19 سبتمبر، 2024 3:52 ص
Search
Close this search box.

الطبائع الغابية!!

الطبائع الغابية!!

قرأت لأحد الأساتذة مقالا تحليليا يتحدث فيه عن عقلية “الغالب والمغلوب” المهيمنة على السلوك السياسي.
وكلما تُذكر كلمة “سياسي” , أتساءل :”هل عندنا سياسة”؟!!

المشكلة التي لا نصدق وجودها أن سلوك الكراسي تنطبق عليه آليات الغاب وأكثر.

إنه يتفوق عليها بوحشيته وإطلاقه لقدرات الشرور والجور والفجور , فالكرسي هو ميدان إنفلات النفس الأمارة بالسوء.

وهذا معروف على مدى العصور , والقادة الذين خلدهم التأريخ إما من الذين حاولوا لجم جماحه وطيشه , أو من الذين ركبوه إلى أقصاه فعبّروا عن غاية الشر وذروته في أفعالهم التي ترتعب منها الأرض.

وهم أكثر من الذين حاولوا أن يلجموا جموح النفس الأمارة بالسوء والبغضاء , وهذا يتكرر في حياتنا التي نسميها (سياسية) , وما هي بالسياسية وإنما بالغابية.

البعض يرى أن في الغاب ضوابط وتقديرات متعارف عليها , كالجوع والقوة والضعف وإرادة البقاء, فالحيوانات المفترسة تصطاد ما ضعف من القطيع , وتحافظ على التوازن بتقليل الأعداد.

أما في عالم الكراسي فلا ضوابط ولا أحكام , وإنما إرادة الإنفلات المطلق , التي لا تعرف الحدود والوقوف عند مكان أو الإعتراف بالقناعة وتغيير الرؤية والإتجاه.

فالذي يسرق يتمادى بالسرقة , ومَن يقتل يتواصل في القتل , والظالم يتمادى بظلمه وهكذا دواليك.

وفي عالمنا الذي قُتِلت فيه النفس اللوامة وأُعْتقِلت النفس المطمئنة , وتسيّدت أمارة السوء التي فينا , لا يمكن القول بوجود سياسة , ولا يصح الإقتراب من الحالة بعقل ورشاد , وإنما الجنون هو القانون والإضطراب هو الدستور , مما أباح الفساد والقهر والقتل والتمادي بالسيئات.

فوجدتنا في عالم المحق الذاتي والموضوعي والإتلاف الحضاري المروع.

وساد الغباء السلوكي الذي أدى إلى أن تكون أفعالنا ذات صفة إنتحارية , فأما أنا موجود أو يبيد كل موجود.

هذا السلوك يتكرر في بلداننا ويدمر معالم وجودنا , ويدفع بنا إلى إنقراض حتمي وعلى جميع المستويات.

البعض يتوهم بأننا لن ننقرض, وبأننا سنكون , لكن دوام السلوك الإنقراضي سيدفع إلى حتمية الهلاك , والإبادة التامة لمعالم الوجود الذي يرتبط بنا , فلن يكون عتاة الكراسي غلبة ولن يغلب إلا الطامع فينا أجمعين.

وهذا قانون إمتلاك الشعوب الجديد , الذي يرفع رايات الحرية وحق تقرير المصير على لافتات سامية , ويمثلها بسلوكيات دامية.

وهذا ديدن الوجود فوق التراب , فما ملكنا شيئا إلا جئنا بما يناقضه , وما صنعنا شيئا إلا وسخرناه للشرور!!

فهل سيتأهل واقعنا للكلام عن صحة سلوك وإرادة أكون؟!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات