19 ديسمبر، 2024 12:45 ص

الطائفية وخطرها على التركمان..

الطائفية وخطرها على التركمان..

دخلت ايران تحت حكم السلالات التركية اعتبارا من عام 961 ولاكثر من الف عام ،وأصبحت تبريز مركز آذربيجان الجنوبية ،عاصمة لمعظم الدول التركية التي تأسست على الاراضي الآذربيجانية  وتوسعت فيما بعد لتشمل ايران كلها،وتمتد الى العراق ولأجزاء من الاناضول الشرقية واجزاء من الهند وتركستان. والدول التي توالت على الحكم في ايران اعتبارا من 961م ولغاية عام 1925 هي الدولة الغزنوية والخوارزمية والايلخانية والجلائرية والتيمورية ودولة القره قويونلو ودولة آلآق قويونلو، فكانت هذه الدول تعتنق المذهبي السني، اما الدول التي تأسست بعدها واعتنقت المذهب الجعفري فهي الدولة الصفوية  والدولة الآفشارية والدولة القاجارية .

الدولة الصفوية 1501م-1722م أسسها الشاه إسماعيل الصفوي الاول ،وهو الذي جعل من مدينة تبريز عاصمة للدولة الصفوية،فقد كان ابوه الشيح صفي الدين أردبيللي متصوفا سنيا شافعيا في مدينة أردبيل ،غير ان ابنه اسماعيل الصفوي تحول الى المذهب الشيعي وادعى الإنتساب لاهل بيت رسول الله وذلك بهدف كسب ود المسلمين والتحول الى ند قوي ضد الدولة العثمانية السنية، لان السلطان العثماني سليم الاول كان يلقب في ذلك الوقت ب “خليفة المسلمين” .والشاه اسماعيل دفعته طموحاته واهدافه لفرض المذهب الجعفري بالإكراه على بني جلدته الاذريين الاتراك ومن ثم على الفرس لكي يكون له مبرر شرعي لمحاربة الخليفة العثماني السني .

ولدوافع مذهبية بحتة لا علاقة لها بالاسلام ، خاضت جيوش الدولتين التركيتين الصفوية والعثمانية ، عشرات الحروب الطاحنة ، وتعتبر معركة جالديران في شرق تركيا عام 1514م بين الجيش الصفوي بقيادة الشاه اسماعيل الصفوي وبين الجيش العثماني بقيادة السلطان سليم الاول من اهم الحروب بين الدولتين  وانتهت بهزيمة الجيش الصفوي وهروب الشاه اسماعيل الى تبريز.وحصدت تلك الحروب من الطرفين التركيين ما لايقل عن مليون محارب،فضلا عن انها تسببت في  إضعاف لاواصرالأخوة بين اتراك الشرق واتراك الغرب،كما وانها تسببت  في استكراد الكثير من التركمان البكتاشيين في شرق الاناضول والذين يقدر تعدادهم اليوم بعدة ملايين.

لولا التعنت المذهبي الصفوي والعثماني الذي لا يغتفر، ولولا الحروب المذهبية بين جيوش الشاه اسماعيل الصفوي والسلطان سليم الاول، لكانت الامة التركية الان في وضع أقوى وافضل ، ولكان الوطن التركي يمتد اليوم من سور الصين شرقا الى ابواب فيينا في وسط اوربا،ولكانت اللغة التركية هي اللغة الرسمية في هذه الجغرافية المترامية الاطراف .

على الرغم من أن غالبية الاتراك الآذريين ينتمون الى المذهب الجعفري ، وعلى الرغم من ان تعدادهم يزيدعن الثلاثين مليون نسمة ، فانهم يتعرضون للاضطهاد ولمختلف انواع التمييز العنصري والاقصاء وسياسات التفريس، وبالنسبة للقاطنين منهم في المدن غير الآذربيجانية كطهران فيرغمون بشتى الاساليب العنصرية على الاندماج في المجتمع الفارسي . ولم يتبوأ أيا منهم لحد اليوم وظائف مرموقة في الدولة الايرانية  سوى من إنتحل منهم صفة الانتساب لاهل البيت ، او من إعتبر نفسه فارسيا.

النظام الايراني، نظام قومي فارسي ، إلا انه يتخذ من الاسلام واجهة له يخفي وراءها اهدافه في احياء المجد الفارسي واعادة بناء  الامبراطورية الفارسية. ولو كان النظام الايراني اسلاميا كما يدعي فما هو سرتقديمه  المساعدات للاقلية الفارسية السنية وحجبها عن الاقلية التركية الشيعية في آفغانستان ؟ وما هوسر دعمه السياسي والمالي المكشوف لجمهورية ارمينيا المسيحية التي تحتل 20% من آراضي جمهورية آذربيجان بينها مرتفعات قراباغ وتشرد اكثر من مليون من المسلمين الاذريين الاتراك من اراضيهم منذ اكثر من عشرين عام .

تعرفت بعدد من الاخوة التركمان من اهالي تسين ، ممن امضوا سنين طويلة كلاجئين بعد السبعينات في ايران ، ويعترف هولاء الاخوة المقيمون الان في اسطنبول بانهم كانوا كالعبيد في طهران،وان الشرطة الايرانية  كانت تعاملهم بسوء ، ويؤكدون بانهم  لم يروا لا الانسانية ولا الاخوة الاسلامية هناك ،ولم  توفرلهم الدولة الايرانية اي فرص عمل او خدمات صحية ويستطردون “.أما هنا في اسطنبول فنعيش كبشر ،وان كانت الاجور واطئة فان فرص العمل متوفرة لمن يرغب فيها،ولا نعامل بالسوء لامن قبل الشرطة ولا من قبل ابناء الشعب التركي الذين يرحبون بنا ويتعاطفون معنا في كل مكان.حتى ان بعضنا قد توفقوا ويزاولون التجارة ،والبعض من اصدقائنا تزوجوا وأنجبوا وكونوا أسر سعيدة “.

في اواخر كانون الاول 2012 اتهم القيادي التركماني بالتحالف الوطني الاستاذ محمد مهدي البياتي، رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالطائفية وبالتدخل في الشان العراقي داعيا اياه  ” الى انصاف  العلويين والشيعة الاتراك من الظلم الذي يعانون منه ” . مما لاشك فيه ان رئيس الوزراء العراقي  نوري المالكي  طائفي شيعي ،وأن نظيره التركي أردوغان طائفي سني ينحدر من الفكر الاخواني ، وان طائفيتيهما تذكرنا بالمثل القائل ” من كان بيته من زجاج لا يرمي جاره بحجارة “.

صحيح ان رئيس الوزراء التركي أردوغان  ينتهج مواقف طائفية  في سياسات تركيا الخارجية ازاء العراق وسوريا وغيرهما والتي تتنافى مع المصالح الوطنية التركية ومبادئ الجمهورية التركية الحديثة، وقد تنعكس مواقفه وسياساته الطائفية بالسلب على تركيا في المستقبل . غير أن الاستاذ محمد مهدي البياتي المحق في امتعضاضه من طائفية اردوغان، قد ضرب هو الاخرفي قوله ” العلويون والشيعة يتعرضون للظلم في تركيا ” على وتر الطائفية وهو امرلا يليق به كشخصية سياسية مهمة لها دورها البالغ في الساحة االسياسية التركمانية ،ولا يخدم القضية القومية التركمانية التي تمر اليوم في احلك مراحلها . ولا يسعنا هنا إلا ان ندعو الاستاذ البياتي الى ان ينصف ابناء بني جلدته التركمان وان يجنبهم ويلات المزيد من التشرذم المذهبي الذي يشكل الخطرالاول على كينونتهم في عراق اليوم .

لا ظلم ولا تمييزبالشكل الذي يتصوره الاستذ محمد مهدي البياتي يتعرض له العلويون والشيعة في تركيا.ولدى اية مقارنة يجريها الاستاذ البياتي بين وضع الآذريين الاتراك في ايران حيث انهم مضطهدون وحقوقهم مهضومة ، وبين وضع العلويين في تركيا.فسيتاكد من أن للعلويين الاتراك جمعياتهم ومنظماتهم المدنية وحتى احزابهم السياسية ودورالجمع الخاصة بشعائرهم الدينية، وفيهم الاثرياء ورجال الاعمال والجنرالات وقضاة ورؤساء جامعات ، اما الشيعة فيكفي انهم يحتفلون بشعائر استشهاد سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين في اجمل مدن العالم اسطنبول وبشكل حضاري يحسدون عليه في الدول الاخرى .

لم يشهد الشعب التركماني في مختلف مراحل تاريخه الطويل أيا من اشكال التمييز والصراع المذهبي، إلا بعد الفتنة الطائفية التي دخلت  المناطق التركمانية  وغيرها من المناطق في العراق  مع الاحتلال الامريكي، تلك الفتنة التي تمكنت من تحقيق مآربها الخبيثة في تلعفر بفعل النشاط الاستخباراتي المحلي منه والاجنبي،وبفعل ضعف الوعي القومي التركماني ، وضعف الاعلام التركماني وفي مقدمته الفضائية التركمانية التي لها ابلغ الاثر في إبقاءالوعي القومي التركماني ضعيفا ،وكذلك بفعل قصر النظر السياسي لبعض الاحزاب السياسية التركمانية،واسداء بعضها من غير ان تدرك الخدمة لمصالح وأجندات قوى محلية واقليمية .

انه لتطور مرير ومؤسف ان تؤدي الطائفية المقيتة العدوة التاريخية للامة التركية الى تقسيم مدينتنا التركمانية العزيزة تلعفرالى شطرين سني وشيعي. متى نستنبط العبر والدروس من الحروب المذهبية العثمانية- الصفوية التي قضت على الوحدة التركية ؟ والى متى نبقى لا ندرك بأن العدو المتربص بنا يتحين الفرص ليس للانقضاض النهائي على مذهب التركمان وإنما للانقضاض على لغة وقومية وتاريخ وارض التركمان ؟ والى متى نبقى لا ندرك بجدية الخطر المحدق بنا من كل الجهات ؟ ولماذا لا توحدنا لغتنا التركمانية الجميلة مثلما توحد اللغة الكردية ، الشعب الكردي المتوزع بين المذهب الشافعي والجعفري والحنفي والعلوي ؟

الغباء الطائفي للعرب قد يؤدي في المستقبل القريب الى اندلاع حرب شيعية – سنية ، وقد تؤدي هذه الحرب لنشوء دولتين شيعية وسنية واخرى كردية وهي قائمة اساسا ،كما وان المناطق المتنازع عليها وهي في معظمها مناطق تركمانية ستشهد حربا عربية سنية – كردية تنتهي لصالح العرب السنة بدعم ستقدمه لهم اميركا لان اقتصاد دولتهم تحتاج الى موارد طبيعية من نفط وغاز وهي كثيرة في كركوك .

 ليعلم التركمان بان العرب الشيعة ليسوا بحاجة الى شيعة التركمان .ولا العرب السنة سوف يحتاجون الى سنة التركمان بعد احتمال ضم المناطق المتنازع عليها الى الدولة العربية السنية .ففي هذه الحالة سيبقى للتركمان خيارين ، إما انهم يختارون الموت البطئ اي الانصهار في بوتقة العرب السنة الذين مارس سياسييهم التعريب ضد التركمان منذ تاسيس الدولة العراقية، او انهم يختارون الموت البطئ في البوتقة الكردية في حال انضمت المناطق المتنازع عليها الى اقليم كردستان الذي لا يختلف حكامه في نهجهم العنصري عن نهج حكام العرب السنة  ضد التركمان.

حكماء التركمان في العراق وفي جميع ارجاء العالم مطالبون اليوم وليس غدا باجراء مقارنة سريعة لتجارب وحركات الشعوب الاخرى وإختيار ما ينفع منها التركمان سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وينقذهم  من وضعهم الراهن الآيل للإنهيار في العراق،ورسم خارطة طريق عاجلة تساعد التركمان على إقامة منطقة جغرافية تركمانية تحميهم من خطر الزوال والانصهار في هذه البوتقة او تلك ،وإلا فان لعنة التاريخ ستلاحقهم اينما كانوا .