18 ديسمبر، 2024 8:21 م

الطالب الجامعي…تحت مطرقة التدريسي معلما أو باحثا/2

الطالب الجامعي…تحت مطرقة التدريسي معلما أو باحثا/2

عندما كتبت الجزء الأول من مقالتي المعنونة “الطالب الجامعي… بين مطرقة التدريسي معلما أو باحثا” والمنشورة في صحيفة كتابات يوم السبت 2 سبتمبر 2023، والتي ناقشت فيها كتاب الوزارة الذي يحمل العدد ج ع/ م ه/ 2910 في 31/8/2023 تحت عنوان “انخفاض نسبة النجاح والانحراف في التصحيح”، كنت أتوقع أن يلاقي المقال استهجان ونقد شديدين من قبل بعض التدريسيين في الجامعات العراقية كونه كما اعتقد هذا البعض فيه مساسا بالتدريسي وتحميله المسؤولية في ظاهرة ارتفاع نسب الرسوب في الجامعات العراقية، علما أنا كنت قد نشرت الكثير من المقالات التي كانت تقف إلى جانب التدريسي في قضايا مختلفة ومن أبرزها قانون الترقيات العلمية وغيرها من المواضيع الكثيرة الأخرى وبإمكان من يحب الاطلاع عليها فهي موجودة على صفحتي في موقع صحيفة كتابات الإلكترونية… هذا البعض لا يريد أن يفهم أن كتاباتنا تتمركز حول نقد وإعطاء رأينا في سبل معالجة حالات الظلم على الجهات التي يقع عليها، لكننا لسنا جهة تنفيذية ولا نملك القرار فيما نذهب إليه من رأي قد يعتبره البعض صائبا وقد يعتبره آخرون تجني عليهم كلا حسب فهمه للموضوع، أو مقدار تأثر مصلحته الشخصية بهذا الرأي أو ذلك فيبني عليه موقف سلبا كان أو إيجابا.

في حقيقة الأمر تفاجأت من خلال التعليقات على مقالتي أعلاه بالمستوى المتدني الذي يتمتع به هذا البعض في ثقافة الرد وأسلوبه مما يعكس ويعضد ما ذهبت إليه في مقالتي أعلاه بأن السبب الرئيسي في ظاهرة ارتفاع نسبة الرسوب هو التدريسي نفسه، وعلى التدريسي معالجة مواطن الخلل فيه قبل أن يلقي باللائمة على الطالب الجامعي الذي يعاني ما يعاني من المستوى المتدني لبعض التدريسيين في الجامعات العراقية، ويكون بالنتيجة هو الضحية الأولى لتدني هذا المستوى… ويكاد التدريسي لا يجد ما يبرر فيه فشلة كمعلم يجيد فن إيصال المعلومة للطالب من خلال الهروب إلى الأمام وإلقاء اللوم على الطالب…

فمرة يدعي أن مدخلات التعليم العالي من الطلبة الناجحين في الدراسة الإعدادية هي مدخلات ذات مستوى متدن بحيث يذهب البعض بعيدا باتهام الطالب بأنه لا يجيد القراءة والكتابة، وأنه أي الطالب قد حصل على معدل في السادس لأنه لقن المعلومة تلقينا ودخل الامتحان الوزاري ونجح…

والبعض يهرول إلى منصة أخرى لتبرير فشلة بأن يدعي أن الطالب غير ملتزم بالدوام،

وثالث يحمل الهيكلية الإدارية في وزارة التعليم العالي والبحث العلم من رئيس قسم صعود إلى الوزير مسؤولية الظاهرة،

ورابع، وخامس…

كلها تبريرات غير مقنعة وهي كما قلت مجرد الهروب من تحمل مسؤولية ما يحدث، ولا أقول المسؤولية كاملة لكن في حقيقة الأمر النسبة الأكبر من المسؤولية والتي جاء ذكرها في مقالتي المشار إليها أعلاه… لكنني هنا يجب أن أشير إلى بعض المداخلات الغريبة والتي راحت تربط بين الرصانة العلمية ونسبة الرسوب، فالقسم الذي نسبة رسوبه عالية هو قسم يتمتع بالرصانة العلمية،

أما القسم الذي نسبة رسوبه واطئة فهو قسم غير رصين علميا،

لا بل راح البعض يعطي أمثلة بأن الكلية الفلانية قي السنة الفلانية حققت نسبة رسوب وصلت إلى 94 %، ولم يتدخل رئيس الجامعة وهذا دليلا على الرصانة العالية التي تتمتع فيها تلك الكلية.

المشكلة هذا الفهم ليس رأيا منفردا إنما يكاد يكون ثقافة تسود المجتمع الأكاديمي هذه الأيام من خلال ربط نسبة الرسوب العالية برصانة الكلية ورصانة التدريسي…

في حقيقة الأمر هذه المفاهيم الشاذة والمدمرة لو وضعتها على أي مقياس سواء كان علميا أو اقتصاديا سوف تصنف هذه الكليات من الكليات الفاشلة وتصنف التدريسي على أنه تدريسي فاشل… لا أدري كيف يفكر هذا البعض.

الوزارة جهة مسؤولة مسؤولية كاملة عن التعليم العالي ومخرجاته، كون النظام التعليمي في العراق مركزي، ولذلك لا يمكن أن تتماشى مع أي منطق معوج في عملية تربوية تنتج لها الطبيب، والمهندس، وغيرها من التخصصات التي سوف تلعب دورا في حركة عجلة التنمية في الدولة على كافة الأصعدة الإنتاجية والإدارية والثقافية وغيرها… وبالتأكيد أي عاقل بغض النظر عن الوزارة لا يقبل أن يسلم الكلية ألف طالب على أمل أن يستلم منها بعد أربع سنوات على أقل تقدير بعد بناء وتعليم وتأهيل هؤلاء الطلبة 900 مهندس، إذا كانت هذه الكلية كلية الهندسة مثلا… لكنه بعد أربع سنوات وبعد كل هذه المليارات التي صرفها ليجد الكلية تعطيه 100 مهندس فقط بدلا من 900 مهندس بأقل تقديرا كما قلنا، وعندما تسأل عن السبب يأتيك الجواب بكل بساطة الطالب يتحمل المسؤولية ويسرد على مسامعك تبريرات مكررة وغير منطقية، ويضيف عليها حجة أخرى هي عدم وجود التعيينات وكأن التعينات بيد الوزارة.

الطالب العراقي مجرد ضحية، ويجب تسمية الأشياء بمسمياتها، أنه تقصير من التدريسي وليس من الطالب

لو تم إرسال هؤلاء الطلبة إلى أعرق الجامعات في العالم لدراسة الهندسة سوف يعود 99 % منه وهم حاملو شهادة الهندسة بعد أربع سنوات وبنفس الأموال التي صرفت عليهم داخل العراق من مستلزمات ومختبرات ورواتب وغيرها…

يجب أن تكون لدينا الشجاعة ونعترف بأن هناك مشكلة في تردي مستوى التعليم يتحملها التدريسي أكثر مما يتحملها الطالب، فالطالب مجرد عجينة طرية يشكلها ويهندسها ويغرز فيها حبه للتعلم والتعليم هو التدريسي الذي يكون على احتكاك مباشر مع الطالب، ولعل أول محاضرة يدخل فيها التدريسي على الطالب تعتبر هي حجر الأساس في وضع العلاقة وتحديدها بين الطالب والتدريسي ومن خلال المحاضرة الأولى سوف يتكيف في ذهنية الطالب حبه للمادة العلمية أو نبذها، من خلال شخصية التدريسي وطرق تعامله مع الطلبة والجوانب التربوية التي يتحلى فيها التدريسي في هذا الجانب، لكن للأسف الشديد فإن التدريسي لا يعير أهمية للمحاضرة الأولى التي تعتبر أهم محاضرة في أي مقرر دراسي التي يفترض أن تكون خالية من أي مادة علمية إنما يغلب عليها الطابع التربوي والتعريفي بالمقرر الدراسي بطريق يجعل الطالب ينجذب لتعلم المقرر وليس العكس. في حقيقة الأمر ليس كل من حصل على شهادة عليا هو بالضرورة مؤهل للتدريس والدورات التي تجريها الجامعات حول طرائق التدريس تكاد تكون من باب إسقاط الفرض ولا نكاد نجد لها انعكاسات إيجابية على التدريسي… ان الشخصية النرجسية التي يظهر فيها التدريسي امام الطلبة وفي تعامله معهم قد تكون متجذرة عند بعض التدريسيين وهي ناتجة عن قلة الخبرة في فنون التدريس، ولذلك يفضل أو يجب ان تناط مسؤولية تدريس المراحل الأولى في الجامعات إلى أقدم التدريسيين في الاقسام بغض النظر عن اللقب العلمي، لانه الاكثر خبرة في فنون التدريس وطرق ايصال المعلومة للطالب واكثر خبرة في التعامل التربوي مع الحالات المختلفة للطلبة والاكثر خبرة في معالجة بعض السلوكيات غير المنضبطة التي قد تحدث داخل الصف الدراسي.

إن كتاب دائرة البحث والتطوير المشار إليه اعلاه جاء كجرس إنذار لما يحدث في الجامعات العراقية، ولم يصدر مثل هكذا كتابا عن أعلى هيئة في الوزارة وهي هيئة الرأي دون توفر معطيات على الارض لما يحدث داخل اروقة الجامعات، ورؤساء الجامعات لا يملكون سلطة اتخاذ الإجراءات التي ذكرها الكتاب، وحتى عنوان الكتاب كان يعكس مقدار الإنزعاج لدى هيئة الرأي من سلوكيات بعض التدريسيين سواء كان في طريقة وضع الأسئلة أو في طريقة تصحيح الدفاتر، لكن كونه لامس جانبا من الحقيقة وليس الحقيقة كاملة التي نعرفها، فقد جاءت ردود الفعل المتوقعة من قبل بعض التدريسيين الذي وجد ان الكتاب يزيح جانبا من الستار الذي كان يتخفى وراءه ويكشف المستور فراح يبحث عن طرق تفنيد هذا الكتاب من الناحية القانونية ويغوص في اعماق صلاحيات هيئة الرأي ووصل أو اعطى لنفسه الحق في أن يتساءل هل هيئة الرأي في الوزارة تملك أو لا تملك الحق في أصدار مثل هذه التوجيهات وكأن هيئة الرأي لا تعرف مجال تحركها من الناحية القانونية ولا تعرف القانون الذي اعطاها الصلاحيات ووصل للبعض بالدعوة الى مظاهرات واعتصامات رفضا لهذا الكتاب، وكان الافضل لهذا البعض أن يتوقف ويراجع نفسه ويحاول معالجة الأخطاء الناجمة عنه وعن تقصيره في طريقة التعليم ووضع الاسئلة والتصحيح والوقت الذي يخصصه كمعلم لهذا الجانب ولماذا اهمل أو قصر في تعليم الطلبة وأعطى أكثر وقته للبحث، وبين هذا وذلك هناك من ذهب بعيدا في نقده لكتاب الوزارة من خلال تحميل النظام التعليمي في العراق مسؤولية إرتفاع نسبة الرسوب في الجامعات العراقية، وهذا الجانب سوف يكون محور حديثنا في الجزء الثالث.