الذي سيجمعهم بجاذبيته المعهودة كما يجمع المعادن الدقيقة والغليظة معاً، لتصبح فيما بعد كتلة واحدة يتمخّض عنها ما تمخّض عن التجارب السابقة، وهي لعبة مكشوفة ومفضوحة باتت واضحة للجميع، وعلى أي حال هي واحدة من أعراض القلق العام للفاسدين الذي شكّلته انتفاضة تشرين الباسلة.

العراقيون بسوادهم الأعظم فقدوا الثقة بمنظومة السلطة وهذا النظام ومن يقف خلفه ويدافع عنه منذ انتخابات 2010 التي حصل فيها أفضع عملية نصب واحتيال على الديمقراطية التي تتغنى بها زعامات السلطة وأحزابها، ويدّعون كذباً ونفاقاً بأنها الطريق الأوحد والأمثل للتغيير والتعبير عن حرية الاختيار والانتخاب، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً، حيث توافقت أحزاب السلطة وفي (مؤامرة دُبّرت بليل محور الشلامچة) على إقصاء الفائز الأول في انتخابات 2010,واستلاب حقّه الشرعي والدستوري في قيادة الحكومة، والقصة معروفة للجميع ولا حاجة لسرد تفاصيلها وكيف استلم المتآمرون مقاليد السلطة على حساب إرادة الشعب، ضاربين بأرجلهم ما أفرزته صناديق الإنتخابات، وهذه حقيقتهم، وعدم إيمانهم بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، الأمر الذي شكّل صدمة وخيبة أمل للناخب العراقي، وجعله على بيّنة من أن صندوق الإنتخابات لا قيمة له مادامت هذه الأحزاب لا تؤمن به ولا تحتكم إليه!

وقد ترجم الناخب العراقي موقفه بشكل واضح وصريح من الإنتخابات، بتراجع مستويات المشاركة فيها دورة بعد اخرى، حتى وصلت نسبة المشاركة إلى أقل من (20٪) في الانتخابات الأخيرة، وهي النسبة التي أفرزت حكومة المخلوع عادل عبد المهدي، فكان مصيرها السقوط والفناء بواسطة (انتفاضة تشرين)، ومع كل هذا الإلتفاف والتحايل على إرادة الناخب، تارةً باللجوء إلى المحكمة الإتحادية والطلب منها تفسير الكتلة الأكبر، وأخرى ((بطمس)) الكتلة الأكبر واللجوء إلى التفاهم مع القوى السياسية (الشيعية الكبرى) لاختيار مرشّح تسوية يقود المرحلة بمعزل عن أي كتلة برلمانية تتبناه! يبقى الوضع العراقي مضطرباً ومعقّداً، وتبقى الإنتخابات وسيلة شكلية تزتنزف ملايين الدولارات دون أن يستفيد المواطن منها شيئاً لا على المستوى المعنوي ولا المادي، لأن الأصل بالموضوع هو أن أرباب الفوضى والفساد يمسكون بخيوط اللعبة،ويتصدرون المشهد السياسي والحكومي حتى لو خسروا السباق الإنتخابي، يبقون في صدارة المشهد الحكومي والسلطوي بشكل وآخر.

ان اصرار قوى الفساد على الاستمرار في إدارة ((لعبة)) الانتخابات والتشبّث بالسلطة، واصرارهم بانتهاج سياسة الطائفية والتبعية، وتبديد الثروات، وتقاسم الموازنات الإنفجارية فيما بينهم كما لو أنها إرث آباءهم وأجدادهم، وعدم الإكتراث لحاجة الناس في توفير الخدمات الضرورية، هو الذي اطلق انتفاضة تشرين، وزلزلت عروش الفساد ومراكزه المسترخية والمتهاونة في دماء وحقوق الناس، ان الانتخابات المزمع اجراءها في العاشر من تشرين، ستكون مفصلية ومصيرية لهذه السلطة واحزابها، فإما تكون نسخة الإنتخابات هذه، تصحيحية وبداية لتعديل المسار العام والخاص، وهذا محل ريبة وشكّ، لأن أرباب السلطة لا يفكرون ولا يكترثون إلا بتطوير (إمبراطورياتهم المالية) وامتلاك أكثر قدر ممكن من الفلل والعقارات الفخمة داخل وخارج العراق، وإما تكون بداية لسيناريوهات خطيرة سيكون الخاسر الأكبر فيها سلطة اللصوص والتبعية والفساد، وهذا متوقع حدوثه، إذ لا يمكن إستمرار الوضع العراقي لأربع سنوات قادمة بهذا التدهور والفوضى والفساد وانعدام الخدمات، فما حصل لحكومة عبد المهدي، يمكن أن يحصل للحكومة المقبلة، وحينها تنفلت الأمور ولن تجدوا مخرجاً!

ختاماً أقول لأزلام هذه السلطة؛ إذا كنتم تريدون البقاء في السلطة، تصالحوا مع شعبكم، واخرجوه من خانة الجفاء والإهمال، واهتمّوا به كثيراً كما تهتمّوا بأنفسكم وأكثر، تصالحوا مع شعبكم هو أقرب للتقوى.