اعلن اسفي بعد مرور تلك السنين فقد كنت طالبا مشاكسا مثلما كنت ولدا عنيدا لم تنفع اساليب ابي في ان تقمع روح التمرد المهيمنة في اغلب الاوقات على ذاتي وتصرفي …كنت اختلق الاعذار واوجد التبريرات لأي عمل ادرك في اعماق نفسي انني اسأت التصرف فيه واتعامل مع المسؤوليات الملقاة على عاتقي بغير مبالاة بل واستطيع ان اقول بإهمال واهمال متعمد.
لم استطع ان احصل على الشهادة والسبب انني كنت مشاكسا .
هل تراك ندمت على ذلك …؟
سألني صديقي فلم اجبه لأن الندم كلمة اقل بكثير مما اشعر به اليوم.
ولكن سؤاله اعاد الى ذهني حوادث الامس فارتسمت على شفتي ابتسامة هي ابتسامة يأس والم بينما رجعت بي الذاكرة الى سنين مضت كنت يومها طالبا في احدى المدارس الاعدادية ولكني لم اكن من الطلبة المجتهدين وايضا كنت معروفا من قبل الطلبة والكادر التدريسي وحتى المدير بأنني طالب مشاكس ,(كثير المشاكل) على حد قولهم ولكني آنذاك لم أكن احسب نفسي كذلك بل اصر على ان الآخرين هم الذين يتسببون بالحاق الأذى بي وكنت حين اعود الى البيت استعرض امام عائلتي وخاصة ابي صورا عديده اجد نفسي قادر على جعلها حقائق بما اضيف عليها من اكاذيب ومواضيع مختلقة وحين كان ابي يريد ان يبحث المواضيع المتكررة مع ادارة المدرسة كنت جادا في جعله يتراجع عن الامر لزعمي انهم سيتشددون معي وربما سيتسبب الامر في رسوبي او ربما فصلي من المدرسة وكان ابي رغم عدم قبوله للأمر الا انه يقبله على مضض منه ويختم النقاش بعبارة (التواصل مع المدرسة مهم جدا ولكن ذنبك على جنبك ستندم ذات يوم وتتذكر كلماتي).
لم تقف بي تلك الكلمات ولن تردعني عن مشاكساتي التي طالت ذات يوم احدى المدرسات والتي سعت بها الى المدير الذي امرني بضرورة استدعاء ولي امري وهو ابي بالطبع فصرت الى حرج كبير كيف
يمكنني استدعاء ابي وانا الذي اطلب اليه دائما عدم التواصل مع ادارة المدرسة …ثم لوعلم بكثرة غياباتي ومشاكساتي ماذا سيفعل واي عقاب سيوجهه لي لذا رحت اتوسل المدير ان يعفيني هذه المرة ولكنه نظر اليَّ بعينين حمراوين شزرا قائلا بالحرف الواحد :
اما ان تحضر ولي امرك او لا تدخل المدرسة ثانية.
خرجت اجر خطاي متثاقلا وكل خطوة اتقدم بها اريد ان اعود بخطوات وما ان عبرت باب المدرسة الكبير لمحت في الشارع احدهم رجلا في عمر ابي فركضت نحوه وناديت:-
– ياعم …ياعم
– نعم … تفضل ماذا تريد…؟
ياعم ان مدير المدرسة يرفض دخولي اليها بسبب كثرة غياباتي (بيني وبينكم لم اذكر له مشاكساتي) واضفت بنبرة حزينة انه يطلب الي حضور ابي ولكن ياعم ان بيتنا بعيد وربما كان ابي في العمل لذا اطلب منك ان تتفضل معي لمقابلة المدير باعتبارك عمي (لان الرجل كان يلبس الزي العربي اي الدشداشة والعقال واما ابي فهو يلبس الزي المدني اي البنطلون والجاكيت)
بعد لحظات من الصمت كان الرجل خلالها ينظر اليَّ كمن يشاور نفسه ويكتشف شخصيتي تجنبا للوقوع بأي حرج وكنت اظهر له اسمى ايات التبجيل والاحترام والتأدب حتى زال عنه القلق بشأن ما ساوره من شكوك فأجاب طلبي ورافقني الى المدرسة واستأذن الدخول على المدير وطال بينهم النقاش وهو بين الفينة والاخرى يظهر استنكاره لغياباتي وكنت ادعو من الله تعالى ان لا يأخذهم الحديث الى امور اخرى من المشاكسات التي قمت بها وبحمد الله لم يتناول الحديث ذلك وختم المدير عبارته سائلا الرجل الذي ادعيت انه عمي بعبارة(هل يرضيك انه يتجاوزعلى مدرسيه)انتفض الرجل ونهض متوجها نحوي ثم …..آه….آه…آه
كانت كفه تستقر على صفحة وجهي بصفعة قوية اوشكت من شدة المها ان اصرخ به (كيف تجرؤ)لكني تداركت الامر بالصبر الذي شملني بعناية الله تعالى والا لفشل التخطيط بمجمله .
لا اريد ان اطيل عليكم .
احتملت ذلك الالم وكان النقاش قد انتهى بأن تعهد العم العزيز بعدم تكرار ذلك وخرجنا بسلام الى خارج المدرسة وقبل ان اتفوه بكلمة فاجئني بعبارة (ها…ما رأيك بهذا التمثيل …؟هل اجدت الدور…؟لقد كانت الصفعة هي اكثر الامور توضيحا للعلاقة بين العم وابن اخيه)….!!!! ما كان لي جواب بقيت انظر اليه متعجبا لأنه وبهذا العمر قادر على ان يتقن دور مختلق !!! لم اجبه وافقط ارتسمت ابتسامة هي اشبه بدمعة لم تفرج العين عنها فغادرني الى وجهته وغاب في الزحام.