23 ديسمبر، 2024 4:36 م

الطائفية في العراق: مشكلة لا حل لها

الطائفية في العراق: مشكلة لا حل لها

عندما بدأ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 أخذ الشعب العراقي يفهم مفهوم جديد للديمقراطية. كان هذا المفهوم يختلف جذرياً عن المعنى الحقيقي للديمقراطية والمنحى الحقيقي للشعب العراقي. فصار من تراه سابقاً سيد الأخلاق عديمها، وصار من تراه سيد الفساد أحسنهم خلقاً. وصار من كان يتبع مبادئ محددة في الحياة يخرج عنها ويرتدي جلداً غير الذي كان وعندما تسأله يقوم: “كنت خائفاً!”

لا تهم الديمقراطية ولا تهم التغيرات في الأخلاق لو كان المعنى الحقيقي للحب والاحترام موجود. وطالما كان الالتزام بالقانون والعرف الاجتماعي حي يرزق. فلو ماتت الأخلاق ماتت الأمة، ولو تلوى عنا حب القانون والعرف والنظام نزل عقاب الله على البشر. وما حدث في العراق بعد 2003 كان محير من كل ناحية وإتجاه ولو كان رحمه الله الوردي حي لكتب لمحاته الجديدة وسماه (لمحات في التغيرات الاجتماعية لشخصية الفرد العراقي بعد السقوط).

حديثنا هنا عن واحداً من أبشع التغييرات التي طرأت على النفس العراقية ألا وهي الطائفية. أوصى خليل زادة السفير الأمريكي في العراق بين 2005 حتى 2007 القادة العراقيين في حينها إن على العراق أن يتعايش سلمياً ولكن لو عجز القادة على توحيد العراقييم فعليهم على الأقل أن يخلقوا بيئة مناسبة للتعايش السلمي ويقصد بها هنا أو على الأقل فهمها القادة على إنها تقسيم العرق إلى مناطق سنية وشيعية، وتقسيم بغداد إلى كرخ سنية ورصافة شيعية وفق النسب الأغالبة لطائفة السكان.

بدأت العملية السياسية بالتحرك نحو الطائفية بأن إزدادات حوادث القتل على الهوية والتهجير القسري وبدأت الكراهية السنية الشيعية. وكانت الحكومة الشيعية الغالبة في ذلك الوقت مساهم أكبر في زرع الحقد الدفين الذي يكنه قادتها للشخصيات السنية التي كانت تدور حولها الشكوك بإنها أيدي خفية لصدام حسين. وإن تلك الشخصيات وإن كانت معادية لصدام ومعارضه لحمه إلا إنها في الواقع تعمل على إخراجه من المعتقل وتهريبه وإعادته إلى السلطة فقط كي لا تحكم الشيعة العراق. هذا المبدأ لم تعمل الحكومة فقط على تكريسه في نفوس العراقيين بل كرست القنوات الجديدة المفتوحة الدينية التي بدأت تبث المحاضرات والخطب الدينية وخصوصاً في شهري محرم وصفر على تثبيت وترسيخ مفهوم إن السنة في العراق هم (سنة معاوية) وإنهم كارهين وناقمين على (علي بن أبي طالب) حد النخاع. ومن غير سؤال أي سني عن الموضوع ولا التقصي في البحث في الصحاح الأربعة ولا كتب السنن لأئمة الإسلام صارت الشيعة تحكم على السني بإنه مجرم وإن قبل هذا صديق للشيعة وقريبهم أو نسيبهم أو حتى زميل عمل يحترمونه ويقدرونه ويشهدون له – الشيعة قبل السنة- بالنزاهة.

ووقعت الكثير من عمليات التصفية الجسدية ولا ننسى الأيام المرعبة التي أحياها (أبو درع) وقتله للسنة الشباب على الهوية وتصفيتهم أمام أعين الأطفال والنساء في مدينة صدام (الصدر حاليا) في منطقة تسمى (السدة). ولم يقتنع من يومها الشيعة رغم إنهم الحاكمون إن السنة مهمشين أو إنهم يعيشون سلمياً مع الشيعة وغيرها من الديانات. وبدأت الحملة الشعواء والهوجاء في عمليات القتل والتصفية الجسدية للمذهبين على حد سواء بين عامي 2005 حتى 2007. ولم يستطع العراقيون التعايش السلمي مع بعضهم البعض وإزدادت الكراهية بين الطائفتين إلى يومنا هذا.

بدأ أياد علاوي – بعد أن طغت ميليشيات (جيش المهدي) بقيادة مقتدى الصدر وصارت الأداة الحقيقية لتلك التصفية – حملة التظهير الأولى وحاصر الميليشيات في مرقد الأمام علي في النجف وكاد أن يقضي عليهم لولا وصول (السيستاني) من لندن بعد غياب أيام لغرض العلاج. وأنهى الأزمة التي كادت أن تنهي الوجود الميليشياوي في العراق إلى الأبد ولرسخت وجود أياد علاوي في العراق إلى الأبد كقائد مهم وضروري وقوي وخليفة مناسب لصدام حسين. وبعد سنوات قليلة هددت نفس الميليشيات نوري المالكي – بعد أن عرضت المنطقة الخضراء إلى قصف مستمر لثلاث أيام – بالقتل والتصفية لو لم يستجب لمطالبهم لفك أسر قادتها. فرفض المالكي وطلب مساعدة قوات التحالف هارباً إلى البصرة لكي يقود ما يسمى (صولة الفرسان) لتطهير ميليشيات (جيش المهدي). ورغم فشله وعودة المفاوضات بين الطرفين وتقوية طرف (جيش المهدي) من الناحية السياسية وترك الجناح العسكري إلا إن تلك الحملة لاقت استحسان شعبي زاد من قوة المالكي في الانتخابات التي جرت 2010 بعد الحملة. فالسؤال: لماذا عادى الناس علاوي أول منه بدأ الحملة وشجعت المالكي الذي تأخر في تنفيذها؟

الجواب هنا طائفي. فلأن المالكي شيعي وقائد لتحالف شيعي وافقت الشيعة ما عدا التيار الصدري على حملته، ولأن علاوي علماني ويحسب على السنة وجميع قياداته من السنة فكان ما فعله يعتبر معاداة للتشيع ورجس. ولو كان عبد العزيز الحكيم من قام بالحملة الأولى في النجق للاقت الاستحسان ولعلى نجم الحكيم وقتها. ولكن حتى حكم الشعب العراقي على نفس الحدث يأتي من منظارين: سني وشيعي.

ثارت الشيعة على الحكومة في قضية الكهرباء خلال عامي 2012 و2013 ورضخت الحكومة وبررت ولم تحل المشكلة لكنها أقنعت المتظاهرين بإنها ستصدر الكهرباء بنهاية 2013 وستنتهي الأزمة حتما عام 2014 ولكن القضية لم تنتهي واقتنع الشعب إن الحكومة الشيعية تبذل ما بوسعها ولا حل للكهرباء. وثارت المحافظات السنية الخمس بسبب التهميش ونقص الخدمات. وكانت المطالب تعبيد الطرق وتوفير الماء والكهرباء والوظائف. وهي مطالب حسب ما يراها الناس مشروعة. غير إن الحكومة أعتبرتها مطالب غير مشروعة وإن السنة يحاولون تهديم العملية السياسية. وإنهم وفق ما صرح به المالكي (فقاعة). ورغم إنه ذهب إليهم وقال لا ضرر من دخول أعضاء البعث في الحكومة في لقاء بثته العراقية لاحقاً، إلا إنه ربط حتى دخول داعش بالمظاهرات.

وهذا تعامل إزدواجي مع طوائف الشعب. واليوم حتى دخول داعش المقصود للمناطق السنية تعزوه الحكومة والشعب على حد سواه لتلك المظاهرات بل تصل إلى إن الشيعة تتهم علنية السنة بإنهم قدموا نسائهم لجهاد النكاح لعصابات داعش! هذا الكلام لا يحق أن يقال أبداً من قوات غزت العراق وهددت مصير الآف العوائل، ولم تكن الحكومة التي ساهمت بدخول تلك القوات وسهلت لهم دخولها إلى تلك المناطق

وسحبت جميع قواتها أمامهم قد قدمت ما يحل المشكلة أو يساهم في طرد الغزاة. فبدل ذلك تتصارع الحكومة والشعب مع العشائر السنية لأنها تقاتل معها ضد داعش وتصفها بإنها عميلة. وفي نفس الوقت عندما يأتي القرار بتسليح تلك العشائر على أساس إن إيران سلحت الميليشيات الشيعية وإنها ستسلح المليشيات السنية ثارت الثائرة داخل البرلمان العراقي الذي يتسابق في الأمور الطائفية وهددت بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة التي كان لها الفضل الكبير في إجلاسهم على مقاعدهم وتثبيت مؤخراتهم عليها وفعل ما لم تتصور أمريكا. السؤال: عندما قامت إيران بإدارة الفتوى التي دعى إليها (السيستاني) وسلحت الشباب الشيعي وقاموا بفعل الجرائم والقتل وهتك الأعراض في المناطق السنية لم تستنكر الحكومة ولا البرلمان هذه الأفعال بل دعى أحدهم إلى نصب تمثال للإيراني (سليماني) داخل بغداد تحية إجلال وإكبال لدوره الفاعل في مس السيادة الوطنية! هل هذا سلوك اجتماعي مقبول؟ كلا.

يسير العراق اليوم إلى منحدر لا يمكن من خلاله أن يعيش العرقيون أخوة. من يعترض اليوم على تقسيم العراق أقاليم ثلاث، هو نفسه يكرس فكرة التقسيم لكراهيته للطائفة الأخرى. الشيعي يكره السني، ويعترض على منحه مكان يخلو فيه مع نفسه، ولا يريد له أن يعيش مع أخوانه بسلام، هذه في الحقيقة معادلة صعبة جداً ولا يمكن حلها. على العراقيون أن يزيحوا عن طريقهم كل المعممين الذي يروجون لكراهية السنة في العراق. وعليهم أن يعيشوا في عراق قبل 2003. وعليهم أن يحترموا السني وكل الطوائف الأخرى. هنا يمكنهم الإعتراض على التقسيم لو نجحوا في ذلك ولأنهم لم ولن يفعلوا فالتقسيم واجب. نعم هذه الفكرة سيئة، لكن الأسوأ القتل والدمار والحرب. فليعش السنة في محافظاتهم وأماكنهم في سلام وليعش الشيعة في مناطقهم وأماكنهم بسلام. ولا يقترب هذا من ذاك ولا ذاك من هذا. ولا يقتل أحدهم الأخر. وليكن العراق موحد في الخارطة مقسم دينياً. لأنه اليوم مقسم دينياً اصلاً فلا بأس بأن يكون التقسيم إداري رسمي وليعش الجميع (على حب الله).

لا أحد يكره ذلك. ولنبتعد عن الطائفية، ولنتذكر عندما قامت إيران بحرب المدن واستهدفت البصرة ذات الأغلبية الشيعية المضطهدة حسب ما يراه سكانها خرجت الأهالي فلم يستقبلهم أهل النجف في قولتهم الشهيرة (ألف مصري ولا بصري) بل استقبلهم أهل الأنبار وصلاح الدين وكركوك وبغداد. ولا زالت بعض العوائل البصرية إلى يومنا هذا في مناطق نزوحها وناسبت أهل المناطق تلك لأنها تعايشت سليماً ورأت فيهم الانسانية والطيبة وكرم الضيافة. واليوم أغلقت بغداد بوجه من هربوا من نيران داعش والمعارك بين الجيش العراقي وداعش. فهل من مقارنة؟