مع كل يوم يمر ، تترسخ القناعة لدى المواطن العراقي ، بأنه لايمكن فصل ازمته عن ازمة دول الجوار عامة والدول العربية خاصة . والكثيرون الذين اعتـقـدوا ان عملية الفصل كانت تبدوا واردة في مرحلة من المراحل ، وراهـنوا عليها ، وقعوا في خطأ التقدير والحسابات ، وحمّـلوا العراق تبعات هـذا التـقـدير الخاطيء ، وهذه الحسابات المغلوطة . اذ ان ازمة العراق السياسية تبدأ دائمـا عند اقتراب فترة الانتخابات ، بل الى نقطة البداية مع اضفاء بعض التغيـير على الخارطة السياسية وتبديل بعــض الاسماء والصيغ وحتى في المواقع بشكل يتماشى مع الادوار المرتبطة بطبيعـة المرحلة ، وفي كل مرة الشـعب هو من يدفع ثمن هذه التحولات .
فالذي يجب ان يكون محسوما لدينا نحن العراقيين قبل غيرنا ، بأن ساحتنا هي انعكاس مباشر لواقع محيطنــا العربي وكذلك دول الجوار الاخرى ، تـتفاعـل معه ، تـتأثـر بسـلبيـاته ، وتستفيد في حالات محددة من ايجابياته، تعيش حالة نهوضه ، وتنـتعش بازدهاره ، وايضا تتحمـل اوزار تراجعـــه ، كما هو حاصـــل الآن .
لذا يجب ان نفهم ان تكوين العراق جاء بالاساس على ثوابت عدة ، ومنها تعدد الاديان ..والقوميات العراقية المتآخية ، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان القومية العربية هي المكون الاســــاس ، وهذا يفترض الانتماء الى المحيط العربي ، فضلا عن النظرة السياسية الحديثة ، القائمة على التضامن الاجتماعي والسياسي من خلال توافـق الطوائف على ارادة العيش الواحـد .
فاذا ما فقد العــراق مبرر الوجود هذا وانتـفت ضرورتـه وخسـر دوره في محيطه ، وحاول الدخول في متاهات البحث عن اللا انتماء ، وتخلى أهله عن كل امكانية للعيش المشترك ، يصبح عندئذ من المستحيل استمراريته ، كما يصبح من السهل لدى الجميع ، الاشقاء قبل الاصدقاء ، ايجاد المبررات بتجاهله .
وما نراه اليوم من حالة ، وطوال مدة زادت عن عشر سنوات … هل تستبدل حالة سـياسـة الأمــل بالمستقبل الى وضعية اليـــأس ؟
وتأتي الظواهرالمتنـافـرة التي تترافق مع الظروف ، لتبرر الملامح التقسيمية التي تتعزز وضعيتها بمرور الزمن .
هناك الكثير من الحقائق والمسؤوليات ، لم يعـد من الجائز تجاوزها اوالالتـفاف عليها كما كان الحال بالنسبة للسنوات الماضية ، وفي هذا الاطار ، تتمحـــورالنقاط الواجب تناولها وهي ، ضـرورة الاعتراف وبصراحة مطلقة دون تكذيب او نفاق بأن الطوائف والقوميات العراقية ، لم تكن بعيدة عن بعضها في يوم من الايام كما هو الحال اليوم .، وانطلاقا من هذا الواقع الـتـباعدي البشع ، ينبغي تقدير صعوبة المهمة وحجم العطاء من اجل ارجاع الوحدة الاجتماعيــة والثـقافية ولو بحدها الادنى كمرحلة اولى ، وكذلك الابتعاد عن الطروحات الطائفية المتعصبة لدى جهة معينة ، لأن لابد من وان تؤدي حكما الى نشــــوء طروحات حادة مقابلة لدى الجهات الاخرى ، موازية او ربما اكثر هجومية منها.
وكان لفشل القوى السياسية العراقية في وضع حد للطرح الدموي الداخلي منذ البداية وتخليها عن دورها الطبيعي ، بانسياقها وراء المزايدات والتطرف أملا ببعض المكاسب ، وتحقيقا لبعض الاحلام الصغيرة ، اثره البالغ في ايصال الوضع الى ماهو عليه ، فكلما طال امد هذه الازمة ، كلما دخلت عليها معترضات وعوامل جديدة تبعد الحلول وتبدد الآمال وتجّـذر اليـأس .
في هذا السياق ، يمكن الاستنتاج بأن تغليب الحس الطائفي ، فاق بكثير الحس الوطــني لدى الاغلبية دون استثناء ، مهما حاولت النكران والتبرير والتنظير فتجاوز هذا الحس عند هذه الاغلبية يتطلب قبل كل شيء جرأة وطنية فائقة ، مازالت مفقودة عند المعنيين بالامر حتى الآن مع الأسف ، فايجاد هذا الحس الوطني لايمكن ان يولد الا بالاتفاق على اهداف وطنية مشتركة ، توصل الى اتفاق سياسي شامل يضمن حقوق الجميع في عـــراق الجميــع ، ويضع حـدا لخـوف الجميع من الجميـع .
ان مانشهده اليوم من شلل في معظم القطاعات المنتجة ، وارتفاع نسبة البطالة … فضلا عن سوء الخدمات المتمثلة بالكهرباء والماء والبنى التحتية الاخرى .
أمام هذه الحقائق وهذه الظواهر ، نجد ان المأزق عام وشامل . فكما هو مأزق الحكم والحكومة .. فهو ايضا مأزق الطوائف والمذاهب ، منفردة ومجتمعة ، واستطرادا ، فليس هناك في الوقت الحاضر لدى احد مخرجا جاهزا وسريعا لهذا المأزق ، وليس هناك حلول من أجل وضع حــد للـتـنافـربكبسة زر . فنحن الذين وضعنا انفسـنا في مثل هذا الموقف ، وعلينا نحن اخراج انفسنا ووطننـا منه قبل ان نطلب من الآخرين ذلك .
فمرضنا في نهاية المطاف له علاج ، والعلاج يتطلب حسن اختيار الدواء ، والدواء كان ومايزال في العودة الى الماضي القريب .. تراثنا العراقي الاصيل ، التراث الذي يحصن مبرر الوجود ، وحقيقة الوجود وحقيقة الانتماء وصيغة التوافق على مبدأ العيش المشترك الواحد هو الــعودة الى العقـل والـوعي والمنطق .