10 أبريل، 2024 6:21 ص
Search
Close this search box.

الضغط على المواطن بضعف الخدمات وزيادة الأسعار

Facebook
Twitter
LinkedIn

كلما مرت أزمة على العراق ، ويا مكثر الازمات على العراقيين منذ عقود وسنوات ، فان المتضرر الأكبر هو المواطن ، وحجم الظلم عليه يزاد كلما كان أكثر فقرا وعوزا من الآخرين ، والسبب معروف طبعا وهو إن الفقير ليست لديه العديد من الفرص والبدائل لغرض التعويض كما انه غالبا ما يقف على هامش الفقر أو تجاوز خطوطه بخطوات ، والفقر الذي نقصده ليس تنازلا عن الترف والرفاهية وإنما فقدان الأمل والقدرة على توفير السبل الأساسية للحياة والتي تقع في الحدود الدنيا من سلم ( ماسلو ) للحاجات ، والتي نقصد بها الأكل والشرب والسكن والكهرباء والماء الصالح للشرب والأمن والأمان وفرص الدراسة والخدمات الصحية والكرامة الإنسانية وحرية السفر والتنقل وتوفر الإمكانية للزواج وإنجاب الأطفال ، ومن المعروف إن نتائج النقص بهذه الحاجات يؤدي إلى اليأس والبطالة والمراضة والعنوسة والكآبة والتوحد والشعور بالوهن وضعف الثقة وعدم التلذذ بالحياة والاستسلام السريع للأمر الواقع ، ناهيك عن توفر الرغبة للخروج عن المألوف وزيادة النزعة للانتقام وإعطاء التبرير للجنوح وارتكاب المخالفات والجرائم عند توفر الحافز الذي يحرك الدافع إلى سلوك ، ووجه الخطورة في الوضع يعيشه الفقراء هذه الأيام هو إنهم يشعرون بان الحلول سوف لا تكون سريعة لأنهم يدركون ما يمر به بلدنا من أزمات سياسية واقتصادية غاية في التعقيد .
نقول هذه الكلمات ونحن نعايش يوميا العديد من الحالات الإنسانية التي تعطي العديد من المؤشرات إلى ارتفاع درجات الفقر والحرمان ، بأكثر من النسب التي تحددها وتعلنها وزارة التخطيط باستمرار فبياناتها الرسمية تقول إن ثلث السكان يعانون الفقر بالفعل ، ولكن واقع الحال يشير إلى إن النسبة بازدياد خطير فبعد أن كان الفقر يشمل غير العاملين في القطاع الحكومي ، فان تخفيض الرواتب وزيادة الاستقطاعات وغياب مواد البطاقة التموينية واستيفاء أجور الخدمات الصحية الحكومية واستمرار نقص الكهرباء وتلوث المياه، أدت لدخول العديد من الموظفين إلى خانة الفقر في العراق ، أما في القطاع الخاص فقد ازدادت حالات الفقر بشكل رهيب إذ إن اغلب الأعمال شبه متوقفة أو إنها تعمل ب25% مما كانت عليه قبل انخفاض أسعار النفط ، ومن خلال المشاهدات اليومية فان اغلب سواق التاكسيات يعانون من قلة الطلب عليهم لان المواطن بات يستعين بوسائل اقل كلفة ، وبائعي الخضر يشكون من انخفاض الطلب فمن كان يشتري 4 كيلوات يشتري اليوم كيلو واحد لتمشية أمور الحياة يوما بيوم ، وقد امتد الأمر إلى اصغر الحلقات فحتى الحلاقون يشكون من قلة الزبائن ويعزون السبب إلى إن من كان يحلق شعره مرة كل أسبوعين اخذ يحلق مرة كل أكثر من شهر ، والأمثلة كثيرة وتشير بشكل واضح إلى ركود كبير يمتزج بحالة قلق وتخوف من قادم الأيام .
والمسالة الأخرى التي باتت تنتشر هذه الأيام هي حالة ارتفاع الأسعار لجميع السلع ذات العلاقة المباشرة بحياة المواطنين بسبب انخفاض سعر صرف الدينار ، فرغم إن البنك المركزي العراق ماض بسياساته في بيع الدولار بحدود 100 مليون دولار يوميا وبأكثر من الإيرادات الحقيقية للنفط وبسعر 1190 دينار لكل دولار ، إلا إن السعر الفعلي للدولار في الأسواق هو 1290 دينار وهذا السعر يؤدي إلى زيادة الغلاء في الأسواق ، ويقول التجار إن هناك سبب آخر لزيادة الأسعار وهو فرض الضرائب والرسوم الكمركية خارج المناطق الحدودية من خلال نصب السيطرات ، وكما يروجون فان أكثر ما يتم فرضه لا يذهب لخزينة الدولة وإنما لجيوب الفاسدين مما أدى إلى ارتفاع جميع أسعار السلع المستوردة بنسبة 50% فكيلو البرتقال مثلا ارتفع من 1000 دينار إلى 1500 دينار ، أما الخدمات الصحية فقد أصبحت تخضع إلى زيادة وابتزاز فالزيادة من خلال تسعيرة وزارة الصحة استنادا للمادة 25 من قانون الموازنة الاتحادية 2016 ، والابتزاز يأتي من خلال الكوادر الطبية العاملة في المستشفيات الحكومية التي تجبر المواطن على اللجوء إلى الأجنحة الخاصة في المستشفيات ، إذ يخيرون المريض بين انتظار إجراء العملية بعد 6 شهور بأجور اعتيادية أو إجرائها خلال أيام قليلة بدفع نصف مليون دينار في الجناح الخاص داخل المستشفى الذي يمول بالمال العام ولكن مردوداته تذهب اغلبها للكوادر العاملة التي تتقاضى رواتب حكومية إضافة إلى مردودات الجناح الخاص التي هي شرعنة للفساد .
ويمكن لأي عراقي أن يكتشف شعورا واضحا يسود لدى غالبية الفقراء ومحدودي الدخل مفاده إنهم هم من يدفعون ثمن فشل الأداء الحكومي كما إنهم وحدهم من متضرري الفساد الإداري وسياسات التقشف وإيقاف التعيينات منذ ثلاث سنوات ، وهذا الشعور ليس قضية وجدانية فحسب وإنما يترجم في الواقع اليومي إلى حرمان بكل ما تعانيه هذه الكلمة من معاناة ، وهذا الحرمان يؤدي إلى العديد من الظواهر ومنها الجوع وعدم القدرة على إكمال دراسة الأبناء والاضطرار للتسول أحيانا أو العمل بأعمال خطرة أو مذلة ولا تحتوي أية ضمانات أو القبول بالبطالة على مضض ، وان كل ذلك يتم من خلال الاطلاع على حالات الفساد والفضائح التي تنشرها وسائل الإعلام بالأدلة والتي أهدرت مئات المليارات من الدولارات دون اتخاذ أية إجراءات للمحاسبة أو استرجاع الأموال ، كما إن الكثير أصبح يتلمس العلاقة المباشرة بين الصراعات والخلافات السياسية وبين زيادة الفقر وتدني الخدمات وزيادة الإجرام وعمليات الإرهاب ، لدرجة إن البعض أصبح يلعن اللحظة التي طالب بها بالتكنوقراط لأنها ستدخل البلاد في متاهات ، والشعور الذي نتحدث عنه من الممكن أن يحرك القوى الكامنة لدى المتضررين وبشكل يجعلهم يخرجون ما عندهم من غضب وكبت بسبب الحرمان ، وفي تجارب الشعوب العديد من الشواهد بهذا الخصوص ومن المناسب جدا أن نلتفت لهذا التطور بالشعور لأنه بركان غير مسيس يغلي داخل النفوس ، وعندما ينفجر هذا البركان فان نتائجه ستكون غير معروفة وتصيب بأضراره الجميع ، لان التعبير عنه سيكون بطرق غير محسوبة في ظل ضعف الوضع الأمني وإهمال جوانب كثيرة من الاحتياجات الأساسية للمواطنين .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب