23 ديسمبر، 2024 8:18 م

الطائفة والطائفية … ومابينهما

الطائفة والطائفية … ومابينهما

 لعل اكثرالمصطلحات المتداولة في حياتنا من عشر سنوات  ،هو مصطلح الطائفة ومشتقاته .. حتى اضحى يشاركنا زادنا اليومي .. نكمل به حديث مايلزم وما لا يلزم . ومع أن الكثيرين يتفق على نبذ هذا المصطلح من حياتنا او على الاقل تحجيم دوره ..الا ان الجميع منغمسون في تكييفه والباسه مايلزم من أشكال حسب الضرورات
  الطائفة .. لغة تعني ( العسس – الطائفون ليلا ) ، وتفيد بـ ” جماعة من الناس يجمعهم رأي أو مذهب يمتازون به عن سواهم ، وجمعها طوائف أو طائفات ” (المنجد ).
  أما الطائفية ، فتعني “الولاء المتعصب العاطفي او المصلحي او الحزبي للطائفة بعيدا عن حكم العقل (قاموس وبيستر) .
  وأما التطييف ، فهو عمل سياسي يمنهج للطائفية ويجعل منها ستراتيجية عمل وحكم لمصالح انانية أو ضيقة .
  ومصيبتنا ليست في الطائفة بل في مشتقاتها وأخواتها …فكل أنسان من حقه أن يفتخر بطائفته لأنها تمثل مجموعة القيم التي تساهم في تكوين هويته الذاتية وأخلاقيته  .. وانما في الطائفية التي تدعو الى التعصب والانزواءفي غيتوات من فكر ولون واحد ، تحيطها الجدران ،  تمنع تواصلها الحضاري مع ما يجاورها  ، لتحاكي منطقا غارقا في تخلفه ولا يصلح لحركة الحياة الحديثة التي تفرض المشاركة الواسعة مابين البشر بشكل عابر ليس فقط لمنطق الطوائف وانما للحدود والقوميات واللغات… والطائفية موجودة حتى داخل الطائفة الواحدة وتمثل تعصبا لتيار فيها قد يكون اقسى في خلافه الداخلي من خلافه مع طائفة اخرى .
  ومصيبتنا أكثر في ” التطييف ” ، حين يسيطر الطائفيون على مقادير الامور ويتبنون المنهج والفكر الطائفي كستراتيجية حياة ينظرون لها وينقلوها الى الحكم ، حيث تقدم الخلافات المذهبية ورؤياها الشعبوية على قيم الشراكة في الوطن الواحد ، مما يؤدي الى الاستقطاب والتهميش يفسح المجال بظهور امارات الطوائف وملوكها في الدولة الواحدة ( ولنا عبرة من امارات وملوك الطوائف الذين على أيديهم انقرض مجد العرب في الاندلس .. لكن صدق من قال اننا امة لا تقرأ التاريخ – بمعنى عدم فهمه واستخلاص عبره ).
  تنوع الطوائف أمر طبيعي وصحي وسليم لاغناء التنوع الفكري والثقافي …ولمن ينظر للانعزال  حسب اللون الطائفي ، نذكرهم : دلوني على شعب من الشعوب يتكون من مذهب او طائفة واحدة؟ ولو مضينا في منطق استحالة العيش المشترك واستقلال كل طائفة بدولتها لا صبح عدد دول العالم بدلا من المئة ونيف الحالية  يناهز الالاف المؤلفة لا تتسع لمقاعدها الامم المتحدة … ولما استطاع المسكين بانكي مون ان يحفظ أسمائها حتى لو بقي في رئاسة المنظمة 50 عاما .
  لم يكن تعدد الطوائف في مجتمعاتنا مشكلة بدليل تواصل تعايشها السلمي مع بعض منذ مئات السنين … وصارت مشكلة تهدد وجودنا وعيشنا بسلام بعد أن تم تطييفها . فالخطر ينبع من الطائفية ، وهذا الخطر نصنفه الى :
– طائفية فردية ( على مستوى الفرد ) ، وهي ظاهرة موجودة تاريخيا و غير خطرة ولا تفسد للود قضية كما يقال، اسبابها قد تكون نفسية او نقص التعليم والتأثر بالغير ..وعلى كل حال هي ظاهرة غير صحية تنم عن ضيق الافق والانغلاق ، وتجعل صاحبها منقطعا عن الحداثة والمنطق السليم .
– اما اذا انتشرت على المستوى الشعبي ، فهي ، اي الطائفية تهدد اسس العقد الاجتماعي القائم على التوافق وبالتالي السلم الاجتماعي .
– أما اذا اصبحت الطائفية سياسية ، بمعنى سلوك ومنهج متبع في برامج عمل التيارات والاحزاب الحاكمة او المعارضة تستخدمها لحشد الموالين وتسعير الصراعات للاغراض الانتخابية او كاسلوب لفرض ثقافة الرأي الواحد… فهذه هي المصيبة الاكبر لانها تؤدي الى تطييف الدولة ومؤسساتها رسميا ولا تقود الا الى الفتنة والفساد والفوضى .
   المستفيدون من نشر ثقافة الطائفية خليط من السياسيين الذين ترعرعوا في غيتوات الفكر الطائفي السياسي ولم يستطيعوا الخروج من شرنقته ، ولا يمكنهم الابتعاد عنه في خطابهم وسلوكهم ، ورجال دين متزمتون مازالت احدى ارجلهم في الدنيا والاخرى في الاخرة .. او زمن اهل الكهف .. لا فرق ..يقصفوننا يوميا باجتهادات وفتاوي تثير البلبلة وتستثيرالغرائز لاستعداء الناس ضد بعضهم .. وقنوات فضائية تنعق وتبث سمومها على مدار الساعة بالانجاه الذي يفرضه ممولها….ولما كان ” الشر يبدأ بكلمة “، فلك أن تعرف باقي الشرور التي تنطلق من عقالها مع هذا الفحيح الطائفي .
    وهناك منتفعون ووصوليون وفاسدون مقتنصوا فرص ، وحتى مجرمون يستظلون بحماية الثوب الطائفي ، بالاضافة الى انصاف متعلمين رفعهم المنطق الطائفي الى مواقع غير مؤهلين لها …. ولا ننسى طبعا الشيطان الذي يوسوس ويغذي هذه الثقافة .. قوى محلية واقليمية ودولية استغلت الورقة الطائفيةلاحداث موجات تسونامي في المنطقة لاعادة ترتيب الاوراق فيها وفقا لاجنداتها المستقبلية .
  كنتيجة … الطائفية  وزعتنا الى هويات فرعية لا تساوي بيننا ولا تحترم انسانيتنا على حساب هويات جامعة كبرى دينية ووطنية وقومية . والمشهد الحالي  يسىء الينا كأمة عظيمة .وحولنا ولائنا الطائفي الى أشتات تابعين لهذا الغريب او ذاك :  فصار بعضنا .. عثماني الهوى على امل ان يبعث عثماني جديد يعيد وحدة الاسلام في دولة خلافة جديدة من فرط ظلمها لنا سميناها الفترة المظلمة في تاريخنا  …أحلام عصافير .
  البعض الاخر صار وهابي الهوى فأطال لحيته وقصر ثوبه وينادي باعادة سلطان الله على ارضه من مغتصبيه ( وكان الله يحتاج اليهم في اعادة سلطانه ) ويدعونا للعودة الى 1500 سنة للوراء لانه ببساطة غير موجود في عصرنا هذا.. والمغتصببين الذين يعنيهم هم كل مسلم ليس على رأيه ( كفرة ) فلابد أن يعبد طريق التحرير بدمائهم .
 واما البعض الثالث فصار فارسي الهوى ،فصار ينظر لولاية الفقيه ، واستحضر معه كل مظلومية العصر وثقافة اللطم وجلد الذات حتى يبعث ولي العصر لاقامة خلافة آل البيت حتى لو انتظره… 1000 سنة اخرى.
   أن مشكلتنا اذن لا تكمن في طوائفنا الكريمة …بل في الشيطان القائم في ما بينها ومشتقاتها التي تريد منا أن نكون أدوات للانتحار الجماعي وتدمير أوطاننا مقابل سراب يجمله الاغراب لنا في سعيهم لاستغلالنا في حروبهم واجنداتهم لاستبدال احلامنا في صنع حياة كريمة وحرة  بصراعات طائفية على مستوى البلد والاقليم يستفيدون منه في ترتيب امور المنطقة وفق اجنداتهم الاقليمية والدولية…. وهناك قوى دولية تريد اقامة نظام طائفي معين في دول المنطقة ضمن ستراتيجيتها الكونية ضد خصومها والخلاص النهائي من الصراع العربي الصهيوني الذي لم يعد أحد يذكره في حمى صراع الهلالين السني والشيعي في المنطقة والتخلص من اي نظام عربي قومي اوعروبي الهوى لانه لم يعد مسموحا للعرب حتى بان يحلموا بامجادهم الغابرة وان يبنوا دولهم على اسس قومية او وطنية.
  كلمة اخيرة اقول ان المشكلة ليست ايضا في طوائفنا الكريمة ، فما يجمعها اكثر بكثير مما يفرقها.. وان غرقنا في الفيضان الطائفي بسهولة هو عجزنا عن مواجهة تحديات العصر والحياة الحديثة ، فجعلنا ذلك نهرب الى الغيب والتنبيش في صفحات الماضي لاننا غير قادرين على وضع ارجلنا في المستقبل … وصرنا نتفاعل مع الغيب والماضي عشوائيا وغريزيا ….
  ما نحتاج البه ليس صراع طوائف يعبر عن عجزنا عن صنع حياة تليق بنا كبشر حتى تحول عجزنا الى عبء هائل على كل تفاصيل حياتنا .. وحتى على تفاصيل موتنا.
   أمام مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية والتحديات الحضارية .. فان ما نحتاج اليه هوان نكون عراقيي الهوى .. وما نحتاج اليه كذلك هو قرن من الواقعية الخلاقة نتفق فيها على هدنة تمنعنا من العودة الى الغيب ولا الى الماضي وابقاء صفحاته الخلافية مغلقة لاننا بعد قرن من الواقعية سنعيد قراءة تلك الصفحات بعقل مختلف . وما نحتاجه ايضا أن يفهم من بيده زمام الامور أن سيطرة شيطان حب الذات عليه ” سيجعل باقي الشياطين ينتظرون طوابير على بابه ” ( مثل بوذي ) ـ واللبيب من الاشارة يفهم .