بعد التحولات التي طرأت على العراق بعد سنة 2003م وغياب السلطة الدكتاتورية عن الحكم والاعتماد على الحكم الديمقراطي للشعب العراقي، مع كل السلبيات التي رافقت هذا التحول إلا انه شيء جيد ومتنفس طبيعي ومثمر لطاقات هذا الشعب المحروم طوال ثلاث عقود من الظلم والاضطهاد والاستبداد من قبل الحزب الواحد والحاكم الظالم وما عانه أبناء الشعب العراقي من الطبقية والتميز العنصري على مختلف الطبقات فمن الناحية القومية قام نظام البعث بسحق القومية الكردية ومن الناحية المذهبية فقد تحملت الطائفة الشيعية الجزء الأكبر من تعسف النظام الحاكم من البطش والقتل والتشريد والتغييب وقد مورست اتجاههم أقصى أنواع الظلم بكل أشكاله المختلفة، وحتى أبناء المذهب السني قد مورست اتجاه البعض منهم أنواع التميز القبلي أو ألمناطقي بحيث كان يقدم أبناء منطقة العوجة على غيرهم من المناطق ولكنهم على العموم محترمين ومقدرين من قبل الجهاز الأمني ودوائر الدولة.
هذه الأساليب التي كان يعمل بها النظام الحاكم ومن التخبط في المواقف والحروب التعسفية وغيرها كثير جعل الشعب العراقي يرحب بأي مبادرة تصدر من أي اتجاه كان حتى يتخلص من هذا النظام الدكتاتوري الظالم لذلك ترى إن الشعب لم يقاوم عند دخول القوات الأمريكية للعراق لأنه كان لا ينظر إلى جهة الاحتلال في تلك المعركة بقدر ما كان يتأمل الحرية والانتقال الذي سوف يحصل للعراق بعد صيف 2003م، وبالفعل جرت العملية الديمقراطية بشكلها الجميل من ناحية التصويت على الدستور والانتخابات الشرعية وحرية الإعلام والصحافة وحقوق الإنسان والمرأة وغيرها من القوانين التي تصب في صالح وتقدم وازدهار العراق.
ولكن بقيت مخلفات النظام المقبور تسري في مؤسسات الدولة الديمقراطية المتحضرة بشكل طبيعي في فيما يتعلق بحق الفرد العراقي من الناحية الاجتماعية أو السكنية أو الدينية أو المذهبية مما يصعب على الجهات المختصة التخلص منها إلا بشق الأنفس وإرجاع المعادلة الطبيعية لأبناء هذا الشعب الكريم وحفظ كرامة أبناءه على مختلف طبقاتهم القومية والدينية والمذهبية وهذا حقهم وقد كفله الدستور لهم ومن أهم تلك المشاريع الوطنية والذي يرفع من الظلم والتهميش للطائفة الشيعية التي تشكل جزء كبير من أفراد الشعب العراقي هو قانون الأحوال الشخصية وقانون القضاء الجعفري الذي يتكفل بوضع القوانين على وفق المذهب الجعفري الذي تؤمن به وتعتمده الطائفة الشيعية والذي يعطي الحق لأبناء هذه الطائفة العراقية في ان يعملوا وفق ما يقتضيه مذهبهم وإبراء ذممهم أمام ربهم جل جلاله بعد ان عاشوا طوال الحقبة التي مرت بنوع من الإجبار والإقصاء في كثير من القوانين المدنية او القوانين التي تطابق المذهب الحنبلي أو المذاهب الأخرى التي تتعارض مع أحكامهم الدينية أو المذهبية مما يجعل الفرد في تردد وانكماش من أللجو إلى المحاكم المدنية أو ربما تجعل البعض يتذرع بذلك لتشكيل محاكم شرعية متخفية وغير معلنه تسير لهم بعض الأحكام على وفق الأحكام الدينية مما يسبب ذلك في زعزعة الأمن والاستقرار وانتشار الفوضى في البلاد وبعيدا عن كل هذه الوسائل الغير شرعية والتي لا يكفلها الدستور للمواطن ويعاقب علها، إنبرأ وزير العدل العراقي الاستاذ حسن الشمري بطرح قانون الأحوال الشخصية الجعفرية وقانون القضاء الجعفري والذي إنعكف طوال سنتين من الزمن في إعداده وصياغته وعرضه على المختصين من الناحية الشرعية والقانونية واللغوية مما يعطي القانون الأهلية ليكون جزء من بناء عراق ما بعد الظلام، وهذا القانون يستند إلى الشرعية التي كفلها الدستور العراقي ضمن المادة (41) التي نصت على ان العراقيين أحرار بالالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم وينظم ذلك بقانون) وهو ينسجم أيضاً مع المادة (17) من الدستور التي نصت على إن (لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين) كما انه لا يوجد إجبار أو إكراه على العمل تحت هذا القانون بل يبقى الخيار للمواطن في الاحتكام تحت أي واحد من القانونيين.
ومما دعاني إلى كتابة هذه الأسطر هو غياب أصوات الكتل الشيعية عن تأييد هذا القانون الذي يصب في صالح أبناء هذا الشعب وهذه الطائفة المحرومة، والأدهى من ذلك وأمر هو القول بأن هذا القانون يُزيد من الاحتقان الطائفي في هذه المرحلة الحرجة ويعطي الذريعة لمن يُريد إن يتصيّد في الماء العكر ويتسبب في إرباك الوضع؟! كما صرح بذلك النائب عن كتلة المواطن علي شبر ولعله نسى إن كتلة المواطن أو غيرها من الكتل أو الأحزاب الشيعية التي تحاول تأجيج الوضع الطائفي في دعاياتهم الانتخابية فتارة بدعوة الدفاع عن قدسية المرجعية أو أخرى بذريعة الحفاظ على المقدسات أو الحفاظ على حقوق هذه الطائفة من التعدي عليها من قبل الآخرين لكي يحفزوا الشعب على التصويت لصالح قوائمهم وهم بذلك يتلاعبون بمشاعر الملايين من أبناء هذه الطائفة المحرومة، فهل هذه الطائفة محكوم عليها أن تبقى أسيرة إيرادات هذه الأحزاب التي لا تُريد من المجتمع إلا التصويت لصالحهم والخضوع والخنوع لرغباتهم السياسية والحزبية، ولعلي لي الحق في ان أتساءل عن القيادات الشيعية أين دورهم في الدفاع عن حقوق هذه الطائفة ولماذا كل هذا السكوت المطبق للكتل الشيعية والشخصيات السياسية الذين تعودنا على رؤيتهم من على شاشات التلفاز وهم يدافعون عن كتلهم وأحزابهم السياسية أمثال الدكتورة حنان الفتلاوي او الدكتورة مها الدوري او السيد بهاء الاعرجي أو الاستاذ عباس البياتي او السيد حاكم الزاملي أليسوا هم ممثلين لهذه الطائفة المحرومة في مجلس النواب العراقي لماذا لا يعلنون تأييدهم لهذا القانون وهل يعقل بأنهم غافلين عن ذلك او لعلهم اجتزءوا ببعض المطالبات الخجولة لبعض أعضاء ائتلاف دولة القانون أو لعلهم لا يريدون تأييد هذا القانون لكي لا يحسب لصالحة دولة القانون او لصالح حزب الفضيلة الإسلامي ألم ينظروا إلى الشخصيات العلمانية كيف قاموا بالدفاع والقتال المستميت من أجل الحيلولة دون إقرار هذا القانون فنجد ان الاستاذ فخري كريم والدكتور رشيد الخيون ومنظمة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية وقفوا ونددوا بهذا القانون وقاموا بالتشويه والتشهير ضد إقرار هذا القانون في لقاءات تلفزيونية ومقالات وندوات، ولا أعرف لما كل هذا الخوف من إقرار هذا القانون الذي يكفله الدستور الذي يكفل كل الحريات فإذا كانوا منزعجين من هذا القانون فليطالبوا بقانون الزواج المثلي كي يستريحوا ويعبروا عن رغباتهم الرخيصة والمتدنية، وفي المقابل لم نجد هنالك من يرد او يدافع عن هذا القانون مع العلم بوقوف المرجعية الدينية في النجف مع إقرار هذا القانون وقد قامت المرجعية الدينية متمثلة بسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله في شرح وتبيان حق هذه الطائفة المحرومة من إقرار قانون يكون مطابق لمذهبهم ومعتقدهم.
مع كل هذا لم نجد من يقف ليدافع عن هذا القانون إلا القلة القليلة من أمثال الشيخ محمد الحميداوي ورئيس كتلة الفضيلة الدكتور عمار طعمه وغيرهم من الشخصيات الوطنية.
فارجوا من كل الشخصيات السياسية التي تنتمي لهذه الطائفة بان لا يقصروا في إنجاح هذا القانون وان لا يدخروا مجهودا ولا يقر لهم قرار حتى يتم التصويت وإقرار هذا القانون الذي يكون لهم صدقة جارية.
[email protected]