أصدرت قيادة عمليات بغداد قرارا جائرا بشرط جلب كفيل من اهالي بغداد؛ ليتكفل عائلة نازحة أنباريه تنوي الدخول لبغداد، مما زاد في معاناة النازحين والهاربين من ويلات الحروب في الانبار، عوائل لا ذنب لها بكل ما يجري، أطفال وكبار في السن، نساء رضع وحوامل، مرضى في هروب جماعي من الانبار، عوائل عرضة للموت والقصف وتدمير البيوت على رؤوسهم، ونقاط التفتيش عند مداخل العاصمة لم تنفذ قرار البرلمان الذي أصدره السبت بإلغاء شرط الكفيل.
الضرورة الأمنية للحكومة الملائكية:
ان التبريرات التي تتخذها الحكومة بعدم السماح للمواطن الانباري بالدخول الا من خلال كفيل من أهالي بغداد هي (ضرورات امنية) بالخوف من دخول مندسين في عوائل النازحين لا يستقيم مع واقع حال ما يجري؛ إذ إن التفجيرات تحصل في بغداد منذ سنوات، وهذا يعد تعسف ظالم؛ هل يجوز ان ننسف حقوق دستورية امرة وردت في الدستور العراقي والتي تضمن للمواطن الحق بالتنقل والسكن في كافة ارجاء العراق من دون عوائق تمنع ذلك والمادة 44 من الدستور النافذ نصت على ((أولاً : – للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه . ثانياً : – لا يجوز نفي العراقي، أو أبعاده، أو حرمانه من العودة إلى الوطن))
الضرورة الأمنية امتهنت كرامة المواطن:
الضرورة الأمنية امتهنت كرامة المواطن العراقي وبسابقة خطيرة تعدت فيها على النص الدستوري في المادة 37 من الدستور والتي نصت على( أولاً: حرية الإنسان وكرامته مصونة) من خلال بقاءه ومعه الأطفال والنساء والشيوخ في العراء، الجوع يعصرهم، والخوف والرعب يكويهم، لأجل تطبيق ضرورات امنية بطريقة تعسفية جعلت من المواطن الانباري يفقد مواطنته ويشعر انه داخل الى بلد اجنبي وليس بلده وهذا خرق للمادة 15 من الدستور ونصت على(( لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرار صادر من جهةٍ قضائيةٍ مختصة)).
ان منع المواطنين العراقيين النازحين من دخول عاصمة بلادهم إلا من خلال شرط توافر الكفيل الضامن؛ يعد شرط مأساوي غير قانوني، والأفظع، أن بعض المدن العراقية تظاهر سكانها لمنع دخول مواطني الأنبار بذريعة أن أولئك النساء والأطفال والشيوخ هم “دواعش”، وسمعنا مؤخرا مطالبات من مجلس محافظة الانبار لحماية النازحين من تهديدات بالقتل بعد ان تعرض البعض منهم للتصفية.
هل اشترطت أي دولة في العالم على مواطنيها شرط الكفيل الضامن لدخول عاصمة بلادها؟
وقد شهد العراق لغط في مسألة الحاجة إلى كفيل للنازحين لم يشهده العراق حينما هجمت حشود من إيران عابرة نقاط حدودية دون تأشيرات رسمية لأجل الزيارة، ولم يتعرضوا إلى تلك الإهانات والتعسفات التي تعرض ويتعرض لها أهالي الرمادي؛ بالرغم من ان ما شاهدنه في المقاطع الفديوية من هجوم على بوابات الحدود يسيء الى سيادة العراق وامنه، لا سيما اننا اطلعنا على عشرات التصريحات الدولية والحكومية الوطنية والمحلية؛ والتي تؤكد ان هناك عمليات تهريب للمخدرات بطريقة مخيفة يقوم بها تجار إيرانيون غير متناسين ان هناك تقارير استخباراتية اشارت بوجود علاقات بين قسم من تنظيمات القاعدة الإرهابية وبعض القيادات الإيرانية وكما حدث في البصرة عندما صرح مدير شرطتها السابق عادل العامري بإدخال شاحنة مفخخة الى البصرة وهناك تواجد لعوائل اكثر قيادات القاعدة في ايران وغيرها من تصريحات دولية ووطنية تجعلنا نتخوف من فرضية العناصر المندسة وتكون ملائمة افضل بهذا الدخول المريب وبهذه الاعداد الكبيرة.
نظام الكفيل نظام معيب:
تصنف الامم المتحدة ومنظمة العمل الدولية نظام الكفيل السائد في بعض الدول بانه أشبه بنظام العبودية، وتطالب دائما بإلغاء هذا النظام الجائر الذي يقيد حرية العامل، والعراق لم يأخذ بهذا النظام في تاريخه وخاصة الفترات الذي استقدم فيها ملايين العمال من الدول العربية والاجنبية فترة السبعينات والثمانينيات فترة تنفيذ خطط التنمية، وكان العمال الوافدين يتمتعون بنفس حقوق المواطن العراقي، وكانت القوات الامريكية المحتلة قد عملت بنظام الكفيل في بعض الأوقات، عندما كانت تقوم بإطلاق سراح بعض المعتقلين بعد كفالتهم من شيوخ او وجهاء او سياسيين او قيادات حكومية؛ وطُبق نفس المبدأ في حكومة السيد المالكي عندما تم اعتقال اكثر من الف مواطن بتهمة البعث ضمن حملة اعتقالات تمت قبل مؤتمر القمة الذي انعقد في بغداد، وبعد انتهاء المؤتمر قامت الحكومة بإطلاق سراح الكثيرين بعد كفالتهم من نواب وسياسيين وفي تجاوز خطير للدستور والقانون.
وأي دولة تتمتع بأدنى درجات الاحترام لحقوق الانسان تقوم بفتح أبوابها لسكان دولة أخرى في أوضاع مثل هذه. فيما تقوم الحكومة العراقية بغلق أبواب المدن امام سكان البلد في أوضاع مثل هذه، يقولون لدواع امنية، وتلك فرية وتحريف للحقائق، فليس من المعقول معاقبة أناس بجريرة لم يرتكبوها، معاقبتهم بجرم؛ بوصفهم حاضنة داعش والعقوبة شخصية، والدول التي تستقبل اللاجئين لا تشترط كفيلاً لقبولهم، بل تحتضنهم وتقدّم لهم التسهيلات الأساسية كالمخيمات والطعام والدواء والحماية، وكانت بريطانيا تعاني من إرهاب الجيش الجمهوري الإيرلندي السري لسنين طوال، لكن ذلك لم يدفعها بفرض قيود على مواطني إيرلندا، وهم ليسوا بريطانيين، فكانوا يدخلون بريطانيا من دون تأشيرة، ويتنقلون فيها بحرية لا تتوافر إلا للبريطانيين، ويحصلون على الحقوق الممنوحة للبريطانيين.
وأشد ما يؤلم هو كلمة نازح في وطنه، وأشد منها أن يطالب بكفيل فلا يهنأ عيش الإنسان إلا في بيته مهما كان، ومع هذا الحدث الجلل كان هناك تلكؤ في إيواء النازحين في بغداد من قبل الحكومة والوقف السني والشيعي سارعوا لإيواء النازحين، والبغاده هبوا بنشر ارقام هواتفهم لمن يريد كفيل واكثرهم من الشيعة هذا التلاحم الحقيقي للعراقيين، لكن في المقابل، توالت مظاهر الرفض في أوساط بعض المحافظات(بابل والديوانية وكربلاء) لدخول النازحين بتهمة انتماءهم إلى داعش رغم المضايقات في حدود العاصمة خاصة الجنوبية منها، وشاهدنا هناك من يرفع اللافتات ضد إيواء النازحين وكأن النازحين أجانب لاجئين من دول الجوار، ((الديوانية تقرر إتباع آلية الكفيل مع نازحي الأنبار ومنع دخول الرجال دون سن 18 سنة للمحافظة الثلاثاء 21 نيسان 2015 السومرية نيوز)) ((وكان مجلس محافظة واسط صوت، اليوم الثلاثاء، بالسماح لدخول نازحي الانبار إلى المحافظة، بشرط الكفيل وانخراط أبنائهم بالحشد الشعبي))((وأعلن محافظ بابل صادق مدلول السلطاني، أمس الأول الأحد (19 نيسان 2015)، عن صدور قرار يقضي بمنع دخول الرجال النازحين من محافظة الأنبار الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و50 عاماً إلى بابل))
كيف يكفل مواطن عراقي مواطناً متساوياً معه؟ وهل على الكفيل أن يكون شيعياً أو سنياً أو عربياً أو كردياً؟
والمادة 14 من الدستور نصت على ان ((العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي الاقتصادي أو الاجتماعي))
ولا اعرف اين السيد رئيس الجمهورية من هكذا انتهاكات للدستور وهو حامي الدستور والساهر على تطبيقه ومواطني دولته وكرامتهم تنتهك بطريقة تعسفية ظالمة خالية من أي عنوان انساني، والمادة 67 من الدستور نصت على ((رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه، وفقاً لأحكام الدستور))
في جميع بلدان العالم تعتبر الحكومات مسؤوله قانونا وملتزمة ماديا وادبيا امام شعبها في حفظ الامن والامان وحمايته من الاخطار وتامين ابسط الحقوق المشروعة وحماية اراضي البلد ومنع اي تدخل أجنبي من شأنه ان يعرض المواطنين للخطر.
ينبغي ان توقف الحكومة الملائكية قرارها فورا وبدون قيد او شرط، ليس من حق أحد ان يحرم أحد من ابسط حقوقه في التخلص من خطر داهم، والمادة 46 من الدستور نصت على((لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناءً عليه، على أن لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية))
الكفيل ينسف مبدأ المواطنة:
ماذا سيكون موقف هذا المواطن، وكيف يشعر بالانتماء إلى وطن يطلب منه المسؤولون الأمنيون كفيلاً له عندما يستجير بأهله في مدينة أخرى، لاسيما ان هذه الممارسات ضد ابناء الانبار ليست من الوطنية ولا الدين ولا الانسانية، وهناك خلل جوهري لنظام الكفيل الضامن كونه؛ يقوض المصالحة الوطنية؛ لأنه يخلق فجوة كبيرة تؤثر على السلم الاهلي وتآكل الهوية الوطنية والانتماء الوطني لهؤلاء النازحين عند استشعارهم بان حركة تنقلهم في محافظات بلدهم مقيدة ولا يمكن ان يدخلوا اي محافظة إلا بشروط.
انه جرم ما بعده جرم ان يتخذ أحد ما موقف اللامبالاة من أناس أبرياء وعزل، ولأشد ما يؤلمك هو رؤية تشفي واضح للوضع الذي يمر به أهالي الانبار! تشفي في البعض منه مليء بالحقد والانتقام.
يجب على الدولة ألا تتنازل عن وظيفتها كراعية وحامية لجميع مواطنيها من دون شروط ومهما كانت المخاوف الأمنية، حتى وإن كان بعضها مشروعاً، لكن الحل ليس في التمييز العشوائي بين المواطنين على أساس المنطقة التي جاؤوا منها، ومن دون أن يكون هناك أي دليل يبرر هذا التعامل الاستثنائي.
وطالما العملية السياسية أنبنت على اسس طائفية وعرقية فأننا لا نتوقع التعامل مع الاحداث التي تجري او الاحداث اللاحقة الا وفق هذه الاسس نفسها وهذا ما يمكن تلمسه بسهولة عبر الخطاب الاعلامي والسياسي المتداول بحق نازحي الانبار، كما يمكن ان نتلمسه في الخطاب الشعبي (الضحل والطائفي في بعض صفحاته) عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عكس المرجعيات الدينية الكريمة والوقفين الشيعي والسني، تعاملوا مع الموضوع بمنطق انساني يعكس رقي التعامل الاسلامي في مواجهة الازمات الانسانية.
الكفيل قد يحول بعض الأنبارين الى دواعش حقيقيين:
الأنبارين هربوا من الدواعش لانهم لا يريدون ان يكونوا جزءا منهم أو يجبروا على حمل السلاح، والموضوع الذي لا تدركه الحكومة العراقية هي في دفعهم لألاف العراقيين لأحضان التنظيمات المسلحة بعد عودة الكثير من النازحين وطلبهم الحماية من تلك التنظيمات، مما يوفر حاضنة جماهيرية لم تكن لتحلم بها تلك التنظيمات ووفرتها لهم الحكومة الملائكية، ان مثل هذه الإجراءات لا تعزز الوحدة الوطنية بل على العكس، فإن هؤلاء النازحين قد يشعرون أن عليهم التعايش مع تنظيم داعش الارهابي، مهما كان ذلك محفوفاً بالأخطار، إن كانت حكومتهم تشترط عليهم شروطاً غير معقولة تناقض مبدأ المواطنة، شروطاً قد لا يكونون قادرين على الإيفاء بها، من أجل أن تحتضنهم وتحميهم تنظيمات داعش الارهابية.
الضرورة الأمنية تؤشر فشل قيادات سياسية وحكومية وبرلمانية:
ان تلك الأمور تدفعنا الى القول ان ما يجري من ويلات على أهل المحافظات المحتلة من داعش هو نتيجة عدم أهلية وبصيرة كبارهم وقياداتهم السياسية والدينية والعشائرية بأهمية الهوية والقضية.
اين نائبات الانبار عن الانبارين وهم يحملون حقائبهم ومعهم أطفالهم يبحثون عن كفيل ليناموا امنيين، لم يفعلن نائبات الانبار كما فعلت النائبة فيان دخيل التي قبلت المخاطرة بنفسها من اجل أهلها العالقين في جبل سنجار، وأين شيوخ الانبار(ماجد العلي والشوكة) وغيرهم اين سياسي الانبار الذين يتقاتلون لزيادة صفر عند ارقام حساباتهم، اين أصحاب الأموال من أهالي الانبار عن بسطاء الرمادي واطفالهم ونساءهم على جسر بزيبز يبحثون عن كفيل، والاكثر غرائبية ومسخرة في المشهد السياسي العراقي ان نواب الانبار وممثليها السياسيين في الحكومة ومعهم سماسرة سياسيين، يتظاهرون داخل المنطقة الخضراء ملاذهم الآمن، ببدلاتهم الانيقة.
ممثلو الانبار كان المفترض بهم ان يذهبوا الى بوابات بغداد الغربية ويجلسوا مع ناخبيهم ولا يعودوا حتى يدخلوهم، وليس الذهاب لاستطلاع الأوضاع لان الامر واضح جدا.
الضرورة الأمنية تجارة رابحة:
ضرورة إحضار كفيل أوجد تجارة رابحة لسكان تلك المدن، حيث صنع سوقاً سوداء للكفلاء واعطى ذريعة لبعض المنتفعين لبيع كفالات لبعض العوائل بمبالغ وصلت الى 700$، وقد تخصص بعض سائقو سيارات الأجرة في تقديم خدمة مزدوجة، فبالإضافة إلى نقل الأسرة النازحة من أطراف بغداد وغيرها، يوفر سائق سيارة الأجرة الكفالة للأسرة العراقية، وطبعاً كل شيء بثمن، فيضطر عائل الأسرة العراقية إلى دفع الثمن رغم ظروفه القاسية بعد أن ترك أملاكه وكان يعتقد أنه سيجد الأمان والمساعدة، فيواجه بالابتزاز، وقد يكون هناك أكثر من كفيل خاصة عندما ينتقلون من منطقة إلى أخرى داخل بغداد نفسها.
من غير المعقول ان تقوم عمليات بغداد بتطبيق اجراء الكفلاء التعسفي، بحجة وجود متسللين او احتمال وجودهم، وبذلك تعاقب مائتان ألف انباري باحتمال وجود متسللين من دون اسلحة.
النازحون من مدن الانبار الى بغداد وغيرها متهمون، المطلوب منهم اثبات براءتهم:
هذا هو عنوان نظام الكفيل الذي وضعته الجهات الامنية كشرط لدخول النازحين الى مناطق آمنة، الغريب في الامر ان النواب الذين يصرحون بذلك هم أنفسهم من انتقد سلطات اقليم كردستان التي طبقت نظام الكفيل على العراقيين العرب والنازحين الى الاقليم بالذريعة نفسها، وعدوا ذلك انتهاكا لحقوق الانسان وتجاوزا على الدستور الذي كفل حق التنقل والاقامة للعراقيين في اي بقعة من وطنهم، بالرغم من ان سلطات الإقليم طبقت نظام الكفيل بصيغ حضارية رائعة حفظت فيها كرامة النازحين والمهجرين.
الموقف الحكومي العراقي من قضية تهجير عشرات الالاف من المدنيين العراقيين من محافظة الأنبار بعد اشتداد حدة المعارك وأدى الى رعب كبير بين المدنيين الذين فشلت الحكومة العراقية في حمايتهم وتوفير الأمن والسلام لديارهم، فتحولوا للاجئين ونازحين داخل بلدهم وبذلك تكون الحكومة الملائكية قد انتهكت نصوص الدستور بالمواد (29 و30و33)، والحكومة بفرض شرط الكفيل الضامن فإنها أدخلت العراق في معمعة كبيرة من حالة عدم الثقة بين الدولة والشعب، ووسعت حدود المعاناة الإنسانية لآفاق خطيرة للغاية تؤشر على شيوع حالة من الانهيار العام الذي سيصيب الجميع من دون استثناء.