17 نوفمبر، 2024 2:22 م
Search
Close this search box.

الطائفية في المجتمع العراقي

الطائفية في المجتمع العراقي

الطائفية .. ذلك الوحش الفتاك وتلك الصفة التي يحاول الجميع ان لا يتلطخوا بها وحينما يتم ذكرها يهرول الجميع عابراً لمساحاتها وأطرها مع انها صفة متلازمة ونمط سلوكي يعيشه مجتمعنا منذ قرون وتراها تستتر في بعض الأحيان خصوصاً في المدن ولكنها ناشطة في المجتمعات القروية وتستتر عند سطوة الدولة وتنمو عند ضعف السلطه ولذلك فقد ارتأيت قبل ان أكتب مقالي هذا ان اسبقه باستبيان لتعريف الطائفية ولم أكن أقصد تعريفاً أكاديمياً بل كنت قاصداً للتعريف الواقعي لها والذي أرى الكثير يفزع منه ويتهم به الكثير دون علم وقد يجافي أصدقاء وزملاء له كونه يظن انهم طائفيون متناسياً انه لو كان سليم الفطرة والنوايا لما جافاهم بل ان طائفيته هي التي قادته لذلك فماهي الطائفيه اليوم ؟ وهل شارعنا ومجتمعنا طائفي ؟
ينوي مجلس النواب التصويت على قانون تجريم الطائفية خلال هذه الفترة التشريعية وهم بانتظار مسودة القانون من مجلس الوزراء لكنهم لم يجدوا تعريفاً للطائفية كما لم يحدد تعريف الأرهاب من قبل ! فالطائفية هي ليست التعصب للطائفه لأنك اذا اردت ان تكون واقعياً ولا تكتب جملك في الهواء يجب ان تعي ان كل شخص يحمل في شخصيته هامشاً يتحيز لفئة أو مجموعه وقد تكون لطائفته طبعاً لا ينفصل ذلك عن السلوك الجمعي الذي هو انقياد عفوي غير مسؤول وأذكر في احد الأيام سألت أحد الأصدقاء لماذا اراك صائماً واليوم اول أيام عيد الفطر فأجاب لأننا لم نفطر ولا يعلم لِمَ بل فقط لانه شيعي وهو يفطر مع عائلته واقاربه ! اذن من يتعصب لطائفته ليس بطائفياً كما هناك من تراه متعصباً ومشجعاً كروياً لنادي معين يبالغ في تعصبه الى الحد الذي يجعله ينعزل عن كل أصدقائه ان كانوا مغايرين له في التشجيع اذن لنتفق اولاً ان من يعتز بطائفته ليس بطائفي لكن متى يتحول هذا التعصب الى صراع فكري وتربوي ثم قد يتحول الى أزمة مجتمعية تتطور الى صراع في اية لحظه ؟
نحن مجتمع منقسم في الواقع بين مذهبين هما السنة والجماعة ( النواصب ) والشيعة الجعفرية ( الروافض ) وهذا الانقسام ليس وليد اليوم ولا هو بسبب الاحتلال او السياسيين كما نقرأ في مقالات المترفين ثقافياً او المدعين بل هو مرض متأصل في المجتمع ونحن متعايشين معه ولم يكن يشكل خطراً الا في الفترات التي تحول بها هذا المرض الى كراهية حينما قتل إسماعيل الصفوي جميع اهل السنة في بغداد وتبعه السلطان مراد الرابع ليقوم بابادة الكثير من اهل الشيعه في بغداد ايضاً مع ان الطرفين أتراك ومن نفس المدرسة العقائدية البكتاشية وطالما مجتمعنا منقسم فلماذا نشمأز من الذي يجاهر بانتماؤه المذهبي ؟
الشيعة لديهم اختلاف وبعد حقيقي في مسائل فقهيه كثيرة والخلل الأكبر الذي يراه البعض هو في الطقوس الحسينية وهي طقوس وليست شعائر كما يسميها البعض لأن الشعيره اتى بها النص وهو امر متفق عليه من جميع علماء الشيعه المهم بالامر هو ان تلك الطقوس لم يعرفها المجتمع العراقي الا في العام ٩٥٣ ميلادي حينما امر معز الدولة البويهي بتعطيل الأسواق والدوائر والمطاعم في العاشر من محرم وان تظهر النساء بالنياحه وأصبحت بعدها مراسيم اما المواكب فقد تطورت مؤخراً وأول من شرع بها هم النجفيون ولذلك حتى في الدولة العراقية كان يوم العاشر من محرم عطلة رسمية مقرة في الدليل العراقي ١٩٣٦ حتى اليوم ، ما اود ان ابينه ان ليس كل من يمارس تلك الطقوس هو طائفياً بمعنى حاملاً للكراهية لكن تلك الطقوس تتحول الى كراهية حينما تغلق الشوارع والمحلات في مناطق السنة لتأمين المواكب كما صرح به الشيخ رحيم أبو رغيف في برنامج تلفزيوني قبل أيام . اذن الطقوس هي جزء من الحريات وهناك من شجعها سابقاً حتى من العثمانيين فقال احد ولاتهم ” دعوهم يحولوا سيوفهم الى سلاسل وحراب يضربون بها جلودهم افضل من ان يرفعوها في وجوهنا ” لكن الطائفي ذو النفس المشبعه بالكراهيه هو من يغلق الاعظميه ويطوق الشوارع لحماية الزوار الذين هم يزورون الامام موسى الكاظم منذ الف عام بسلام وبلا أي احتكاك !
الطائفي ببساطه هو شخص متعصباً لطائفته الى حد الكراهية للآخر وهو شخص مريض نفسياً وذو سلوك مختل يجره للاحتماء بالطائفه تعويضاً عن نقص او عقد في نفسه تراكمت عبر منافذ عديده منها الفشل والشعور بالظلم والمنابر والكتب المشوهه للدين والبيئة والمنطقه او القرية التي تربى فيها .
الطائفيه هي اذن مرض اجتماعي يتعلق بالكراهيه وهي وباء ينمو مع انتشار الجهل او التغذيه الخارجيه ويضمحل عند انتشار الثقافه والتطور وابدال الانتماءات الضيقه بانتمائات اكبركالاحزاب العابرة للمذهبية او الولاية ( المدينة ) بغدادي مثلاً او بصراوي او الوطن او الامة .
قبل أيام حدث صدام في أمريكا بين منظمة عنصرية للبيض تدعى ك ك ك ومسيرة لدعاة نبذ العنصرية في ولاية فرجينيا بعد مرور قرن ونصف على استقلال الولاية ! هذه دولة ديمقراطية ذات قوانين صارمة فكيف بدولة كالعراق وايران ولبنان تشكل الطائفية والمحاصصة احد أركانها !
الان بعد كل هذا التقديم لنحاول الخوض بصراحة ونسأل انفسنا من هو الطائفي من وجهة نظر الشارع ؟ هذا الامر ينقسم الى جوابين فلو سألت السني العربي مثلاً من هو الطائفي لأخبرك بانه كل من يتعصب للطائفة على حساب الوطن ، الذي يقتل ويخطف تحت ظل القانون ، الذي يعامل السنه باحقاد ويعتبرهم احفاد يزيد واعداء لال البيت وللحقيقة أرى ان قائمة خواص الطائفي لديهم محدودة جداً .
اما الشيعي فتعريف الطائفي بالنسبة له هوذو مساحة اعرض فهو سني اولاً فالشيعي بالنسبة لهم ليس طائفياً مهما كبر حجم الكراهية في نفسه المريضه ، وهو كل من ينال من الحكومة والمرجعية والحشد ويتكلم بسخرية عن اهل الجنوب او الشروگيه او المعدان وكل من ينتقد الفساد خصوصاً اذا نسبه الى أحزاب او مرجعيات شيعية طبعاً ان كان المنتقد شيعياً فهو ليس بطائفي وأنما وطني غيور ولدي في هذا امثلةً كثيرة فمثلاً يصنف الشيعة بالاجماع الدكتور عدنان الدليمي رحمه الله ذلك الأستاذ الجليل الذي خرج الاف العلماء سنة وشيعة بأنه طائفي واتهم بادانات ملفقة بالإرهاب بسبب مشاركته في مؤتمر لنصرة سنة العراق في إسطنبول بينما جميع المؤتمرين في طهران بلا استثناء كمؤتمر حزب الدعوة السنوي ومؤتمرات غيرها من الأحزاب المشكلة في ايران والتي تناقش في مؤتمراتها على العلن الدعوة للتشيع وترسيخ الحكم الشيعي لا يعتبرونه طائفياً فالمالكي في نظرهم ليس بطائفياً وهو صاحب القول المأثور انه صراع بين احفاد الحسين واحفاد يزيد ! وهذه هي الحقيقه رضى من رضي واعترض من اعترض .
الطائفي هو شخص مريض ينبغي ان يعالج في مصح ، لانه ليس الشخص الذي يتعصب لطائفته بل الشخص الذي يتحول فيه هذا التعصب الى كراهية وهو( كي لا ندفن رؤوسنا في الرمال كالنعامه ) لم اجد احداً يتهم به الا السنة من قبل الشيعه وليس العكس فالسني الذي يكتب تمجيداً لسيدنا عمر وامنا عائشه وينشر صوراً له يرتدي الدشداشة البيضاء في حضرة سيدنا عبد القادر الكيلاني او يصلي كل جمعه في مسجد الامام الأعظم ويعترض على الحشد الشعبي كونه سلاح خارج الدولة وهو امر لايقبله أي ذي عقل راجح خصوصاً من العسكر هو طائفي طائفي طائفي ، اما الشيعي الذي يرتدي السواد وكل يوم ينشر لنا محاضرة فقهيه لاحد المعممين بالعمائم السوداء وصوره وهو يخوط قدور الهريسه ويمشي في الزيارات ويهاجم كل من لديه رأي مخالف يخص الحشد او المراجع او النظام السوري او روسيا او ايران فقائمة خطوطه الحمراء طويلة جداً عابرة للحدود ومنهم احد أصدقائي فقبل أعوام حينما تم نشر فديو القارئ الحسيني الشاب باسم الكربلائي وهو يسير في شارع داخل منطقة الاعظمية محاطاً بالحرس والشرطه وهو يردد بمكبر الصوت لعن الله عمر … الخ من اهزوجته اللاعنة وهو ماشياً لزيارة الامامين الكاظميين ، وحينها كان رد الاعظميين له رداً حضارياً يليق بهم بتجاهله لانهم لا يستجيبوا لنبح الكلاب ، اعترض صديقي المحترم حينها وكتب هذا تصرف طائفي مقيت وغير مقبول مما افرحني كثيراً حقيقةً لأجد الان صفحته مليئة بفديوات لهذا القارئ تحت مسمى قصائد اسد الشيعه ! اذن اليوم ميزاننا مختل يا اخوتي فالطائفي هو ليس من يمارس طقوساً ولا من يفخر بانتمائه بل من يحمل كراهية واحقاداً ويتفنن في اخفائها لأننا كلنا طائفيون لكننا لا نحول تلك الطائفية الى كراهية اما من يتغنى بالانتماء الوطني فجوابي له في ما مضى وحدتنا صهرتها مؤسسات الدولة كالخدمة العسكرية والتوظيف العابر للمذهب وحزب البعث كونه قومياً عابراً للطائفية وبعض الأحزاب الأممية او القومية الأخرى ،والمساواة واحترام القانون الذي يعترض عليه البعض اما اليوم وبعد رفع كل تلك المحددات لم نعد كسابق عهدنا ويجب ان نعترف ان الطائفية متأصلة في مجتمعنا الإسلامي فالمملكة الأردنية مثلاً لم يحتلها احد ولم يحكمها عملاء ايران الا ان مجتمعهم ينظر الى الشيعة نظرة طائفية وكذا الحال في مصر ودول الخليج والمغرب العربي ، اما السلطة الحاكمة اليوم في بغداد من أحزاب طائفية شيعية تدعي الاسلمه فقد غذت تلك الأحقاد ونمتها عبر التمييز الظالم فلو خرج اهل السنة في مظاهرات سلمية واعتصامات حولها اعلامهم الى إرهابيين وايتام النظام وبعثوا ودوعشوا اما ان كانت المظاهرات شيعية فهي مسيرات اصلاح حتى لو اقتحمت ودمرت اثاث مجلس النواب وتلك طبعاً ممارسات ستعمل على اذكاء الكراهية الطائفية وسنحصد مخرجاتها في الجيل القادم والامثلة اليوم كثيرة وقد وصل الحال الى ان البعض يرى العراق اليوم في الفترة الذهبية طالما ان المؤذن يؤذن اذان الشيعه وماكو ولي الا علي ونريد قائد جعفري .
ختاماً انا لست طائفياً ولااحمل أي كراهية للآخر ولكني مسلم سني اتبع مذهب اهل السنة والجماعة وافخر بذلك وعراقي الانتماء والمواطنه واحمل الود للجميع والحل في رأيي هو ان لا ننادي بنبذ الطائفية لأننا حينها كالذي يحلب ثوراً او يبلط البحر ، بل ننادي بنبذ الكراهيه لان الطائفية في مجتمعنا لن تنتهي مهما ناضلنا وفي مؤلفات علي الوردي ستجدون عشرات الصفحات تتكلم عن ذلك ولو راجعنا انفسنا لوجدنا اننا ومنذ خلقنا نعيش في جو طائفي فاغلبنا يرمون صحن الهريسة والقيمه الوارد من جيراننا الشيعه في سلة المهملات كما انهم يقومون بكسر الصحن الذي ارسلوا به الهريسه لجارهم السني واذكر في احد الأيام حينما كنت اخدم في احدى المحافظات الجنوبية اني رأيت زميلاً دعاني لشرب الشاي في داره ولبيت دعوته وفي اليوم الثاني استحلفته بالعباس هل كسرت الوالدة الاستكان الذي شربت به فأجاب بنعم وثقوا بالله انها لم تكن كراهية ولا طائفية ولكنها سلوكاً جمعياً طائفياً تركه الموروث فنحن نعتقد ان السيد يبصق في قدور الهريسه ليباركها وهم يعتقدون اننا اكلي السمك الجري ولدينا مشكلة في الطهارة ! يجب ان تكون دعواتنا لا للكراهيه ونعم للوطن كي تكون احلامنا قابلة للتطبيق .

أحدث المقالات