الطائفية: شرّ لا يحتاج إلى عقل

الطائفية: شرّ لا يحتاج إلى عقل

لو كان للشرّ أشكال، لكانت الطائفية أبشعها. ليست خلافا في الرأي أو اختلافا في الذوق، بل آلة قديمة تُشحذ كل يوم لتقطيع الناس إلى طوائف ومذاهب، وتُقدَّم لهم على أنها قدر لا يُناقَش وهوية لا تُمس. إنها مثل مرضٍ يفتك بالجسد، فيغدو القاتل منقذا والضحية عدوّا.
أخطر ما في الطائفية أنها تجعل الناس يعبدون الخلاف بدل الحقيقة. لا تعترف بعقل ولا منطق، بل تعيش على القتل والشعارات. في ظلها، يصبح الجار خصما، وزميل العمل مشبوها، وصوت العقل خيانة. إنها باختصار مصنع للعداوة، يوزع الكراهية مجانا ويُحصّنها بشعارات مقدسة.
الطائفية ليست نقاشا فكريا، بل كسل عقلي جماعي، يوفّر على أتباعه عناء التفكير. يكفي أن تسأل: من أي طائفة أنت؟ لتقرر إن كنت ستصافح، أم لا. لعبة قذرة لا يربح فيها أحد، إلا زعماء الطوائف الذين يصدرون فتاوى تحوّل البشر إلى بهائم تُهان.
ولو كان للطائفية مؤتمر، لامتلأ بخطب تبدأ باسم الله وتنتهي باسم الموت للآخر. ولو كان لها شعار، لكان: أنا على حق لأنني وُلدت هكذا. ولو كانت إنسانا، لكانت هرِمة، عمياء.
الطائفية ليست مجرد شر، بل ورشة لصناعة الكراهية، تمنح شهادات في الحقد وتدرّس مادة إلزامية اسمها فن تمزيق الوطن. إنها الشر الذي يبتسم قبل أن يطعن ظهرك، ويقول لك وهو يغرس خنجره: افعلها من أجلك.
إنها ليست مجرد قضية رأي، بل أخطر كذبة جماعية، تعيدنا إلى عصور القبائل والقتل، وتجعلنا نتناحر على الهوية وننسى أننا بشر. شرّ لا يكتفي بتدمير الحاضر، بل يترك ألغاما في المستقبل.
فهل هناك شرّ أسوأ من الطائفية؟ نعم: أن نصمت عنها، أو أن نبررها.
لنواجه الطائفية بالكلمة، بالتعليم، وبروح التعايش.

أحدث المقالات

أحدث المقالات