27 ديسمبر، 2024 2:33 م

الضربة القادمة، جارحة أم ذابحة ؟

الضربة القادمة، جارحة أم ذابحة ؟

إن الوسيط الياباني، رئيس الوزراء، شينزو آبي، وكل الذين تورطوا بالوساطة بين نظام المعممين الإيرانيين وأمريكا يجهلون أصل التقية وكيف مسخه أصحاب الأخلاق غير الرافيعة  

من رجال الدين الشيعة، بالتحديد، وحرفوه من تقية شرعية تبيح للمؤمن المحاصر من قبل (الكفار) أن يظهر لهم غير ما يبطن.

وكان هؤلاء الوسطاء، قبل أن يتنطحوا للوساطة بنياتٍ حسنة، في حاجة ماسة ولازمة لحلقة دراسية تثقيفية معمقة عن مبدأ التقية الذي أصبح لدى قادة النظام الإيراني، من قبل أن يستولي إمامهم الخميني على السلطة بخداعه الأحزابَ والقوى الوطنية والديمقراطية واليسارية وغدرها بها، مبدأَ النفاق والغش والكذب والاحتيال، والبعد كل البعد عن مباديء الصدق والصراحة والجرأة والشجاعة، إن كانوا يريدون أن يعدلوا.

وقد نهى الله المؤمنين عن مُوالاة الكفار ومداهنتهم ومُباطنتهم، إلاَّ حين يكون الكُفَّار غالبين، أو حين يكون المؤمن في قوم من الكُفَّار يخافهم فيُداريهم باللِّسان وقلبُه مطمئنٌّ بالإيمان، دفعًا عن نفسه، ولكن بشرط أن لا يستحِلَّ دمًا حرامًا، أو مالاً حرامًا، والتقيَّة لا تكون إلا مع خوف القتل ولكن مع سلامة النيَّة.

إن الوسيط المسكين ذا النية الحسنة، رئيس الوزراء الياباني، بشَّرنا، وهو مصدق لما سمعه في طهران، بأن المرشد الإيراني علي خامنئي أكد له أن إيران ليست لديها نية السعي لامتلاك أسلحة نووية“. وهي تقية على أصولها.

كما أن مسارعة الملالي، بكل ما لديهم من أجهزة تشويش وتلفيق وترويج، إلى نفي علاقة أحدٍ منهم بحوادث التفجير التي جرت في خليج عمان، والتي قبلها في الفجيرة، تدخل هي الأخرى في باب التقية، لأنهم يؤمنون بأن الواجب الشرعي يفرض عليهم حين يقتلون قتيلا أن يمشوا في جنازته ويولولوا عليه أكثر من أمه وأبيه.

وبرغم تأكيد الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، وأغلب مساعديه أن “إيران هي التي نفذت الهجوم على ناقلتي النفط في خليج عمان فإن أياً منا، نحن العراقيين الخبراء المتعمقون بتاريخ هذا النظام الأسود، لم يكن بحاجة إلى مثل هذا التأكيد، ولا إلى أي دليل آخر على علاقة الملالي الإيرانيين بأمثال هذه الأعمال المتهورة الشريرة الصبيانية التي لا يفعلها أحد غيرهم، خصوصا في هذه المنطقة، وفي هذا التوقيت، وبهذه الطريقة، بالتحديد.

فبالإضافة إلى طبيعة نظام طهران وسجله الأسود الطويل، منذ قيامه في العام 1979 وحتى يوم أمس، فإنه، وقد أدرك أن عليه أن يختار واحدا من خيارين كلاهما أخطر من أخيه. فإما أن يذهب إلى التفاوض، مستسلما صاغرا، أوأن يكابر ويتحدى أملا منه في إحراج الرئيس الأمريكي ومساعديه ومستشاريه وحلفائه، متوهما بأنهم غير جاهزين، أو خائفين، أو أغبياء وجبناء لا الذين لا يريدون حربا ولا يسعون لحرب.

وحقيقةٌ، وليست دعايةً إعلامية، أنّ ترمب حاول وما زال يحاول أن يتجنب التورط بأي نوع من أنواع النزاع العسكري مع إيران، وذلك لاقتناعه بأن عقوباته وحشودَه كافية لتحقيق الهدف البعيد دون قتال.

ولكنه ليس وحده الذي يقرر ماذا على دولة عظمى بحجم أمريكا أن تفعل للحفاظ على هيبتها ومصالحها واحترام حلفائها لها، لا في منطقة الخليج العربي وحدها، بل في الشرق الأوسط كله، وفي العالم كذلك.

وانطلاقا من فهم صناع القرار الأمريكي، وترمب واحد منهم، لطبيعة النظام الإيراني العدوانية الشريرة المتهورة يتوقعون أنه سيكون مضطرا إلى أن يزج في المعركة بكل ما بين يديه من قواتٍ عسكرية نظامية، بكامل قدراتها وبمختلف صنوفها، وأن يحرك مليشياته العراقية واللبنانية واليمنية، ويستعين بخلاياه النائمة في دول الشرق الأوسط والعالم.

والولايات المتحدة الأمريكية، بما هي عليه من قدراتٍ تجسسية ورقابية وتحليلية، ليست جاهلة بحقيقة أنَّ أيَّ نوعٍ من الاشتباك العسكري مع إيران، محدودا كان أو شاملا، لابد أن يشعل المنطقة، وقد يُلحق بها وبحلفائها أضرارا جسيمة لا يستهان بأنواعها وأحجامها وتداعياتها، ولكنْ لابد من ركوبِ الخطر، عند الحاجة، ولابد من تحمل ثمنالمواجهة، وللضرورة أحكام.

والذي يعيش في أمريكا هذه الأيام ويجالس الأمريكيين العاديين، مسيسين وغير مسيسين، لابد أن يسمع ويرى ويلمس حجم الغضب الشعبي الذي لا يميل إلى الرد بضربات تأديبية محدودة وعابرة، وهو ما لا يستيطع ترمب، ولا غيره، أن يتجاهله، ويبلع إهانة المرشد العلى الإيراني، وعفى الله عما سلف.

وفي مقابلة مع الـ (سي إن إن)  ترجم آدم ايرلي، سفير الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق في البحرين، رغبة الشارع الشعبي الأمريكي في الرد الحازم الحاسم، لا لمنع الإيرانيين من القيام بحماقات جديدة، بل لردع غيرهم ممن قد تشجعه حماقات الإيرانيين على تقليدهم في قادم الأيام.

إن الرد على إهانات إيران المتعاقبة آتٍ لا ريب فيه،. ولكنّ السؤال الذي يتردد على ألسنة الكثيرين من الأمريكيين هو هل سيكون لترويع النظام الإيراني وتأديبه، وحسب، أم لتشييعه إلى مثواه الأخير؟

أمرٌ آخر أهم. مَن الذي لا يتوقع نهاية ترمب السياسية وخسارته الخيطَ والعصفور إن هو تراخى، أو طنش وفعل ما كان يفعله سلفه باراك أوباما وكبارُ مساعديه ومستشاريه الذين قضوا ثماني سنوات في البيت الأبيض يهددون ويتوعدون، ولكنْ يقولون ولا يفعلون؟.