اذا كان النجيفي طائفي مدمن , فعلى الجرف الآخر تواماً له , ومن يعتقد ان الــ ( النجيفي ) يمثلون عراقيو الموصل ومتحدون يمثلون عراقيو المحافظات الغربية فهو على ضلال مبين , ربما يوظفوا خوفهم الذي تفرضه اسفزازات طائفي الجرف الآخر لأصطياد المنافع الشخصية والعائلية , الطائفية والعنصرية لم تكن ثمرة شجرة عراقية الأصل والجذور , انها وصفة نافقة مستوردة او مهربة لتلوث بيئة المجتمع العراقي , الطائفيون من على الجرفين ينتفعون على حساب الوجع التاريخي لملايين الأبرياء .
قال احدهم ” اذا دخلت الموصل ستخرج بلا رأس ” وانا ابن الجنوب ملامح ولهجة , قررت التحدي فالعراقيون لا يقطعوا رؤوس العراقيين, وسافرت مع صديقي الموصلي الأستاذ الجامعي محمود حازم رشيد , وصلنا الموصل وكنت قررت الأقامة فيها يومين , فكان دفيء العائلة الكريمة للصديق محمود رشيد اغراني لللأقامة ستة ايام تقريباً , التقيت خلالها الكثير من الموصليين في الأسواق والمنتزهات واستضافني البعض من العوائل , ومع انهم يعلمون اني من الجنوب , ومن العمارة حصراً , تصرفوا معي كأهل كرماء , تحدثوا معي بصدق وحميمية وتناولوا هموم مدينتهم ومستقبل شبابهم وشعرت ان قلوبهم يؤلمها الخوف على وحدة العراق ومستقبل العراقيين , يمضغون القلق من ان يصبح العراق ضعيفاً في مواجهة التحديات , خارجية وداخلية , يؤكدون خوفهم على مستقبل العراقيين كأخوة وشركاء في هذا الوطن الجميل بجغرافيته وثرواته وبيئته وتاريخه الحضاري , ” ما نحتاجه ان نتخلص من سؤ الفهم ونتسامح مع بعضنا بروح الصدق والمحبة وقبول الآخر , ونشكر اللـه خصنا بهذا الوطن المعطاء ” .
شخصت فيهم صدق الأنتماء والولاء لوطنهم وشعبهم اولاً , مع الحرص على انتمائهم العربي الأسلامي , يكررون ما سمعته من جميع بنات وابناء العراق ” اننا اخوة والعراق يكفينا بخيراته , لنكن ما نكن وننتمي حيث نريد ونفكر ما نرغب ونحترم خصوصياتنا , لكن لا نسمح لأوردتنا ان تتقبل غير العراق دماء مشتركة , لا اريد الأطالة هنا , فقد كتبت انطباعاتي عن الموصل واهلها في مقالة سابقة .
مثلما زرت الموصل , زرت قبلها مدن الأقليم الكوردي , كما زرت مسيحيي العراق في سهل نينوى , وكوني من الجنوب العراقي , توصلت الى قناعة راسخة , العراقيون اخوة متحابون لو تركوا كما هم , ولا يمكن لهم ان يكونوا غير ذلك , يتحدثون ويتفاهمون مع بعضهم بعيداً عن مفردات الأحقاد والكراهية التي يتمنطق بها السياسيون , ومثلما هو نجيفي الموصل , هناك نجيفي البصرة وبغداد , انهم مجندون لأفساد العلاقات العراقية العراقية , العراقيون لا يمكن لهم ان يجدوا امنهم واستقرارهم وازدهارهم من خارج بعضهم , الثغرات التي فتحت في جدار وحدتهم , حالات فرضت عليهم من خارجهم , ومثلما في الموصل اقلية مدمنة على افيون الطائفية , يوجد مثلها في كافة المحافظات العراقية , وهنا من السخافة والحماقة حصر تلك النوبات الطائفية الكريهة بمنطقة دون غيرها .
الطائفيون لهم تاريخهم ومراكزهم ومرجعياتهم , ومن بيوت عبادتهم يتم تفريخ رموزهم ومبشريهم ومموليهم, النجيفية كظاهرة عراقية لتفريخ الخوف والكراهية ما كان لها ان تكتسب دورها وتأثيرها المعنوي على نفوس الأبرياء , لو لم يكن لها شقيقاً مماثلاً على الجرف الآخر .
اتهام الآخر بالطائفية , هي الطائفية ذاتها , هناك طبقة متكاملة متماسكة افرزها وتركها الأحتلال اوبئة في الواقع العراقي , وضع تحت تصرفها السلطة والجاه والثروات والأعلام ووسائل اخرى لئيمة لتحقيق الغايات المشبوهة للمشاريع والجهات التي لا تريد خيراً للعراق , وبدل التقليل من الأثار السلبية التي تركها النظام البعثي , ضريبة يدفعها العراق والعراقيون حاضراً ومستقبلاً , اضاف اليها معطوبي العملية السياسية للعشرة اعوام الأخيرة ما هو غير المتوقع من مبتكراتهم على اصدة الفساد والتخلف والتبعية وانهاك المجتمع بشعوذات وتخريفات لا تصلح ولا تتجانس مع المتغيرات والتطورات الكونية للقرن الواحد والعشرين .
الطائفيون دائماً يقدسون جهل المكون الذي يدعون الأنتماء اليه وتمثيله , ينهكوه بأفتعال الخوف من الآخر , وحقن الأرادة المجتمعية بمخدرات الأحقاد والكراهية ثم يتصدرون المشهد بلعبة المزايدات والأبتزازات والمساومات , متفقون على ابتلاع الدولة, لهم مؤسساتهم للفساد منظمة منضبطة ذات مخالب مليشياتية, انهم يشتركون كطائفيون بتدمير العقل العراقي وتغييب الوعي المجتمعي , واذا ما وجدوا ان رياح المتواضع من هامش الديمراطية قد تحرك عكس سفن مكتسباتهم غير المشروعة , يلجأون الى رذيلة التزوير الذكي .
خفافيش تعرف وظيفتها وتتقن ادوارها , تتسلل من داخل عتمة افتعال الخلافات وافتراض الصدامات وتحريك دور ( داعش ) بغية تغيير مزاج الرأي العام وحالة الأستقطابات بأتجاه الكسب الأنتخابي .
الطائفيون بكل الوانهم ومرتكزات شعوذاتهم, يواصلون تدمير الموروثات الحداثية للأنسان العراقي , يحاربوه في فرحه ومواهبه وابداعاته ونتاجه المعرفي واخيلته ومبادراته في اصلاح حاضره وفتح ابواب التغيير نحو مستقبل اجياله , يختزلون فصول عمره في فصل بكائي واحد ومجمل حياته بلون معتم واحد , انه مشروع قديم جديد لأفساد الذات العراقية , وقطع اوردة التواصل التاريخي مع المنجزات الحضارية .