23 ديسمبر، 2024 7:38 ص

الضمان الاجتماعي في الاسلام

الضمان الاجتماعي في الاسلام

ويعد الضمان الاجتماعي في الاسلام صبابة الإنسانية ، فهو إلى جانب كونه نظاما للقضاء على الحاجة وحماية المجتمعات من الفقر فهو يهدف أيضا إلى تعزيز أواصر الاخوة الإسلامية وترسيخ المعتقد الديني لدى المستضعفين واقامة المجتمع المتكافل اجتماعيا . فقد جعل الإسلام الالتزام بإحكام الضمان واجبا دينيا واجتماعيا في آن واحد . وينطلق الإسلام في كل ذلك من زاوية الإنسانية في اعمق ابعادها الفضيلة وبتأكيد لم يره التاريخ قبل الإسلام ولم تسجل الحضارات بعده حتى اليوم ضمانا اجتماعيا بعمق الضمان الاجتماعي في الإسلام .
فقد جعل الإسلام الإنسان خليفة الله في الارض ( واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة ) ولتمكينه من النهوض باعباء هذه الخلافة كان لابد من احاطته بالضمات الروحية والعلمية والمادية اللازمة .
ولتحقيق ذلك الزم الإسلام الإنسان بضرورة العمل بوصفه وسيلة لكسب الرزق وتأمين العيش ، ومقابل ذلك فقد فرض على الدولة أن تهيئ لكافة الأفراد العمل المناسب في سبيل المساهمة في النشاط الاقتصادي المتميز ولكي يعيش الإنسان من جهده وعمله . فإذا لم يستطع الفرد كسب معيشته وذلك لعجزه عن العمل ايا كانت الأسباب التي قد تكون راجعة اليه أو إلى الدولة باعتبارها لم توفر الظروف المناسبة ولم تمنحه فرصة للعمل ، وجب عليها بعد ذلك توفير الحد الادنى لمعيشة تلك الطبقة العاملة وغير القادرة على العمل .
ويقوم نظام الضمان الاجتماعي في الإسلام على مبدأين أساسيين هما التكافل الاجتماعي وحق الجماعة في موارد الدولة .
فالتكافل الاجتماعي يعني مسؤولية الأفراد بعضهم تجاه بعض ، بمعنى أن على كل فرد أن يدفع بقدر ما يستطيعه من الاموال في سبيل تحقيق الكفاية للمحتاجين من عامة المسلمين ، كما يقوم التكافل الاجتماعي على أساس التعاون الذي دعا اليه الله سبحانه وتعالى كافة المؤمنين وذلك بقوله ( وتعاونوا على البر والتقوى ) . ويهدف التكافل الاجتماعي إلى تأمين معيشة كافة الأفراد على نطاق الفرد الواحد أو الاسرة في حالات العجز وفقدان القدرة على العمل وذلك بتأمين المأكل والملبس والتعليم والعلاج وكافة الحاجات الإنسانية الأخرى .
أما المبدأ الثاني الذي يقوم عليه الضمان الاجتماعي في الإسلام فهو حق الجماعة في الانتفاع بموارد الدولة ، فكما أن الدولة تعتمد في اعمالها على افرادها القادرين على العمل فهي تضمن معيشتهم في حالات العجز الذي قد يصيبهم خلال فترة من فترات حياتهم ، فتكفل الدولة لأفرادها حقهم في مستوى مناسب من العيش الكريم أولا وبتأمين فرص العمل وبالأخر المناسب للقادرين الراغبين فيه وكذلك لمن لم تتيح له فرصة العمل أو كان غير قادر عليه لعجز لسبب المرض أو الاصابة أو الشيخوخة أو لغيرها من الأسباب الأخرى المتعددة الخارجة عن ارادته ثانيا .
وهناك ادلة شرعية تؤكد مسؤولية الدولة في توفير الضمان الاجتماعي للمستحقين له منها قول الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) (( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، الامام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها )) وعن الامام جعفر الصادق ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) في أحد خطبه (( من ترك دينا أو ضياعا فعلي ، ومن ترك مالا فلورثته )) .
وتقوم مسؤولية الدولة في ضمان معيشة الأفراد على أساس حق الاخير في موارد الثروة العامة ، أما الطريقة التي تمكن الدولة من النهوض بمسؤوليتها فتتمثل في إيجاد بعض القطاعات العامة في الاقتصاد الإسلامي الذي تتكون من موارد الملكية العامة وملكية الدولة خاصة لكي تكون هذه القطاعات إلى جانب فريضة الزكاة الضامن لحق الجماعة والذي تستطيع الدولة من خلالها بذل النفقات اللازمة لتحقيق الضمان الاجتماعي ولتحقيق العيش الكريم لكافة الأفراد من خلال التمتع بحقوقهم من موارد الدولة كلما كانوا عاجزين عن ضمان العيش لهم من كسبهم أو مالهم .
أما المخاطر المشمولة بالضمان الاجتماعي في الإسلام فهو خطرا واحدا يتمثل بالحاجة ايا كان سببها كالمرض أو الشيخوخة أو العجز أو البطالة أو زيادة الاعباء العائلة أو وفاة المعيل وغير ذلك من الأسباب التي لا يستطيع معها الفرد من تحقيق كفايته الذاتيه وتامين معيشة اسرته ومن يعوله ، فتستحق نفقة الفرد من بيت المال ومن اموال القادرين الاغنياء أذا لم يكن في بيت المال ما يكفي لسد كافة المحتاجين .
ويلقي على عاتق الدولة الإسلامية اشباع الحاجات الخاصة بالأفراد والتي تنشأ نتيجة للتطور الاجتماعي والاقتصادي والتي تدخل في نطاق الكفاية كما تحددها الظروف المختلفة للمجتمع الإسلامي ، ويعود للدولة الإسلامية تحديد طبيعة ومقدار الاموال التي يجب دفعها للمستحقين والتي قد تأخذ شكلا نقديا أو عينيا بغية اشباع حاجة المستحقين لها سواء كانت تلك الحاجات اقتصادية ام اجتماعية ، وكذلك اعانتهم على قضاء ما بذمتهم من ديون أن كانوا غارمين لمصلحة مباحة ، أو نفقة ضرورية ، أو بلوغ مقاصدهم المشروعة ، وعلى مصاريف الزواج بالمعروف أن لم يقدروا على تلك المصاريف .
أما أصحاب الحق في الضمان الاجتماعي في الإسلام ( أي نطاق سريانه على الأشخاص ) فهم الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل وفي سبيل الله وينظم اليهم كل من يستفيد من المرافق العامة التي تتحقق بها مصالح المسلمين .
فقد اهتم الإسلام بالفقراء والمحتاجين وامر بكفالتهم حتى الكفاية لكي يحررهم من ضغط الحاجات المادية ويمكنهم من الانصراف إلى العمل المستمر في خدمة المجتمع الإسلامي والإنساني ، فجعل لهم حظا ونصيبا في الصدقات والفيء وقدمهم على من بعدهم من مستحقيها فقال تعالى في كتابه الكريم ( أنما الصدقاء للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وأبن السبيل فريضة من الله ) .
ولا يقتصر الامر في استحقاق الضمان على المسلمين وحدهم بل يشمل كل من يعيش في اطار الدولة الإسلامية من غير المسلمين ، فأذا عجز احدهم عن الكسب لأي سبب كانت نفقته على بيت المال .
فقد اخراج علي بن ابراهيم في تفسيره عن رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) أنه كان يقول ( ما من غريم ذهب بغريمه إلى وال من ولاة المسلمين واستبان للوالي عسرته الا برئ المعسر من دينه وصار دينه على والي المسلمين فيما يده من اموال المسلمين ) .
اما نطاق سريان الضمان الاجتماعي في الإسلام من حيث الزمان فأنه لا يقتصر على فترة حياة المسحق له بل يمتد حتى بعد وفاته فقد اخرج الكليني والطوسي ( قدس سرهما ) في كتابي الحديث عن ابي الحسن الكاظم ( عليه السلام ) انه قال ( من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله عزه وجل فأن غلب عليه فليستدم على الله عز وجل وعلى رسوله ( صلى الله عليه واله وسلم ) ما يقوت به عياله ، فأن مات ولم يقضه كان على الامام قضاؤه ، فأن لم يقضه كان عليه وزره ) .
أما أهم الموارد الماليه ( وسائل التمويل في التشريعات الوضعية ) التي تمد الضمان الاجتماعي بالأموال التي يحتاج اليها لضمان حق الأفراد في الحياة الكريمة فهي ( الزكاة والوقف الخيري وموارد الملكية العامة والضرائب وسائر واردات بيت المال التي تبقت في حيز الاحتياط لمواجهة النقص في الموارد السابقة ) .
أما ادارة الضمان الاجتماعي في الإسلام فيكون اختيار الدولة في ادارته حسب الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة وعلى أساس المبادئ الإسلامية الثابتة . فقد تتولى الدولة مباشرة الادارة أو قد تكون الادارة مستقلة تتولاها هيئة عامة تحت اشراف الدولة وقد تكون مركزية يباشرها الامام أو رئيس الدولة مباشرة أو أن يعهد بها للولاة التابعين له كلا في حدود ولايته .
يتبين لنا من العرض السابق أن الإسلام استبق كل التشريعات الوصفية قديمها وحديثها من اعلانات ومواثيق عالمية في الاعتراف بحق الإنسان بالضمان الاجتماعي والعمل على تحريره من الحاجة ايا كان سببها ، وهو لم يجعل ذلك تحت وطاة ظروف خاصة ، ولا استجابة لمطلب فئوي ، أو استدراكا لحاجة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية بل اقره ايمانا بحق الإنسان بالعيش الكريم وبمسؤولية الجماعة متمثلة بالدولة في كافة هذا العيش ، لذا جعله جزءا من الرسالة الإسلامية التي جاءت رحمة للعالمين .