23 ديسمبر، 2024 12:28 ص

الضمير الفردي والضمير الجمعي

الضمير الفردي والضمير الجمعي

للفرد ضمير وللمجتمع ضمير ..ضمير الفرد تكوين افتراضي مثالي ليس له وجود مادي له جذور وسيقان واوراق وثمار افتراضية متأثر بما حوله من اعراف وتقاليد وعقائد دينية وقومية وطائفية وعشائرية وايديولوجية وهو جسم لين او اسفنجي غير صلب قابل للانضغاط والتسويف .يبدأ تكوين الضمير منذ الطفولة المبكرة وقد يكون منذ تكون الجنين في رحم أمه ثم يتأثر بما حوله من تأثيرات وقيم عائلية ومجتمعية (عائلة مدرسة وسائل اعلام ).
الضمير الفردي تكوين افتراضي يصعب قياسه من الخارج (موضوعيا) بالمقاييس العلمية للمادة اي لايمكن قياسه كالوزن او الطول او الكتلة ولايمكن قياسه من الداخل (ذاتيا).قد يكون ثمة محاولات للقياس ولكن هي الاخرى بقيت افتراضية لصعوبة ذلك,ولكونها عرضة للنقد والتسفيه.فمثلا افتراض البعض ان انحراف الفرد نحو الجريمة هو دليل او مقياس على ضعف الضمير الفردي هو قابل للانتقاد والرفض لكون دوافع الجريمة مختلفة .الضمير يتأثر بالظروف والبيئة الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي نشأ فيها الفرد فضمير البدوي ليس كضمير الفرد القروي وليس كضمير الحضري , وضمير المتعلم ليس كضمير الجاهل , وضمير المثقف ليس كضمير العامل او الفلاح وضمير السياسي ليس كضمير الفنان , وضمير الاوربي يختلف عن ضمير العربي او الصيني او الياباني (هذا لو حيدنا الظروف الاخرى) طبعا لكل منهم . وضمير الطفل(اؤكد الطفل) الذي يدرس في مدرسة راقية تتوفر فيها ظروف شبه مثالية للتربية وفيها مربون من الطراز المثالي سيختلف عن ضمير الطفل الذي يستجدي في التقاطعات والاشارات المرورية وينهي يومه بكم هائل من الكلمات المؤذية والرزائل التي يتعرض لها او بائع متجول يتعرض الى ضغوط هائلة ورؤية ضيقة للمجتمع من حوله يصوغها وعيه تحت هذا الضغط .فالكذب والنصب والاحتيال( وقد يتعدى الى السرقة) يعتبر عند الاول خطيئة وعند الثاني شطارة وفهلوة .وحتى لو ارغمت الظروف الاول على الكذب فسيبقى ضميره يلاحقه يزعجه وقد يؤلمه بينما يعتبر الثاني الكذب شطارة وأنه اخذ حقه من المجتمع وحقق نصرا . قد يتمطى الضمير في مكان وزمان معينين الى ضعف او اضعاف طوله المفترض وقد ينكمش في ظروف اخرى مختلفة .قد يقتل الضمير صاحبه اذا ما زاد تأنيب الضمير الى مرحلة معينة بسبب خطأ او خطيئة تؤدي بصاحبه الى الانتحار بسبب عدم قدرته على تحمل ألم التأنيب .وقد نواجه تلميذا ينتحر بسبب عدم قدرته على تحمل تأنيب الضمير الناتج عن فشله في الامتحان ولوم والديه او انتحار مدير شركة بسبب افلاس شركته وقد سمعنا بانتحار مدير مدرسة في كوريا الجنوبية عندما تعرض طلاب المدرسة الى حادث بسبب سفرة مدرسية.ايمان الشخص بأعراف وتقاليد مجتمعه او معتقدات دينه يجنبه او يقلل ضغط ضميره عليه ويساعد على ترتيب الوضع النفسي واعطاءه السلام والراحة النفسية .فزخم علاقة غير شرعية لرجل وامرأة متزوجين على ضميرهما مختلف في مجتمع شرقي عن مجتمع غربي ففي مجتمع شرقي تعتبر مثل هذه العلاقة للمرأة خطيئة كبيرة وعارتستحق عليها عقاب يصل الى القتل وبالنسبة للرجل تعتبر بطولة ويعتبر دون جوان وفي اسوأ الحالات (يكبرويعقل) بينما في مجتمع غربي كلا العلاقتين مدانة ولكن لايستحقان عليها عقوبة القتل .وفي المجتمع العراقي كانت جريمة السطو سابقا تعتبر من باب البطولات ويسمى صاحبها حايف وكان ضمير الفرد يتقبلها على انها عمل مقبول وبطولي.
الضمير الجمعي هو مجموعة المثل الاجتماعية والدينية التي تشكله وتحقق التوافق الداخلي الجمعي ويتحرك الضمير الجمعي بشكل قطيعي ويفسر سلوكيات المجتمع على اساس من ذلك ويؤثر التعصب والتطرف على الضمير الجمعي فالحروب الطائفية والعنصرية والقتل الجماعي الذي يحدث في مثل هذه الحروب واندماج اشخاص او جماعات في مثل هذه الجرائم يطرح اشكالية الضمير الجمعي وطريقة تعامله مع هذه الاحداث والكوارث وكما حدث في البوسنة والهرسك ورواندا والشرق الاوسط وفي جرائم الابادة لأثنيات او طوائف او جماعات دينية على مدى التأريخ.واكثر ما يستفيد منه الضمير الجمعي لتقليل شعوره بالذنب ان صح استخدامنا لهذا المصطلح هو تحقيق مصلحة المجموعة او المجتمع او الامة او الشعب او الوطن او الطائفة او الحزب او المنطقة او العشيرة او القبيلة , ودائما ما يكون القادة المندمجون في هذه الجرائم والمحرضون للمجموعات على ارتكابها من السوشيوباث والمتطرفون والمتعصبون وهم موجودون في جميع هذه الجماعات وهم المتصدون لوضع التفسيرات الملائمة لأراحة المجموعة من تأنيب الضمير الجمعي