17 نوفمبر، 2024 9:24 م
Search
Close this search box.

الطاعة كما يراها السيد مقتدى الصدر ؟

الطاعة كما يراها السيد مقتدى الصدر ؟

تناول القران الكريم مفهوم الطاعة على انها الانقياد سواء كان حسياً أو معنوياً للاوامر والنواهي التي تصدر من النبي عن الوحي المنزل ,ويترتب على ذلك السلوك المنضبط والاخلاقي للفرد المسلم في مجمل تحركاته وعلاقاته في الحياة سواء كانت مع الاخرين او مع نفسه او مع خالقه , للطاعة اهمية كبيرة وعظيمة بل لعلها روح الرسالة النبوية حيث قال تعالى ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)) لكن هذه الطاعة مقرونة بالقناعة الحقيقية للانسان المبنية على التأمل واليقين والمتحصلة من الايمان بالدعوة وبصاحب الدعوة ,الطاعة بمعناها الايجابي هي الاستجابة للدعوة التي تبحث عن سعادة الانسان في الدنيا والاخرة , لكن الذي حصل لهذا المفهوم وهو كغيره من المفاهيم الاسلامية انه تعرّض للتشويه الممنهج على ايدي السلطة لينتقل بعدها الى رؤية دينية فقهية اصبحت فيما بعد سوط لتدجين الشعوب الاسلامية من خلال اطاعة ولي الامر المسلم سواء كان هذا الولي الحاكم براً أو فاجراً, ملكاً او سلطاناً, كما هو الفقه السني , ربما الفقه الشيعي على مستوى التنظير كان افضل ويرى وجوب ترك الطاعة للحاكم الظالم , يرى البعض ان المفاهيم عادة ما تكون عرضةً للعديد من التطوّرات؛ فالممارسة البشريّة المُحاطة بجملةٍ من العناصر المتداخلة، والظروف والملابسات المعقّدة، تُضفي على المفاهيم ظلال التّجربة البشريّة وتخضعها لمقتضياتها في الكثير من الأحيان، اذ ان قراءة النص القراني او الروائي تخضع لمزاج وروح وظروف وقابليات القارئ بلا شك . في الفكر الشيعي فُهمت الطاعة لاولي الامر بانها اطاعة المعصوم كما هو معلوم في الفكر الامامي الاثنى عشري , وانتقلت هذه الطاعة بعد غيبة الامام الثاني عشر الى نائب الامام وهو المرجع الشيعي , لا اريد هنا ان اخوض في هذه المسألة فلقد بحثتها سابقا في مقال منشور في موقع كتابات وضمن صفحتي بعنوان ((عمل العامي بلا تقليد باطل ؟ ))

وتساءلت فيه عن صحة هذا الكلام من عدمه , اليوم وعلى خلاف الاجيال السابقة في تراث المرجعية استجدّ امر هام جدا وهو انتقال الطاعة من المرجعية الى ابناء المرجعية وبشكل متشدّد متمنّع على النقد اثار زوبعة كبيرة في المجتمع العراقي لايزال صداها مستمر حتى كتابة هذه الحروف , فالسيد مقتدى الصدر مثلاً يرى ان الطاعة هي (طيع واسكت حبيبي) وهذا واضح في خطاباته وبياناته المتكررة والتي تصف اتباعه باوصاف تطالب في مجملها على التسليم المطلق وعدم التساؤل مقابل كل خطوة يخطوها وهو بهذا الفعل يربي اتباعه على الطاعة المطلقة بمفهومها السلبي , أي التسليم بفعل القائد ومحاولة تبريره, حتى لو كان مخالف للواقع والمحاولة جهد الامكان نحو خلق ثقافة التدجين والتي بدورها تحيل مجتمع باكمله الى (البطالة العقلية) والتي تعني الاكتفاء بما يقوله أو يفعله الزعيم وجعل التابعين مجرد ارقام للعد او صدى للاصوات , وقد لاحظنا ان ثقافة الطاعة والتبرير منتشرة جداً في اتباع التيار الصدري وهي بلاشك انعكاس لرؤية وموقف السيد مقتدى الصدر المتشدد اتجاه النقد او المخالفة لمواقفهِ, بل وصف من يخرج عن اوامره بانه مخالف لآل الصدر وعليه ان يتوب ! في حين ان التعددية هي منهج للحياة وبطبيعة الايدلوجيات انها تفرز انشقاق مستمر عنها , فمثلا على مستوى العراق راينا تشققات الاحزاب والكتل باستمرار شبه ممنهج, وهذه حالة طبيعية اذ من الصعب جداً ان ينهج طرف معين ايدلوجيا معينة ويبقى محافظاً على وحدتها , لانحتاج الى امثلة كثيرة تخص هذا الموضوع لا على مستوى البلد ولا العالم, انكلترا نفسها خرجت عن الاتحاد الاوربي والعالم اليوم يسير نحو الفردانية على مستوى الحريات والحقوق والاقتصاد لكنه قد يتعسكر سياسياً احيانا في معسكرات شرقية وغربية لحفظ هذه الحقوق والمصالح , حاول السيد مقتدى الصدر ان يؤسس لمدرسة جديدة لا تعتمد على
رؤى فلسفية ومباني سياسية واجتماعية, بقدر اعتمادها على استحسانات ومواقف انية سرعان ما تتغير لعدم جدواها وموضعيتها وأخذها للواقع بعين الاعتبار, للامام علي ع” كلمة رائعة تؤسس لثقافة النقد تبدأ بهرم السلطة ولا تنتهي بأحد (( فلا تكفّوا عن مقالةٍ بحق، أو مشورةً بعدلٍ، فأني لست في نفسي بفوق أن أُخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي..)) كما ان القران الكريم قبل ذلك دعى الى التفكير الفردي او الحوار بين اثنين من اجل تلاقح المعرفة واكتمال الرؤية بدلا من التفكير الجمعي او التسليم المطلق للزعيم او القائد او المرجع والذي بدروه يركن العقل جانباً ويتقدم فيه التعصب والجهل والتبعية والتبرير , حيث قال تعالى ((قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ , أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)) لكن هذه الثقافة التأسيسية الاصيلة انزوت وضاعت وسط الركام الهائل من العصبية والانانية وحب السلطة التي طالت المؤسسات الدينية قبل السياسية .

أحدث المقالات