في معرض حديثنا وتحليلنا لكتاب الوزارة الذي يحمل العدد ج ع/ م ه/ 2910 في 31/8/2023 تحت عنوان “انخفاض نسبة النجاح والانحراف في التصحيح”، قلنا في الجزء الثاني من مقالتنا :
“هناك من ذهب بعيدا في نقده لكتاب الوزارة من خلال تحميل النظام التعليمي في العراق مسؤولية ارتفاع نسبة الرسوب في الجامعات العراقية”، وهذا الجانب سوف يكون محور حديثنا في هذا الجزء من المقالة.
من خلال نظرة تحليلية قائمة على منهجية علمية سوف نصل إلى نتيجة أن هذا الكتاب يمثل كارثة على التعليم العالي في العراق وكل من ذهب إلى نقد الكتاب من زاوية التدخل في شؤون التدريسي كانت نظرته التحليلية ضيقة ولم يستطع أن يقرأ ما بين سطور الكتاب والذي يمثل إنتكاسة لطموح الطالب، ويبعد هذا الكتاب أي تدخل في شؤون التدريسي كونا إن الحالة التي يتكلم عنها الكتاب غير موجودة في جامعاتنا العراقية مما يثير الاستغراب صدور كتاب في ظاهرة لمعالجة حالات قلما تحدث كما سنرى في سياق تحليلنا هذا.
أولا نعود لمناقشة نظام التعليم في العراق الذي راح البعض من خلال فهمه الخاطئ لما تضمنه الكتاب يسهب في تحميل المسؤولية ويتكلم عن نقاط كثيرة في سياق تحميله للمسؤولية ومنها نظام التعليم في العراق!!.
لو حاولنا مقارنة نظام التعليم العالي في العراق مع أنظمة التعليم في العالم بصورة عامة وأنظمة التعليم الإقليمية بصورة خاصة لوجدنا أن نظام التعليم العالي في العراق يتطابق مع أفضل أنظمة التعليم في العالم عموم ويتفوق على أنظمة التعليم إقليميا حتى قبل سنوات معدودة وقد يكون حتى الآن… ويذهب هذا البعض في نقده لنظام التعليم في العراق عموم ونظام التعليم العالي خصوصا إلى أنه يستشهد بمنظمة اليونسكو الذي كما يقول إنها أي المنظمة انتقدت كثيرا نظام التعليم في العراق… لكننا بمجرد بحثنا عن هذه التقارير التي يدعيها البعض لا نجدها!!… لو رجعنا إلى الميثاق التأسيسي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو الذي اعتمد في 16 تشرين الثاني سنة 1945 وإلى المادة 1 النقطة 3 من هذا الميثاق والتي تنص على:
“وحرصا على تأمين استقلال الثقافات والنظم التربوية وسلامتها وتنوعها المثمر في الدول الأعضاء، ليس للمنظمة أن تتدخل في أي شأن يكون من صميم السلطان الداخلي لهذه الدول الأعضاء“
هذا يعني أن منظمة اليونسكو ليست جهة لها صلاحية تقييم نظم التعليم للدول المنتمية إليها، وعليه لا أدري من أين جاء هؤلاء بأن اليونسكو لا تعترف بالشهادات العراقية…
السؤال الآن
لماذا تثار كل تلك الضجة والانتقاد لنظم التعليم في العراق وتكريس مفهوم خاطئ في ذهن المتلقي بأن التعليم فاشل في العراق وما الغاية من ذلك؟
لنضع مخرجات تعليمنا العالي تحت الاختبار ونرى هل فعلا مخرجات هذا التعليم فاشلة أم عكس ذلك… ونتائج هذا الاختبار موجودة لدى دائرة البعثات والعلاقات الثقافية…
99 % من الطلبة المبعوثين على نفقة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للحصول على شهادة الماجستير والدكتوراه في الجامعات الرصينة ونؤكد هنا على كلمة الرصينة يحصلون عليها ضمن المدة المسموح فيها لأخذ هذه الشهادة وقسم كبير منهم يعودون إلى العراق للعمل في الجامعات العراقية…
أكثر من 90 % من الطلبة العراقيين الذين يدرسون على نفقتهم الخاصة في الجامعات الرصينة للحصول على شهادة الماجستير أو الدكتوراه يحصلون عليها ضمن المدة المقررة لهم…
99 % من طلبة الزمالات الذين يذهبون لإكمال دراستهم يحصلون عليها ضمن المدة المسموح فيها لأخذ هذه الشهادة وقسم كبير منهم يعودون إلى العراق للعمل في الجامعات العراقية.
لو أرسلت الطالب العراقي المتخرج من الجامعات العراقية سواء إلى الجامعات الأمريكية أو الجامعات الأوروبية أو الجامعات الآسيوية الرصينة منها سوف تحصل النسبة الكبيرة منهم على الشهادة المرسل عليها وهذا موثق في دائرة البعثات والعلاقات الثقافية…
إذا كان هذا الكلام صحيحا إذا التعليم في العراق يعيش حالته الوردية ولا توجد أي مشاكل في هذا الجانب يقول أحدهم!!…
الجواب لا يا سيدي التعليم يعيش حالة من حالات التدهور وخصوصا بعد 2003 حيث تم تشريع بعض القوانين التي كانت لها انعكاسات سلبية كبيرة ومن هذه القوانين قانون معادلة الشهادات الأخير والذي سمح بمعادلة الشهادات مهما كانت بمجرد تحمل مصادقة الدولة المانحة للشهادة مما جعل الكثير يتجه نحو جامعات أهلية في تلك الدول مثل لبنان وإيران غير المعترف فيها من قبل الوزارة وغيرها ومهد لحصول ممن لا يملكونشهادة البكالوريوس من الجامعات الحكومية في العراق، كما سمح هذا القانون سيئ الصيت بأخذ الشهادات دون الالتحاق بتلك الجامعات ومن خلال المراسلة، وهذه كانت كارثة على التعليم العالي. والكارثة الأخرى هو تسلم هؤلاء للمناصب العليا في الجامعات والوزارة وهم لم يتشرفوا بإلقاء محاضرة واحدة على مدارج الجامعات العراقية. لذلك نجد الكثير من هؤلاء لو تعود في تدقيق الشهادات التي حصلوا عليها تجدهم يحملون شهادة دكتوراه وهم بالحقيقة أصحاب شهادة متوسطة أو إبتدائية إذ جميع الشهادات التي حصلوا عليها بعد ذلك من خلال وضعهم السياسي وتأثيرهم على المنظومة التعليمية بالبلد ومن خلال المدارس والجامعات الأهلية التي لم يلتحقوا بها فعليا مجرد التسجيل ثم حساب سنوات استحقاق الشهادة لتمنح لهم الشهادة، المشكلة الكبرى عندما يتم تعيين هذه النماذج كتدريسيين في الجامعات الحكومية العراقية. وهناك الكثير من القرارات التي يعرفها الأكاديميون والتي تمثل معول هدم للتعليم في العراق…
لنعود الآن ونفكك كتاب الوزارة المشار إليه أعلاه ولكن قبل ذلك استشهد بمقولة للمفكر علي شريعتي التي قال فيها:
“ليس المهم إن تتفق معي في الرأي، المهم أن تفهم ما أقول“.
الكتاب تحدث عن نسبة رسوب تصل إلى 70 % دون أن يكون للقسم ممثل برئيس القسم صلاحية مساءلة التدريسي عن نسبة الرسوب العالية هذه. ماذا يترتب على هذا
نعود الى المثال الذي ذكرته في الجز الثاني من هذه المقالة وهو مثال ال 1000 طالب. لنفرض في دورة جامعية منحت كلية ما 1000 طالب للدراسة فيها والحصول على الشهادة الجامعية ونطبق النسبة الواردة في كتاب الوزارة على هؤلاء الطلبة ونسحبها على الدورين معا ونلاحظ كيف تتكلم الأرقام.
عدد الطلبة في المرحلة الأولى 1000 طالب،
عدد الطلبة الناجحين في المرحلة الأولى 300 طالب بموجب كتاب الوزارة،
إذا عدد طلبة المرحلة الثانية 300 من مجموع 1000 طالب
عدد الطلبة الناجحين في المرحلة الثانية 90 طالبا من 300 طالب،
إذا عدد طلبة المرحلة الثالثة 90 طالبا من اصل 300 طالب،
عدد الطلبة الناجحين في المرحلة الثالثة 27 طالبا،
إذا عدد طلبة المرحلة الرابعة 27 طالبا من أصل 90 طالبا،
عدد الطلبة الناجحين في المرحلة الرابعة 8 طلبة ونضع خطا تحت الرقم 8.
إذا عدد الخريجون 8 طلبة من أصل 1000 دخلوا في المرحلة الاولى.
هذا يعني أن عدد الطلبة الذين لم يتخرجوا 992 طالبا ونسبة الهدر 99.2 % في الكليات التي مدة الدراسة فيها اربع سنوات، أما في الكليات التي مدة الدراسة فيها خمس سنوات فسوف تكون نسبة الهدر 99.7 %.
وفي الكليات التي مدة الدراسة فيها ست سنوات فسوف تكون نسبة الهدر 99.9 %
ماذا نستشف من ذلك أن كتاب الوزارة يسمح بنسبة هدر تصل إلى 99.2 % في الكليات التي مدة الدراسة فيها اربع سنوات، ونسبة هدر تصل الى 99.7 % في الكليات أو الاقسام التي مدة الدراسة فيها خمس سنوات ونسبة هدر تصل الى اكثر من 99.9 % في الكليات التي مدة الدراسة فيها ستة سنوات، دون أن يكون هناك محاسبة أو مساءلة للجامعة أو الكلية…
أي عاقل يقرأ كتاب الوزارة أعلاه ويفسره إنه جاء لمصلحة الطالب… بالتأكيد الكتاب يحمل في طياته ضرر كبيرة على الطلبة ولذلك جاءت عبارتي في الجزء الأول من هذه المقالة بالنص:
“وكتاب الوزارة هذا جاء في محاولة لمعالجة هذه الظاهرة ولكن بدلا من معالجتها والتخلص منها ألقى باللوم على جهة معينة وحملها المسؤولية دون أن يضع أصبعه على الجرح…”
وواضح من الأرقام أعلاه إن كتاب الوزارة حمل الطالب المسؤولية ولم يحمل التدريسي كما فهم البعض. ولذلك جاءت عبارتي في الجزء الأول من هذه المقالة والتي تنص على:
“ولكي نكون أكثر علمية في تشخيص الظاهرة ومعالجتها علينا العودة إلى الأركان الأساسية في عملية التعلم ونحدد نسبة تحمل كل ركن من أركانها…”.
لنعود الآن إلى نسبة ال 66 % التي اقترحتها في الجزء الاول من هذه المقالة ونحللها بالارقام على نموذج ال 1000 طالب المذكور أعلاه
عدد الطلبة في المرحلة الأولى 1000 طالب،
عدد الطلبة الناجحين في الدور الاول 660 طالبا، وفي الدور الثاني 224 طالبا.
إذا عدد طلبة المرحلة الثانية 884 طالبا من مجموع 1000 طالب.
عدد الطلبة الناجحين في الدور الأول المرحلة الثانية 583 طالبا،
عدد الطلبة المشاركين في الدور الثاني 301 طالب المرحلة الثانية،
عدد الطلبة الناجحين في الدور الثاني 199 طالب المرحلة الثانية.
إذا عدد طلبة المرحلة الثالثة 782 طالبا،
عدد الطلبة الناجحين في الدور الأول 516 طالب مرحلة ثالثة،
عدد الطلبة المشاركين في الدور الثاني 176 طالب مرحلة ثالثة،
عدد الطلبة الناجحين في الدور الثاني 116 طالبا.
إذا عدد طلبة المرحلة الرابعة 632 طالبا من أصل 1000 طالب.
عدد الطلبة الناجحين في الدور الأول 417 طالب المرحلة الرابعة،
عدد الطلبة المشاركين في الدور الثاني 215 طلب المرحلة الرابعة،
عدد الطلبة الناجحين في الدور الثاني 141 طالب المرحلة الرابعة.
إذا عدد الخريجون 558 طالبا من أصل 1000 طالب.
هذا يعني أن عدد الطلبة الذين لم يتخرجوا 442 طالبا من أصل 1000 طالب ونسبة الهدر 44 % وهي نسبة لا تزال مرتفعة يفترض أن نبحث عن سبل أخرى لتقليل نسبة الهدر هذه. لأنها نسبة غير مقبولة على صعيد الجامعات سواء كانت إقليمية أو عالمية.
ماذا نفهم من كتاب الوزارة أيضا، لو كان عدد مدخلات التعليم العالي من الإعدادية في دورة جامعية مدتها أربع سنوات 600000 ستمائة ألف طالب، فإن الوزارة تكتفي بأن يكون مخرجات تلك الدورة 8000 ثمانية آلاف طالب فقط، مما سوف يخفف العبء على الدولة في مسألة التعيينات… إن كتاب الوزارة لو اتخذه بعض التدريسيين في الجامعات العراقية للتلويح به سوف يؤدي إلى دمار حقيقي في منظومة التعليم في العراق فهل يعي التدريسي في الجامعات العراقية خطورة كتاب الوزارة…
ليكن واضحا للتدريسي بأن إعطاء نسبة نجاح 30 % أو أقل فإنه سوف يكون مساهما في تخرج 8 طلبة من كل 1000 طالب أو أقل في الدورة الجامعية الواحدة أي إن التدريسي يتحول إلى عنصر هدم لمنظومة التعليم في العراق وليس عنصر بناء، ولا أعتقد تدريسيا في الجامعات العراقية يحمل أو مجرد أن يفكر في هذا المجال إنما هو عنصر بناء في منظومة التعليم وطالما تصدى لكل محاولات هدم هذه المنظومة ولذلك اهمس بأذن التدريسي، عندما تضع الأسئلة أو تضع السعي السنوي للطلبة فكر ما يترتب على النسبة المنخفضة التي تقدمها للقسم وأحرص دائما أن تحافظ على نسبة نجاح أعلى من 75 % لأنك بذلك تساهم في بناء بلدك وليس العكس وهذا لا يعني إنني أدعوك لكي تخل بالرصانة العلمية التي تتحلى بها ولكن من خلال طرق أخرى علمية وتربوية لا تقتصر على الامتحان فقط لإخراج المخزون المعرفي عند طلبتنا… نتمنى ذلك كما أتمنى على الوزارة أن تعيد النظر في كتابها أعلاه لما يحمل في طياته كوارث حقيقية على منظومة التعليم العالي في العراق.