18 ديسمبر، 2024 3:44 م

موضوع الطغاة والطغيان لم ينال حقه من أهتمام الدارسين والباحثين وبالخصوص مختصي العلوم الانسانيه بالرغم من انه هو راس المشكله ومصدر الازمات وهو الاولى بالدرس والتحليل والنقد والمعالجه  وان مبلغ علمي اننا لانملك حتى الآن بحوثاَ او دراسه علميه دقيقه لنظم الطغيان والقهر على اختلافها في تاريخنا الطويل،ان مفهوم الطغيان مرتبط بالعديد من المفاهيم تنتمي الى عائلته المنبوذه والمشؤومه بالرغم من انه غير مقتصر على حاكم او نظام بعينه ،انما يمتد لمختلف وجوه حياتنا وتفكيرنا وسلوكنا وتعليمنا وادارتنا ويتبلور عنه الثمار المسمومه في اشكال التعصب والتطرف والادعاء بأمتلاك الحقيقه المطلقه، ان الخوض في البحث يستدعي المراجعة التاريخيه التي يجب التوقف عند مفاصلها التي تجبر الدارس لموضوع الطغاة والطغيان على التفكير والمناقشه بدقه كون هذه القضيه هي السبب الحقيقي وراء تخلفنا في كافة المجالات الفكريه والعلميه والثقافيه والاقتصاديه هو الطاغيه فهو المصدر الرئيسي لكل رذائلنا الخلقيه والاجتماعيه والسياسيه لان المواطن اذا فقد شخصيته واصبح مندمجاَ في كتله واحده لاتمايز فيها فقد ضاعت الأدميه لديه في ذات اللحظه وقتلت فيه روح الخلق والابداع حتى يصبح المبدع في حالة وجوده منحرفاَ والمبتكر شاذاَ .
يقول المفكر عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد “الطاغية يتحكم في شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم ويعلم من نفسه أنه الغاصب والمعتدي فيضع كعب رجليه في أفواه ملايين الناس لسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته” .
الطغيان هو اقدم النظم السياسيه عند البونانيين وفي الشرق ويبدوا ان الشاعر اليوناني “ارخيلوخوس Archilochus ” هو اول من استخدم كلمة “طاغيهTyrannos  “عندما اطلقها على الملك “جيجزGyges “ملك “ليديا” الذي اطاح بملكها الذي سبقه واستولى على عرشه حيث يقول الشاعر :”وانا لا احسده كما نني لا اغار من اعمال الآله ولا ارغب ان اكون طاغيه” وهنا غير معروف مقصد الشاعر بلقب “الطاغيه” هنا “المغتصب” على اساس ان “جيجز”قد اغتصب عرش “ليديا”وللحق ان نقول ليس هناك تعليل واضح وحاسم لما جاء في شعر “ارخيلوخوس” حول الطاغيه ويذهب بعض المؤرخين الى ان كلمة “طاغيه” هي كلمة “ليديه”بماجاء في شعر “ترخيلوخوس”والبعض الاخر يذهب الى ان الكلمه الانجليزيه التي تعني “طاغيه Tyrant”قد تكون مشتقه من اسم “ترهاTyrha  “وهي المدينه الليديه والتي تعني “القلعه”والبعض الاخر يردها الى القبائل التركيه القديمه التي كانت تعيش في اسيا العليا بشكل متفرق وهي مايتعرف اليوم بأسم “تركستان”وكان الفرس يسمونها “توران”فكان اسم ترك او تورانيه أسماَ لجنس القبائل المتوحشه واصبح”توران” عند اليونانيين يلفظ “تيران” والتي تعني طاغيه او العاتي ويذكر البستاني “وهو بطرس البستاني مؤلف اول موسوعه عربيه سماها – دائرة المعارف وهي قاموس عام لكل فن ومطلب كما يطلق عليها للتعريف بها –ويطلق عليها ايضاَ دائرة معارف البستاني “فيذكر تحت مادة “طاغيه”في المجلد السادس صفحه 93 فيقول :”ويقال طغى فلان اي اسرف في المعاصي والظلم والطاغيه :الجبار ،والاحمق والمتكبر والصاعقه والمراد به هنا من تولى حكماَ فأستبد وطغى وتجاوز حدود الاستقامه والعدل تنفيذاَ لمآربه فيمن تناوله حكمه اة بلغت سلطته اليه “ويقول ايضاَ :”وفي كتب اللغه ان الطاغيه لقب ملك الروم وقد وردت بهذا المعنى في تواريخ العرب ولعلهم ارادوا بها معنى يقيد اللفظه اليونانيه “تيرانوس” وأصل معناها عندهم ملك او امير ووردت بهذا المعنى في بعض كتبهم وكتب الرومان”وقد ادرك البستاني الفارق بين كلمه “الطاغيه”وكلمة “المستبد”فالفارق بين الكلمتين كبير فالمستبد هو من تفرد برأيه واستقل به وهو قد يكون مصلحاَ يريد الخير ويأتيه اما الطاغيه فيستبد مسرفاَ في المعاصي والظلم وقد يلجأ في طغيه الى اتخاذ القوانيين والتشريعات كستر يتستر به كي يتمكن فيما يطمح اليه من الجور والفتك والظلم برعيته والاستحواذ على حقوقها وهدرها وهو يتجه الى تكييف فظائعه ويقولبها بقالب العدل فيكون اشر الطغاة واشدهم بطشاَ بمن تناولتهم سلطته وقد اختصت الامم وكتبها لقب الطاغيه بالملوك والحكام ولم يطلقوه على كل من طغى منهم”والبستاني يشير هنا الى لقب “الطاغيه”كمصطلح سياسي يطلق على الحاكم المتعسف بالرغم من انه لغوياَ قد يطلق على الافراد او عامة الناس ايضاَ بالرغم من ان افلاطون يطلقه على الحاكم وعلى عامة الناس والافراد معاَ ويشكو البستاني من ان الناس يمكن ان تتقبل “الطغيان” بغير شكوى او تذمر وهي الصفه التي ينسبها ارسطو الى الشرقيين ويرى انهم يحملون طبيعة العبيد ولهذا تجدهم لايتذمرون من حكم الطاغيه فيذكر البستاني في دائرة المعارف العربيه المجلد الحادي عشر الصفحه 165:”وفي التاريخ مايشير الى ان الرعيه قد تبكم  او لاتبالغ في الشكوى اذا تسلط طاغيه عليها كأن الجبن يأخذ منها كل مأخذ فيخمد انفاسها وترضخ لما لو اعتلت السلطه فتجاهر الرعيه بمطالبها ولايحول بطش الطاغيه دون تألبها والمطالبه بما تروم من حقوق”.
في القرنيين السادس والسابع قبل الميلاد كانت كلمة “الطاغيه”في بعض استخداماتها تعني “ملك”او “حاكم”بل قد يسمى الملك بالطاغيه من باب المدح والمجامله ثم بدأت الكلمه تحمل معنى شرير ولازالت تحمله حتى اليوم واعتباراَ من الجيل الثاني من طغاة الاغريق في العصر الكلاسيكي شابت موجه من الكراهيه لكل من يعمل على تنصيب نفسه”طاغيه” ومع ذلك فقد استخدم “اسخيلوسAeschylus  “وهو من اهم كتاب المآساة الاغريقيه على الاطلاق بل هو مؤسسها وهو صاحي التراجيديات اليونانيه وكذلك “سوفوكليسSophocles “وهو ثاني ابرز ثلاثه من كتاب المآساه الاغريقيه  في القرن الخامس كلمة “طاغيه ”  لترادف لفظ “الملك”لكن فلاسفة القرن الرابع قبل الميلاد وبالخصوص افلاطون وارسطو اعلنوا بشكل واضح وحاسم التفرقه بين اللفظين فلفظ “الملك”يطلق على الحاكم الجيد والصالح في حين تطلق كلمة الطاغيه على الحاكم الفاسد او الشرير ،وعندما اعتزل “صولون Solon” السياسه متفرغاَ للشعر نجده يشير الى انه رفض في اكثر من مره ان يكون “طاغيه”ويمكن ان نفهم ماالذي كان يعني الطغيان في اثينا في ذلك الزمان لقد كان “صولون”يقصد انه كان متساهلاَ جداَ مع الارستقراطيين وانه رفض مصادرة املاكهم واراضيهم واعادة توزيعها كما هي عادة الطغاة الذين يعتلون عرش الحكم .
وهو مافعله “كبسليوس Cyplcselus” طاغية “كورنثه” الشهير في العام 650 قبل الميلاد حيث يؤرخ عادة لعصر طغاة الاغريق ابتداءاَ من اعتلاء هذا الطاغيه عرش “كورنثه”وينتهي بطرد ابناء الطاغيه “بيزستراتوسPesistratus ” من اثينا ويمثل طغاة الاغريق نقطة تحول في التطور السياسي اليوناني فهناك نظام قديم ينهار هو النظام الاقطاعي ونظام جديد لم يستقر بعد والمؤكد ان تركيز غير محمود العواقب وهو من اهم الظروف التي مهدت لظهور الطغيان  فقد اهتمت اغلب الاداب القديمه التي تحدثت عن الطغاة بالفرص التي اتيحت لهم للأستمتاع بالذات الحسيه ومن هنا نجد افلاطون بارعاَ عندما جعل غاية هذا الحكم اشباع شهوات الحيوان الاكبر وعندما فسر “صولون” سبب رفضه لوظيفة “الطاغيه” فقد ركز في حديثه على المغريات الماديه اما من الجانب الدستوري لهذا النوع من الحكم فليس للطغيان اي دستور او قانون ولا للطاغيه مركز رسمي معين فنلاحظ مثلاَ احد اطغاة يقول ماهو الدستور وما القانون نحن نكتبه ونستطيع تغييره متى نشاء بمعنى انه يجمع جميع السلطات في يده فلا قانون الا مايأمر به وهو مايفسر التناقض الكبير في حكم الطغاة فقد يصدر امراَ يتناقض مع امراَ اخر قد اصدره قبل فتره والامثله هنا ليست قليله في تاريخنا ففي تاريخ الخلفاء للسيوطي تجد من الامثله مالايخطر على بالك وتلاحظ فيها من السفه واهدار الانفس والاموال العامه مالايمكن ان تتخيله ففي اغلب الاحيان يصل الطاغيه الى الحكم بطرق غير مشروعه فيمكن ان يكون قد اغتصب الحكم بالمؤامرات او الاغتيالات او القهر او الغلبه او الانقلابات وباختصار هو شخص لم يكن من حقه ان يحكم لو سارت الامور بشكل طبيعي ويقول بهذا المفكر عبدالرحمن الكواكبي في كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد “:يتحكم في شؤون الناس بارادته لا بأرادتهم ويحاكمهم بهواه لابشريعتهم ويعلم من نفسه انه الغاصب والمعتدي فيضع كعب رجله في افواه الملايين من الناس لسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته”.
يمتاز ويتشارك الطغاة بصفه يشترك فيها الطغاة على مر العصور فهم لايخضعون للمسائله ولا المحاسبه ولا الرقابه ومن هنا لانستغرب عندما نقرأ في كتب التاريخ ان الوليد بن عبدالملك استفسر في احد المرات في عجب حيث يتسائل ايمكن ان يحاسب والسؤال هنا عن الحساب من الله دع عنك ان يجروء احد من البشر من ذلك وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي في “صفحه 223 ” نجد عندما تولى عبدالملك بن مروان الخلافه صعد المنبر ليلقي الخطبه الدستوريه التي توضح سياسته القادمه جاء فيها :”والله لايأمرني احد بتقوى الله بعد مقامي هذا الا ضربت عنقه ثم نزل “ولك ان ترى مبلغ هؤلاء الطغاة فيما يصلون اليه من التجبر والطغيان ونجد مثالاَ اخر اشد وادهى فعندما تولى ابنه يزيد الخلافه في العام 71 هجريه اتى باربعين شيخاَ فشهدوا له ماعلى الخلفاء حساب ولا عذاب ونجد في مثال اخر يبين كيف يتصرف هؤلاء الطغاة فعندما ارسل ابن المقفع للمنصور كتاباَ صغير الحجم كبير القيمه اسماه “رسالة الصحابه”نصح فيه الخليفه بحسن اختيار معاونيه وحسن سياسة الرعيه عوقب لانه تجرأ على النصح والارشاد وليس المديح والاشاده بتقطيع اطرافه قطعه قطعه واحمي له تنوراَ وجعل يقطعه ويلقيه في ذلك التنور حتى حرقهكله وهو ينظر الى اطرافه كيف تقطع ثم تحرق وقيل غير ذلك في وصف قتله ويمكن مراجعة البدايه والنهايه لأبن كثير الجزء العاشر “الصفحه 99 “.
لكن اذا كان الحكام بشراَ كالمحكومين فكيف تكون ارادتهم حره بينما تكون ارادة المحكومين خاضعه لهم تتحدد وفق مشيئة الحكام ،كيف يمكن تصور ارادتين من طبيعه بشريه واحده لذلك فقد اجاب لب الانسان في العصور الموغله في القدم لابد ان يكون الحكام من غير طبيعة البشر كذلك فقد تصور القدماء الحاكم بانه من طبيعة آلهيه فهو آلهه من نسل الالهه وهو يحكم بتفويض وتخويل مباشر او غير مباشر من الرب،هكذا كان الحاكم في الشرق القديم والوسيط والحديث، ومن هنا  نجد مقولة الكواكبي قريبه بل ومطابقه لما نذهب اليه فيقول:”انه مامن مستبد سياسي الا ويتخذ لنفسه صفة قدسيه يشارك بها الله”فيطلق على نفسه من العناوين والصفات التي مالا يمكن ان تطلق الا عليه فهو المخلص والزعيم الاوحد والمنقذ والقائد الملهم ومبعوث العنايه الالهيه والرئيس الذي نفتديه بالروح وبالدم هذه الصفات تجدها ظاهره بارزه يجاهر بها الحاكم في العلن كما هو الحال مع “الفرعون”وتجدها في احيان اخرى خافيه مستتره وان كان المضمون ظاهر في سلوكه فهو في ابسط تقدير “لايسأل عما يفعل وهم يسألون”وهذا هو حال الطغاة والمستبدين على مدى كل مراحل التاريخ وهو مايطلق عليه “الحكم الثيوقراطيTheocracy ” بمعنى أقرب اي ان الحاكم يستمد شرعية حكمه من التفويض الممنوح له من الله فيتكون المصطلح من مقطعين يونانيين ” Theos”ويعني آله و ” Kratia ” بمعنى حكم فهي تعني حرفياَ “حكم الله”اما مباشره او من خلال رجال الدين والدوله التي ينطبق عليها الحكم الثيوقراطي ومن امثلة حكم رجال الدين “سافونارولا “في ايطاليا و “جون كالفن” في سويسرا وقد صاغ هذا المصطلح لأول مره المؤرخ اليهودي “يوسفوس “ليعني به التصور التصور اليهودي للحكومه على نحو ماجاء في التوراة التي تذهب الى ان القوانيين الالهيه هي مصدر الالتزامات السياسيه والدينيه.
ومما يدعوا الى السخريه ان يدعي “هتلر” هو الاخر انه “مبعوث العنايه الالهيه”وان اي معارضه لفكرته عن الاجناس البشريه هي “خطأ يرتكب في حق العنايه الالهيه الازليه”او ضد ارادة الخالق الازلي وان الذي امر برسالة المانيا هو “خالق الكون”والسماء-على حد تعبيره-لايمكن رشوتها ،ويبدوا ان جميع الطغاة لابد لهم من التمسح بالدين ماداموا يخلعون على انفسهم بعض الصفات الالهيه.
فعلى ضربات الطبل تستيقظ الرعية المغلوبة على أمرها على الطريقة العسكرية من اجل تلبية رغبات الحاكم وتنفيذ طلباته وأداء بعض الأعمال العامة أو الخاصة بالحاكم ، كبناء المعابد والقصور أو سور المدينة الذي يحتاج إلى أيدي عاملة كثيرة ، حيث فرض طاغية أوروك – أي الوركاء- السومري المدعي الآلوهيه  جلجامش  على سكان الوركاء كبارا وصغارا نساءا ورجالا ، المشاركة في بناء السور بأسلوب العمل دون أجر اي بلا مقابل ، على غرار ما كان يفعل الفراعنة مع رعاياهم عند بناءهم للأهرامات، وتشير الملاحم البابليه “ملحمة جلجامش “عن مظاهر بطشه واستبداده بشعبه وشغفه الاناني الى المجد والشهره وطموحه الى الخلود الذي اختص بها الآلهة دون البشر فقد اتسمت افعال جلجامش اتسمت بالطيش والاستهانه بحقوق الناس بشكل انه فرض على اهل الوركاء نظاماَ من الحياة خاضعاَ لمشيئته ورغباته ،ان جلجامش قد تجاوز الكثير من الحدود وحطم الكثير من القيم لاسيما عندما يسلب العوائل أبنائها من اجل أن يمارسوا الخدمة في القصر أو يدأبوا على تلبية رغباته الخاصة ، أو ما كان يفعله مع الفتيات العذراوات عندما يقوم بانتهاك شرفهن وسلب عذريتهن بطريقة تنم عن الغطرسة والاستهانة بمشاعر الناس ، فلو كان جلجامش يمارس أمرا مألوفا اعتاد عليه الناس لما تذمروا أو غضبوا ، لكن ما كان يفعله جلجامش كان بلا شك أمرا جديدا ولم يألفه الناس بعد ، لان الاستبداد لم يبرز بغتة بل تطور بالتدريج مع توسع السلطات وتصاعد النفوذ ، حيث بلغ جلجامش في قسوته وجبروته جعل الناس يخرجون عن صمتهم ويبدءوا عملهم لمواجهة هذا الجبروت والطغيان بالأفعال والاقوال.
أن أول موقف اتخذه الشعب من” جلجامش” هو تشكيكه بمكانة “جلجامش” كوكيل للآلهة والمفوض منها و في شرعية إعماله التي تتناقض مع طبيعة المهام الموكلة إليه سواء من الآلهة أو من مجلس الشعب ، فقد بدا الناس يتساءلون هل هذا هو راعي أوروك المسورة ، اهو راعينا الذي يتصف بالجمال والحكمة ، أم أن هذه الأوصاف لا تنطبق عليه ، ثم بدا الناس بالتذمر والشكوى والتكلم عن مظالم جلجامش بغية فضحها وتأليب الناس عليه مما يندرج ضمن نطاق العمل الدعائي أو الإعلامي ، وقد لمسنا كيف أصبح الناس يجهرون بتذمرهم ولا يحسبون لغضب جلجامش حساب ، بدليل تحولهم إلى صيغة أخرى من صيغ المواجهة وهي التضرع للإلهة واستمالة السلطة الدينية طلبا للخلاص من ظلم جلجامش وجوره ، فهو تقليد دأب الناس عليه منذ قديم الزمان والى الآن ، لكن هل تجدي هذه الأمور نفعا ، أم لابد من عمل قوي يهز عرش “جلجامش” ويضرب سلطته في الصميم ، ويبدو أن الثورة وصلت إلى البرلمان مع أننا لا نملك إشارة واضحة لذلك ، لكن يمكننا الاستدلال على ذلك من أمرين الأول الوفد الذي التقى بانكيدو ونقل إليه معانات المدينة ، والثاني حدوث المواجهة بين جلجامش وانكيدو التي لم تكن لتحصل لولا وجود سلطة ما سمحت بذلك وإلا بإمكان أي شخص قتل الحاكم وانتزاع حكمه متى يشاء ، فصعود انكيدو كمنافس لجلجامش أو متحدي له ، جاء بإيعاز من مجلس المدينة الذي نقل لانكيدو معانات الناس وحفزه على مواجهة جلجامش مقابل توليه الحكم بدلا عنه ، لكن لماذا أصبح النزال هو الفيصل في تحديد هوية الحاكم ، هل كان هذا تقليدا عاما في” بلاد سومر” ،أم هو أمر اختص بجلجامش وحده لكونه يدعي القوة والصلابة ، وللإجابة على ذلك نقول أن تلك المواجهة كانت نوعا من التحدي لكسر غرور جلجامش وإسقاط هيبته بين الناس ، فليس جلجامش وحده من يستطيع حماية المدينة أو يدعي انه الأقوى بين الناس بل هناك من يبزه قوة وصلابة ، ولذلك وجد رجال المدينة في انكيدو الشخص الذي يمكنه تحقيق هذه الغاية انطلاقا من قواه العضلية ومؤهلاته البدنية ، يبقى أن يقبل بالمهمة ويساهم في جهد المدينة للإطاحة بجلجامش ، لقد صورت السلطة الدينية انكيدو على انه هبة الآلهة إلى الناس وأعطت لظهوره صفة قدرية انسجاما مع نسقها الديني ، أما انكيدو فلم يظهر بمظهر المغفل أو المغرر به لأنه كان مستعدا ومتحفزا للمواجهة ، انطلاقا من إمكانياته البدنية ومواهبه القتالية ناهيك عن تعاطفه مع قضية الناس ورغبته في وضع حد لشرور جلجامش وطيشه ، حيث كان انكيدو واعيا لطبيعة المهمة مدركا لتبعاتها التي قد تصل حد الموت ، وليس أدل على نزاهته وابتعاده عن الشعور الأناني من نجاحه في تغيير جلجامش وتحويله من شخص طاغ ومستبد إلى راع يهتم بشؤون الشعب ويسهر على راحته ، فتغير جلجامش إلى الأحسن هو الدليل الأكبر على حسن نية انكيدو من النزال مع جلجامش ، فلو كان هذا الهدف أنانيا أو نابعا من مصلحة خاصة لما شهدنا هذا التغيير في نفسية جلجامش وفي تصرفاته بحيث استوى حاكما عادلا ومتزنا بخلاف ما كان عليه في السابق ، كذلك لمسنا التغيير في انكيدو نفسه عندما لم تستهوه مغريات السلطة ومباهجها وملذاتها. ولنا ان ندرج هذا النص المترجم من ملحمة جلجلمش لنرى فيها تأكيداَ لماحدث من طغيان جلجامش : على ضربات الطبل تستيقظ رعيته، لازم أبطال أوروك حجراتهم ناقمين مكفهرين، لم يترك جلجامش ابنًا طليقًا لأبيه، لم تنقطع مظالمه عن الناس ليل نهار، أهذا جلجامش راعي أوروك المسورة، أهو راعينا القوي الكامل الجمال والحكمة. لم يترك جلجامش عذراء طليقة لأمها ولا ابنة المقاتل وخطيبة البطل. وفي ترجمة أخرى: كان يسوق شباب أوروك “إلى العمل” دون مسوغ، لم يدع جلجامش ابنًا طليق لأبيه، ويوما بعد يوم كان طغيانه يزداد قسوة، كلكامش القائد لشعبه المحتشد، ولكن كلكامش لم يدع ابنة طليقة لأمها، لم يدع أي عروس تذهب بحرية إلى عريسها، ولا ابنة المقاتل ولا عروس الشاب ،كل هذا قبل ان يصحوا تدريجيا من طغيانه بعد موت صديقه “انكيدوا”وضياع نبتة الخلود من يده فذهب الى تأسيس خلود من نوع اخر وهو تخليد الذكر من خلال البناء الحضاري والعمل من اجل الجميع، ان طول وجود الطاغيه اي طاغيه في اي بلد يجعلنا لانجد حرجاَ في الحديث عن ايجابياته ومافعله من اجلنا من جليل الاعمال ولست اجد ابلغ قولا من قول السيد المسيح:”ماذا يفيد الانسان لو انه ربح العالم كله وخسر نفسه”فحتى لو افترضنا ان له ايجابيات هائله فماقيمة هذه الايجابيات اذا كان ثمنها تدمير “الانسان”وتحطيم كل قيمه وتحويل الشعب الى هياكل تسير في الشوارع مفرغه تطحنها مشاعر الدونيه والعجر واللاجدوى فهل مافعله الطغاة من ايجابيات اكثر ممافعله “هتلر” مثلاَ الذي اجتاح اكثر من نصف القاره الاوربيه وبعدها ترك المانيا تحتلها اربع دول خلال ساعات،لاقيمه لايجابية الطاغيه مهما كانت كبيره لان الثمن باهظ جداَ وهو ضياع الانسان وتدمير قيمه فلا ايجابيات للطغاة مادامت النتائج كارثيه .

مفهوم الطغيان مرتبط بالعديد من المفاهيم التي تنتمي الى عائلته المنبوذه والمشؤومه حيث ان افراد هذه العائله الغير كريمه كثر لن هذه العائله يبدوا انها حكمت فتره ليست بالقصير من التاريخ الانساني ولازالت تحكم ومراجعه لكتب التاريخ تعطينا انطباعاَ بأن عدد الطغاة والمستبدين يفوق الحكام الخيرين والعادلين بشكل لايمكن معه المقارنه  وتتألف هذه العائله من الأعضاء وهم: “الاستبداد Despotism” و “الدكتاتوريهDictatorship ” و” الشموليهTotalitarianism  ” و “السلطه المطلقهAbsolutism “و”الاوتوقراطيهAutocracy ” هؤلاء هم اعضاء العائله الغير كريمه للطغيان ، بالرغم من انه غير مقتصر على حاكم او نظام بعينه انما يمتد لمختلف وجوه حياتنا وتفكيرنا وسلوكنا وتعليمنا وادارتنا ويتبلور عنه الثمار المسمومه في اشكال التعصب والتطرف وادعاء امتلاك الحقيقه المطلقه وسنناقش كل عضو من اعضاء هذه العائله بشكل سريع لنتعرف عليهم ونحذرهم .

الأستبداد هو ثاني اعضاء عائلة  الطغيان فكلمة”المستبد Despot”مشتقه من الكلمه اليونانيه “ديسبوتيسDespotes  “التي تعني رب الاسره او سيد المنزل او السيد على عبيده ثم خرجت عن النطاق الاسري لتدخل رحاب عالم السياسه لكي تطلق على نمط من انماط الحكم الملكي المطلق الذي تكون سلطة الملك على رعاياه كسلطة الاب على ابنائه في الاسره وهذا الخلط بين وظيفة الاب في الاسره التي تعتبر مفهوم اخلاقي بينما وظيفة الملك الذي هو مركز سياسي يؤدي في الحال الى الاستبداد وفي عالمنا اليوم يضحك الحكام على السذج بالقول ان الحاكم اب للجميع وهو مايعني ان من حقه ان يحكم حكماَ استبدادياَ على اعتبار ان الاب لايمكن ولايجوز معارضته اخلاقياَ ولا الاعتراض على اوامره فهو المطاع في كل شيء  واجب مفروض على الجميع وهنا ينقل التصور الاخلاقي هذا الى مجال السياسه وتتحول الانتقادات والمعارضه الى عيب وهكذا من اجل تبرير الحكم الاستبدادي وقد ظهر مصطلح “المستبد” لاول مره خلال الحرب الفارسيه الهيلينيه في القرن الخامس قبل الميلاد وكان ارسطو هو الذي طور هذا المصطلح وقابل بينه وبين الطغيان وقال انهما ضربان من الحكم يعاملان الرعيه على اساس انهم عبيد .

اما الدكتاتوريه فهي العضو الثالث في العائله الغير كريمه للطغيان فان مصطلح”الدكتاتورDictator  “روماني الاصل ظهر لأول مره في عصر الجمهوريه الرومانيه كمنصي لحاكم يرشحه احد القنصلين بتزكيه من مجلس الشيوخ ويتمتع هذا الحاكم بسلطات استثنائيه وتخضع له الدوله والقوات المسلحه بكاملها في اوقات الازمات ولفترة محدده لاتزيد في العاده على سنه ولقد كان ذلك اجراء اجراء دستورياَ وهو مايؤدي الى وقف العمل بالدستور مؤقتاَ في فترات الطواريء الخطره والحقيقه ان هذا المنصب بالمفهوم الروماني يختلف اختلاف تام عن مفهوم “الدكتاتور”في العصر الحديث ولدينا مثال حتى نقترب اكثر من وظيفة الدكتاتور الروماني هي وظيفة “الحاكم العسكري العام”وان طبيعة نظام دولة المدنيه في روما كانت تقتضي اتخاذ مثل تلك التدابير الأستثنائيه .

والمثال الاخر الاقرب الى الدكتاتوريه المعاصره هو يوليوس قيصر Gauis Julius Caesar  الذي اتخذ لنفسه سلطات دكتاتوريه لمدة عشر سنوات في العام 46 قبل الميلادثم اعطيت له هذه السلطات مدى الحياة قبل ان يتم اغتياله بقليل لكن مصطلح “الدكتاتوريه”في الاستخدام الحديث يعني النظام الحكومي الذي يتولى فيه شخص واحد جميع السلطات وفي اغلب الاحيان بطرق غير مشروعه ،ان هذا المصطلح لا يكاد التمييز بينه وبين مصطلح الاستبداد وكما يقال انه يمكن ان يكون هناك “مستبد عادل او متنور”  وهذا هو بالضبط التصور الروماني للوظيفه التي تحمل هذا الاسم فالدكتاتور يمكن ان يكون على نحو مشروع وقانوني مثلما كان عند الرومان او يمكن ان يوجد كأمر واقع تفرضه تطورات معينه على نحو مانراه في صورته الحديثه التي اعتبرها الفقيه الفرنسي المعاصر “موريس دوفرجيه M.Duverger ” مرض بالنسبه لنظم الحكم وهو في الحقيقه مرض مزمن ومن الامراض المتوطنه وهو وباء معدي والوباء الكبير لأنتشار النظم الدكتاتوريه فقد ولد مع الثوره الفرنسيه في العام 1789مولاتزال انتشاراته حتى اليوم ،ومثلما للطغيان اوجه عديده قديكون فرداض او جماعه فالدكتاتور ايضاَ قد يكون فرداَ او قد يكون جماعه مثلما سمي باسم “دكتاتورية البرولياريا “اي” الطبقه العامله”Dictatorship Of The Proletariat وهو المصطلح الذي استخدمه “كارل ماركس K.Marx ” وتبناه “لوي بلانكيL.A.Blanqui  “الذي كتب عن الحاجه الى “دكتاتوريه ثوريه”.

العضو الرابع في عائلة الطغيان المقيته هو الشموليه او السلطه الجامعه وهو شكل من اشكال التنظيم السياسي يقوم على احتواء جميع الافراد والمؤسسات والجماعات في الكل الاجتماعي “المجتمع ،الشعب ،الدوله”عن طريق العنف والارهاب ويمثل هذا الكل قائد واحد تجتمع في يديه كل السلطات التشريعيه والتنفيذيه والقضائيه وهو في اغلب الاحيان يكون ذو شخصيه مؤثره “كارزميهCharismatic “وله القدره الفائقه في جذب الجماهير ولهذا تراه يلقب بلقب”الزعيم”ويطاع طاعه مطلقه ومصطلح الشموليه هو في الحقيقه مصطلح جديد استخدم في اواخر الثلاثينيات من القرن العشرين وهو يتميز عن مصطلح السلطه المطلقه والاوتقراطيه وتشترك في خواص اساسيه هي السيطره الكامله للدوله على وسائل الاعلام مع وجود ايديولوجيه لتوجيهها ومن الامثله على هذه الانظمه ايطاليا في عهد موسوليني والمانيا في عهد هتلر واسبانيا في عهد فرانكووالبرتغال في عهد سالازار وقد عبر موسوليني تعبيراَ مهماَ عن الشموليه في خطاب القاه في 28 تشرين الاول /اكتوبر عام 1925م حيث قال:”الكل في الدوله ولاقيمة لشيء انساني او روحي خارج الدوله فالفاشيه Fascism شموليه والدوله الفاشيه تشمل جميع القيم وتوحدها وهي التي تفسر هذه القيم وهي تعيد صياغة حياة الشعب كلها “.والدوله الشموليه تعتبر كتله واحده ولاتقبل بمبدأ فصل السلطات وكذلك لاتقبل بأي شكل من اشكال الديمقراطيه واي معارضه لهذا الكل تحطم بالقوه فلا رأي ولا تنظيم ولاتكتمل خارج سلطة الدوله .

في مقال نشره الفيلسوف الايطالي “جيوفاني جنتيلي Giovanni Gentile “يلببغه الانكليزيه عام 1928م بعنوان “السس الفلسفيه للفاشيه “استعمل صفة Totalitarian بمعنى الشمول او الاحاطه او الاحتواء في وصفه للنظام الفاشي.

العضو الخامس في عائلة الطغيان هو السلطه المطلقه وهو مصطلح يعني الحكومه المطلقه او الحكومه التي لا يحدها حد من الداخل ولابد من التفريق بين الحكومه المطلقه والسلطه المطلقه فالسلطه متضمنه في الدوله باستمرار وقد تحدها سلطات اخرى والحكومه يمكن ان تكون مطلقه حتى من دون استيلائها على السلطه المطلقه وهي تكون كذلك في حالة غياب الكوابح الدستوريه فلا يخضع اي تصرف من تصرفاتها الى النقد او المعارضه باسم الحكومه وطبعاَ الحد الاساسي للحكومه هو القانون والمدافعون عن السلطه المطلقه من الفلاسفه والمفكرين كثر نوجز منهم “توماس هوبزTomas Hobbes”و”روبرت فيلمر ” في انجلترا و الاب”جاك بوسيه J.Bousset”في فرنسا وقد كان محركهم باستمرار ان اي حكومه تحتاج الى سياده Sovereignty اي اصدار القرارات دون اي مسأله والحقيقه لم يعد لهذا المصطلح معنى محدد فهو يستخدم على نحو واسع وفضاض ليدل على حكومات تمارس السلطه بلا مؤسسات نيابيه – كوابح دستوريه- وهو باعتباره عضو في عائلة الطغيان الغير كريمه فقد تم الحاقه بالعائله في القرن التاسع عشر بواسطة “البونابرتيه Bonapartism”او “القيصريهCaesarism ” وفي القرن العشرين بواسطة المذهب الشمولي رغم بعض الفوارق بين هذه المذاهب فهو يتميز عن الشموليه بانه لاتوجد فيه رقابه شامله على كل وظائف المجتمع انما يعبر عن سلطه للحكومه لاتتقيد بقيد ،وهناك موضوع في غاية الاهميه حيث عرض الاسقف “بوسيه” المعاصر للملك لويس الرابع عشر صوره لاهوتيه من مذهب السلطه المطلقه جمع فيها عناصر تقليديه من الكتاب المقدس وتصورات مجازيه وتشريعيه جديده وحجج مستمده من “توماس هوبز”وهكذا ذهب “بوسيه”الى ان الله هو الذي يعين الملك ويضعه على العرش لكي يعمل من اجل المصلحه العامه وبالرغم من ان مصطلح مذهب السلطه المطلقه قد تمت صياغته في انجلترا في القرن التاسع عشر فان لفظ المطلق سبق زان نوقش مناقشات محتدمه في القرن السادس عشر والسابع عشر من خلال المناقشات السياسيه والقانونيه لنظام الحكم الملكي المطلق والحقيقه هذا العضو في عائلة الطغيان اصبح الان في ذمة التاريخ اي لم يعد احد يناقشه في العالم المتقدم سوى المؤرخون لكن في دول العالم الثالث لازال موجوداَ رغم انه في حالة شبيهه بالشلل الرعاشي والتقهقر وصولاَ الى رحيله الى ذمة التاريخ.
العضو السادس في عائلة الطغيان الكريهه هو الاوتوقراطيهAutocracy  والتي تعني الحاكم الفرد الذي يجمع السلطه في يده ويمارسها على شكل تعسفي وقد يكون هناك دستور وقوانيين تبدوا في الظاهر انها تحد سلطة الحاكم غير ان الحقيقه انه يستطيع ان يبطلها اذا اراد او يحطمها بارادته واغلب المنظرين والمفكرين يعتقدون ان الحكم الاوتوقراطي يتطلب تركيز السلطه في يد شخص واحد وليس في يد جماعه او حزب ونجد النزعه الاوتوقراطيه في المعتقدات المتعلقه بالطبيعه الالهيه للحاكم او حق الملوك الالهي ويمكن ان توصف بها انظمه متعارضه اتم التعارض مثالنا على ذلك هو حكم قيصر روسيا قبل الثوره كان حكماَ اوتوقراطياَ وبالمثل كان حكم ستالين.
وهنا لابد من ان نتطرق الى مآثورتين نستخرجها من خزانة الحكمه الاولى قول الفيلسوف جون لوك في الفقره 251 من الحكم المدني :ليس للطغيان صوره واحده فمتى استغلت السلطه لأرهاق الشعب وافقاره تحولت الى طغيان أياَ كانت صورته  اما الثانيه فهي لأفلاطون في جمهوريته يقول : اذا ذاق المرء قطعه من لحم الانسان تحول الى ذئب ومن يقتل الناس ظلماَ وعدواناَ ويذق بلسان وفم دنسين دماء اهله ويشردهم ويقتلهم ضمن   ان ينتهي به الامر الى ان يصبح طاغيه ويتحول الى ذئب.
حتى الديمقراطيه فهي تدمر نفسها بنفسها عندما تصل الى حدها الاقصى فتنقلب الى فوضى وبدلاَ من ان يحكم الشعب نفسه بنفسه الى اعتبار انه مصدر السلطات نرى حكم الجماهير او الغوغاء الذي هو بحر هائج يتعذر على سفينة الدوله السير فيه لان كل ريح من خطابه او شعوذه من جانب الخطباء تحرك المياه وتعطل طريق السير وتكون النتيجه ان يقفز الطاغيه الى كرسي الحكم لكي ينقذ البلاد من الفوضى وهكذا تنشأ الحكومه الاستبداديه في الوقت الذي يرى افلاطون بطريقه طبيعيه من الحكومه الديمقراطيه المسرفه في حريتها لحد الفوضى اي ان التطرف في الحريه يولد افظع انواع الطغيان وهكذا نصل الى مفارقه غريبه هي ان حركات الشعوب التي كانت تستهدف الاطاحه بالطغيان تخلق هي نفسها طغياناَ من نوع جديد هو طغيان الجماهير وطغيان الثورات .

* باحث في الشؤون الاستراتيجية والدولية
www.almohsun.com