تمر الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط بمرحلة انتقالية حساسة، تتسم بصراعات متجددة على النفوذ والسلطة، تتخذ أحيانًا طابعًا دينيًا أو طائفيًا. وغالبًا ما يُستغل الانتماء المذهبي كأداة سياسية لتعبئة الجماهير وتشكيل التحالفات، على حساب وحدة المجتمع وتماسكه الوطني.
في هذا السياق، تسبب صعود “هيئة تحرير الشام” إلى السلطة ، في شنّ هجمات ضد أبناء الطائفة العلوية في الساحل السوري، ما أدى إلى أعمال قتل وتنكيل بحق مدنيين أبرياء لا ذنب لهم سوى انتمائهم الطائفي. وبعدها، توجهت الأنظار إلى السويداء حيث تعرض الدروز لحملات مماثلة من العنف والتضييق ، بغض النظر عن التفاصيل.
ما حدث في سوريا ليس بعيدًا عما جرى في العراق. فبعد تفجير مراقد الائمة في سامراء ، شهدت البلاد موجة من التصفيات الطائفية ، حيث استهدفت بعض الفصائل السياسية المكوّن السني بشكل مباشر.
وفي وقت لاحق حصل توتر وعداء تجاه الأكراد، رغم كونهم حلفاء الامس .
هذه الأحداث تتكرر تحت مظلة “حكم الأغلبية”، إلا أن الديمقراطية الحقيقية لا تعني دكتاتورية الأغلبية، بل تقوم على مبدأ الشراكة وتوزيع السلطة على أساس المواطنة المتكافئة والمتساوية ، بما يضمن تمثيل جميع مكونات المجتمع.
لقد ولّدت هذه الممارسات مخاوف متبادلة بين الشيعة والسنة، حيث يشعر كل طرف بالقلق من استئثار الآخر بالسلطة . ما يوجب العمل على عدم تكريس هذا التناحر، بل السعي لتأسيس أرضية مشتركة تقوم على التسامح والتعايش، لكون غياب مثل هذه القيم لا يخدم سوى أعداء الداخل والخارج .
وقد شهدنا مثالًا على ذلك في سياسات حكومة نتنياهو، التي أظهرت دعمًا للدروز ليس بدافع حماية الاقليات كما يدعون ، بل كجزء من محاولات تمزيق النسيج الوطني. وتنفيذ مخططات مشبوهة. فهناك أطراف متعددة، تسعى لتغذية الانقسامات الطائفية والمناطقية تحت ذرائع دينية متباينة .
بناء الدول لا يمكن أن يتحقق على أسس التفرقة الدينية أو القومية أو المناطقية، ولا يجوز تحميل المدنيين من أي طائفة مسؤولية جرائم الأنظمة الدكتاتورية. فالتطرف، سواء كان دينيًا أو طائفيًا، يؤدي إلى فشل الدول وتراجعها، نتيجة تسييس الدين وتوظيفه لأهداف أيديولوجية منحرفة.
ينبغي العودة إلى جوهر الإسلام، الذي يقوم على التوحيد والسلام، وتجاوز المظالم التاريخية والانقسامات، والانتقال إلى آفاق جديدة من التنمية والتعليم ومكافحة الفقر، واستثمار الموارد البشرية والطبيعية بوعي وانفتاح لقطع الطريق على الاعداء المتربصين .
إن تدهور البيئة الجيوسياسية في منطقتنا يترافق اليوم مع استخدام التقنيات الحديثة لنشر الفرقة والكراهية بين أبناء الشعب الواحد، وهو مخطط يؤدي إلى ارتفاع في مستويات العنف، حتى أصبح عنصرًا رئيسيًا في المعادلة السياسية.
وفي ظل هذه الظروف المعقدة، أصبح من الضروري على العرب جميعًا تبني نهج استراتيجي يستند إلى القيم المشتركة، والاحترام المتبادل، والسعي لتحقيق المصالح الوطنية الجامعة. فالتعصب الطائفي لم يعد مجرد مشكلة مذهبية، بل تهديد مباشر لاستقرار الدولة ومستقبل الأجيال القادمة.
إن رعاية مصالح الشعب الحيوية يجب أن تتقدّم على أي ولاءات طائفية أو مناطقية.
واي نظام حكم ديمقراطي يستمد شرعيته من إرادة الشعب ، كل الشعب ، وليس من طائفة دينية أو عرقية معينة. واستقرار الدول يعتمد بدرجة أساسية على التنمية، وعلى دور التعليم والإعلام في ترسيخ وحدة المجتمع وتحصينه ضد الانقسام .
ادهم ابراهيم