23 ديسمبر، 2024 6:16 ص

الضمانات الامنية: سباق تسلح وحرب باردة

الضمانات الامنية: سباق تسلح وحرب باردة

الامريكيون قدموا، الى الروس؛ الرد مكتوبا على رسالة الضمانات الامنية التي طالبت بها روسيا. المهم وحسب ما تسرب منها الى الاعلام؛ ان الامريكيين لن يعطوا ضمانا مكتوبا الى روسيا، بعدم توسع الناتو، أي ان الناتو سوف يظل مفتوحا، للدول التي ترغب في الدخول فيه. اعتقد ان هذا هو المطلب الاساس في قائمة المطالب الروسية حول الضمانات الامنية؛ مما سوف يشكل عقبة، في المفاوضات المقبلة بين روسيا وامريكا. من وجهة نظري؛ اعتقد ان الاصرار الامريكي على بقاء الناتو منفتح على ضم اعضاء جدد وبالذات اوكرانيا وجورجيا؛ ان وراء هذا الاصرار؛ اهداف استراتيجية تتعلق بمصير روسيا، او مصيرها مستقبلا، كقوة عظمى، وحتى الى ما هو ابعد من هذا. هذا يعني ان هناك اهداف بعيدة المدى، وهي اهداف امريكية خالصة من حيث خاتمة النتائج. ان قاطرة امريكا ومن وراءها مقطورات الناتو الاوربية؛ تريد للتاريخ ان يعيد نفسه؛ وهذا هو ما يقض مضجع الكرملين، وعلى وجه التحديد بوتين وطاقمه. ومحاولة روسيا الحصول على الضمانات الامنية، ما هي الا، محاولة منها؛ ان تتجنب الى حد ما، الدخول في سباق تسلح على نطاق واسع، وليس كما هو عليه، هذا السباق حاليا، في الحدود المقبولة؛ ان سباق تسلح واسع النطاق، ومفتوح على التطور والتوسع في جميع ميادين القوة؛ لا قبل لروسيا به؛ لأنه يحتاج الى موارد ضخمة، وهذه غير متاحة في روسيا، لا في الوقت الحاضر ولا مستقبلا، بل انها اذا ما اجبرت عليه، او السير عليه، سوف يأكل من جرفها الاقتصادي على الامد المتوسط والبعيد. مما ينعكس سلبا على الداخل الروسي، أي على نمط الحياة للشعوب الروسية. وهذا يعني، وفي اول واساس ما يعني؛ لزاما العودة الى ما كان عليه الوضع في الاتحاد السوفيتي مع الفرق الكبير من حيث القدرات الاقتصادية بين روسيا اليوم والاتحاد السوفيتي السابق. في العموم، ربما، كاحتمال ضعيف؛ سوف يصار الى حل وسط، يقبل به الروس؛ من قبيل العودة، او البحث في اتفاق جديد، أو معاهدة جديدة؛ حول الحد من الصواريخ النووية قصيرة ومتوسطة المدى، التي تم الغاءها في عهد ادارة ترامب، واستمرار المباحثات، أو المشاورات الثنائية في المسائل الامنية والاستقرار الاستراتيجي، حسب الكتاب والمحللون الروس، عندما تناولوا قبل ايام هذا الموضوع. لكنه لن يحل، أو يضع حلا؛ لمخاوف روسيا الامنية، وبالذات على صعيد المستقبل. على هذا الاساس سوف تستمر كل روسيا والصين؛ تعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما في مواجهة امريكا او الحد من تغولها. أما القول بان هذه الشراكة الاستراتيجية؛ تتحول الى حلف بينهما كما كان عليه الحال في حلف وراسو؛ اعتقد ان هذا الاحتمال احتمالا ضعيفا جدا. هناك اسباب تجعل امريكا والناتو والاخير(الاعضاء فيه، دول الاتحاد الاوربي) يعقب خطوات الغول الامريكي:-
اولا: استنزاف القدرات الاقتصادية لروسيا وحتى الصين؛ بدفع الدولتين الى سباق تسلح جديد، وعلى نطاق واسع جدا، وهو بدأ يحصل الآن، في الواقع الفعلي على الارض. روسيا تختلف اختلافا تاما عن الصين، من حيث القدرات الاقتصادية والمالية؛ وهذا التباين الحاد، سوف يكون حساما للأمد المتوسط، في تقرير من سوف يقف على قمة المواجهة مع امريكا وحلفائها؛ ان الصين هي من سوف تقف على قمة جبل المواجهة هذه، ولو بعد زمن. بمعنى اخر، أي انها أي روسيا سوف تتراجع في علاقتها مع الصين؛ كشريك استراتيجي كفؤ. لكنها وفي الوقت ذاته؛ سوف تستمر في شراكتها مع الصين في مواجهة الولايات المتحدة، بحكم الضرورة الواقعية والموضوعية الملزمة. ان هذا هو ما تعمل عليه امريكا؛ أي بلوغ هذه النتائج، لكن ليس بطريقة التي بيناها في اعلاه، بل بطريقة تختلف في خطوط البداية والشروع والعمل، وفي المسارات الى النتائج. من الخطأ؛ التصور ان روسيا، او قدرات وقوة روسيا؛ تهدد حلفاء امريكا الاوربيين؛ لسبب واضح لكل ذي بصيرة؛ ان هذا، لا يخدم مصالح روسيا، لا تكتيكيا، ولا استراتيجيا، بل ان الذي يخدم مصالحها في علاقتها مع اوروبا، وبالذات فرنسا والمانيا؛ هو علاقة سلام مستقر، وعلى اسس ثابتة ومتينة، أي يجري تمتنيها وترصينها في الاقتصاد والتجارة والمال والاعمال والطاقة. انما هذا يضر ضررا استراتيجيا بمصالح امريكا، والاهم يدفع بها الى جانب الطريق الذي يقود الى قيادة العالم، بأقطاب متعددة. لذا، فهي أي امريكا تحاول ان تصور روسيا كبعبع نووي يهدد دول الاتحاد الاوروبي. على هذا المسار او المسارات تريد امريكا، بل هي تعمل بجد ونشاط على ضم دول اوروبا الشرقية، والدول التي كانت يوما جزء من الاتحاد السوفيتي، اوكرانيا وجورجيا، أي تكون على مرمى حجر من حدود روسيا. هذه السياسة الامريكية؛ تؤدي الى تهديد جدي لأمن روسيا، أي تكون فرصتها في الرد ضعيفة، حين تتعرض الى ضربة نووية ما. فهي في هذا تضع روسيا في خانة واحدة لا ثانية لها ولا ثالثة؛ اما القبول بهذا الوضع وهذا هو المستحيل بعينه، او القيام بعمل عسكري؛ يمنع هذا الاقتراب من حدودها، والمقصود هنا شرق اوكرانيا. نعود الى سباق التسلح؛ ان هذا الوضع الذي خلقته امريكا سوف يقود او ينتج عنه لامحالة سباق تسلح، ليس بين روسيا وامريكا فقط، بل بين روسيا وامريكا والصين؛ وهذ هو تحديدا هدف امريكا من جميع هذه الخلطة.
ثانيا؛ صناعة راي عام في داخل الدولتين، و هذا الاتجاه والتوجه، الغاية منه، او اهدافه؛ حتى تنمو وتترسخ وتتوسع؛ الكتلة الصلبة من الليبراليين المضادة للنظامين.. وهذه تساعد او تعاون امريكا وسياستها؛ في كلا الدولتين العظميين. هذه الكتلة تتحين أي فرصة تتاح لها في مواجهة النظام في الدولتين. ان هذه السياسة ترتبط ارتباطا كاملا في جر روسيا الى سباق التسلح، والذي هو يجري على ارض الواقع فعليا مهما قيل بخلاف هذا.
ثالثا؛ تأليب الاقليات الدينية والقومية في الدولتين وبالذات، او بدرجة اكبر في روسيا. هناك في روسيا خواصر رخوة، في القوقاز الروسي، الذي ثائر في وقت سابق من هذا القرن على السيطرة الروسية، جمهورية الشيشان مثلا، اضافة الى جمهوريات القوقاز الاخرى. وفي الصين ايضا؛ التبت والإيغور، وجزيرة تايوان.
رابعا؛ اللعب على تضارب المصالح بين الشريكين في مناطق نفوذيهما، وما اكثر هذا التقاطع والتنافس المصلحي بينهما، لكنهما سوف يتغلبان عليه، او يجدان حلا وسطا له؛ للضرورة الاستراتيجية الملزمة الى امد ما.
خامسا؛ محاصرة الخصمين اقتصاديا وتكنولوجيا وماليا.
تحاول روسيا ان تقفز هنا وهناك في محاولة لتجنب الطوق الامريكي ومن خلفه الناتو، الذي اخذ يضيق الخناق حول رقبتها. هل تنجح في هذا؟؛ نشك كثيرا. هل تقف الصين مع روسيا في صراعها مع الخصم الامريكي، الى الزمن المفتوح؟ من غير الممكن الاجابة على هذا السؤال في الوقت الحاضر؛ لأن المستقبل سوف يحمل الكثير من التحولات والتغييرات على جميع الصعد في العالم. انما من الممكن القول هنا؛ ان الصين ولمصالحها الاستراتيجية، سوف تحافظ على شراكتها الاستراتيجية مع روسيا، من غير ان تكون طرفا في صراع ساخن، أي حرب ولو كانت بالإنابة، وفي الوقت ذاته سوف تكون مؤيدة وداعمة لروسيا من دون ان تكون شريكا فيه، أي في حروب الوكلاء هذه. في العموم ان العالم مستقبلا سوف يتغير؛ لجهة القوى العظمى الفاعلة فيه.. وللشراكات والتحالفات والمحاور.