23 ديسمبر، 2024 4:18 ص

مارد الطغيان

أكثرنا وبالذات من عاش تحت وطأة الظلم والطغيان داخله مارد مقموع غاضب مشوه ثائر، يحس بالظلم لكن ليس لأنه ظلما بل لأنه يتعرض له، انه مارد الطغيان الصغير الذي يبرز أحيانا براسه في التعاملات البينية لكنه يبقى في معاناة قمعه من البيئة، وعندما تحين الفرصة سنجد أن هذا الطاغية الصغير الساكن فينا يتحول إلى مارد مسخ يجتر غضبه في وقت ينبغي أن يرقد ليكون القائد حاضنة الجميع.

إننا إن كرهنا الظلم لجنس الظلم وكرهنا عمل السوء وليس من يعمله، سنبقى في مأمن من طغياننا والجلوس موضع الظالم وسلوك سلوكه.

الظلم شطط وجنوح وسيطرة غريزة على الإنسان في حب التملك بقناع الإخلاص والمحبة، فلا الظالم شخصية قوية ولا من يفرض إرادته على الآخرين شخصية قوية، ورغم أن هذا يدخل في تعريف الشخصية القوية في العرف الغربي إلا انه تشوه وضعف سيطرة على الذات واستعمار الغرائز للمنظومة العقلية التي تتمكن من إبراز وتمكين الظلم وتشريعه بقوانين يخضع لها الجميع مقهورا وان بدى مقتنعا إلا انه مستسلما لواقع الحال فتجد ضعف في العلاقات البينية إلا من خلال توقع المصلحة والحاجة للآخر.

محبة موقع الظالم يعني انهيار للقيمة الإنسانية وتقديم غريزة حب السيادة مسبقا وإعطائها سلطة على المنظومة العقلية بشكل مبكر وعندها ستتمكن بقية الغرائز من الدخول لإنتاجٍ فاسدٍ ومجتمع مختل متحلل من القيم إلا بالكلام وزعم البراءة واستثارة التعاطف لتبرير كل سقطاته وخياراته السيئة، لأن معظم هؤلاء إن تمكنوا فجروا.

حقيقة ليست بالمثالية أن من يحب إنسانا أو امه أو شعب من هذه الأمة سيبحث عن سعادته من خلال إسعادهم أما هذا الحب الذي يشوبه غرائز كحب السيادة والتملك فهو تشويه للقيمة الراقية للعلاقات السليمة أو المشاعر الإنسانية التي هفو للخير والقيمة لإنسان مكرّم.

الطغيان القاهر وتشويه الديمقراطية:

الطغيان كما نوهنا هو طغيان الغرائز وان وجدنا دهاة فهذا يعني سيطرة الغرائز على منظومة العقل واستعمارها وتشغيلها لتحقيق رغبات ونزوات وربما أهدافا بعضها يبدو عظيما لهؤلاء الطغاة، فمن ينظر للأمر من باب الحسن والقبيح سيتيه في فهم الطاغية وقد يمجده أو يصنع له صنما وهو لا يعدو اكثر من مريض مشوه الخلق والسلوك لكنه يخاطب الطاغية الصغير المقموع داخلنا، وينجز ما يرى انه سيكون اكثر سلطة ويبدو جوانبا إيجابية كالصروح والأبنية ومظهر الجيوش والصلابة، فعندما يكون سعيا للإصلاح سيوأد هذا الإصلاح إن كان سياسيا في الحكم وتستغل الآليات العمياء لتزيد الطاغية طغيانا بإعطائه الشرعية التي لا تطلب أن تكون مثالية ضمن تنفيدها ويتمادى في هذا لدرجة تفرّغ من معناها ويستعملها الطغاة لإقناع انفسهم انهم طغاة بإرادةالشعب فلا يعود الطغيان أمرا سلبيا بل هو رحمة وهذا يبدو جليا عند فشل التحول السياسي فيرجع الناس في طلب الطاغية والأسى على فراقه ناسين أن من يصنع الطغيان هم انفسهم بتنميتهم الطاغية الصغير وابتعادهم عن الوسائل التي تبدأ بالحوارات ومراعاة الآخرين والتفاهم على كلمة سواء، وإنما يسعى الطاغية الصغير للنمو بقمع الطغاة في انفس الناس، ومن هنا تفشل الوسائل المدنية كالديمقراطية أو تطبيقات الشورى فكل يريد العلو في الأرض وليس العيش والتفاهم وإنما يحرر المارد الذي داخله بغضبه وتشوه خلقه حيث نراه مسخا متى ما أزيل عنه غشاء التكلف المخادع وبان على حقيقته وتفاهة تكوينه.

طغيان من نوع آخر:

عندما يظهر الطغاة بهذه السلبية لابد من تغييرهم وإزالتهم والتفاهم بين الناس على العيش الكريم والكرامة الإنسانية التي هي منحة الرب عندما خلق آدم وأراد أن يكون إنسانا، لكن، ما يحصل أن هنالك أناس تبدو غير مهتمة، بيد أنها أناس تحوي الطاغية الصغير داخلها لكن لم تأت الفرصة له للانطلاق والنمو بدافع تغلب غرائز أخرى على غريزة حب السيادة والتي تصادر الغرائز الأخرى كمات منظومة العقل بطغيانها وهي غريزة حب البقاء، والانا التي إنتعمقت ثبطت الفعل الإيجابي باتجاه التغيير، فيجلس منتظرا كما صياد السمك بالسنارة، وقت طويل يرسل طعمه، وقد يعود له طعمه أو تخطفه سمكة حصيفة دون الوقوع بفخه، هذه الناس ستطلق طاغوتها الصغير عندما تضيق الأحوالوتختار للواجهة وينتفخ المارد المضغوط بانتظار هذه الساعة، فلا تكون إلا حجة سلامة موقف للمُحبطين.

ما الحل؟

الحل الأمثل للشعوب المقهورة وهي تثور من اجل الحياة أن تسعى لحوار الطغاة الصغار وانتزاعهم من النفس أو إصلاحهم ومداواتهم، وان يكون هنالك هدفا واضحا هو الحب الحقيقي للامة وليس الأنا الإبليسية أو المارد الفاجر الذي مهما تزيا بالورع يبقى مكشوفا فتلك ملابس الملك الشفافة التي خدعه بها الخياط.

الإصلاح الحقيقي بتثبيط الطغيان وأحادية النظرة وبذور تفرق نامية باتت أشجارا من سم زعاف، والا ما نفع قتل مارد طغيان وتنمية مارد آخر وتعطيل التطور المدني والفكر البشري بظلام الطغيان وتحويل جمال الحياة إلى ارض بوار.