26 ديسمبر، 2024 5:42 م

الضربات الإيرانية وردود الأفعال الاسرائيلية والحقائق الجديدة

الضربات الإيرانية وردود الأفعال الاسرائيلية والحقائق الجديدة

  سواء اعتبرها البعض تطورا خطيرا وتصعيدا غير متوقع, أو عدها البعض الآخر  تحصيل حاصل ورد فعل طبيعي ومتوقع على فعل سابق له. فإن الضربات الإيرانية المركزة والدقيقة للكيان الصهيوني بعشرات الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية وصواريخ كروز, أفرزت وبلورت حقائق جديدة, لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلها في أي ترتيبات اقليمية-او حتى دولية-او في اي قراءات استشرافية لمسارات الصراع, وطبيعة موازين القوى ومعادلاتها في المنطقة.

   ومن أهم وأبرز تلك الحقائق, هي تحطم نظرية أن الكيان الصهيوني يمثل القوة الأكبر, التي لا يمكن لها أن تقهر أو تكسر أو تهزم. هذه النظرية الزائفة الوهمية التي تشكلت وترسخت في أذهان الكثيرين بسبب الروح الانهزامية لأغلب الأنظمة والحكومات العربية, وهرولتها نحو إبرام اتفاقيات التطبيع والاستسلام مع ذلك الكيان بدلا من توظيف واستثمار إمكانياتها وقدراتها وطاقاتها المادية والبشرية الهائلة لمواجهته.

   وطبيعي أن تفضي مسيرة التطبيع المذل التي انطلقت قبل خمسة وأربعين عاما من القاهرة, مرورا بعمان والرباط والخرطوم, وصولا إلى المنامة وأبو ظبي, إلى استفحال وتمدد وعنجهية الكيان الصهيوني في مقابل ضعف وخواء خصومه واعدائه الذين تحولوا إلى أصدقاء وحلفاء له.

   وإذا كان الكيان الصهيوني قد تعرض إلى هزائم وانكسارات خلال العقود الأربعة أو الخمسة المنصرمة, فإنها تحققت من خلال المقاومة اللبنانية المتمثل بحزب الله, وكذلك المقاومة الفلسطينية المتمثلة بحركتي حماس والجهاد الإسلامي.

   وهذا ما تقوله وتتحدث به الأوساط والمحافل السياسية والأمنية ووسائل الإعلام الاسرائيلية بكل وضوح, أكثر مما يتحدث به خصومها واعدائها في داخل إيران وخارجها.

    وناهيك عن الخسائر الاقتصادية, والتصدعات السياسية, والتداعيات النفسية والمعنوية للكيان الصهيوني جراء ما حصل ليلة الرابع عشر من نيسان-ابريل الجاري, فإن عددا من كبار الساسة والمسؤولين في حكومة بنيامين نتنياهو لم يتمكنوا من اخفاء قلقهم الكبير حيال التهديدات الوجودية الحقيقية لكيانهم بعد خمسة وسبعين عاما من تأسيسه.

   في قبال ذلك, أثبتت إيران أنها لاعبا مؤثرا وفاعلا وقويا, وتمتلك القدرة على توجيه مسارات الأمور والإمساك بزمام المبادرة, وفرض خيارات الردع المناسبة في المكان والزمان المناسبين، واكبر واوضح وابلغ دليل على ذلك، هو ان كل حلفاء واصدقاء الكيان الصهيوني، اكتفوا بدعم واسناد محدود ومقيد له، وتجنبوا توسيع ميادين المواجهة لصالحه، لادراكهم ما يمكن ان يترتب عليه ممثل ذلك الاجراء من تبعات وانعكاسات سلبية خطيرة عليهم، ارتباطا بمكانة ايران وعوامل وادوات قوتها من جانب، والمصالح السياسية والاقتصادية والامنية المتشابكة معها، فضلا عن طبيعة تحالفاتها الدولية مع لاعببين كبار ومؤثرين مثل روسيا والصين، وكذلك محوريتها وادارتها لجبهة المقاومة الممتدة من لبنان مرورا باليمن وفلسطين وسوريا والعراق، وربما مساحات وميادين اخرى.  

   الامر الاخر، او الحقيقة الاخرى، تتمثل في ان ايران خاضت نوعا جديد من الحروب يمكن تسميته ب”الحرب النوعية”، التي تتميز بأنها سريعة وخاطفة وتعتمد على التقنيات العلمية والتكنولوجية المتطورة مع العنصر البشري النوعي القليل، دون الحاجة الى اعداد كبيرة من القطعات العسكرية، وتجنب اكبر قدر من الخسائر البشرية وكذلك المادية.

   قد يبدو للبعض ان الخسائر التي تكبدها الكيان الصهيوني، لاتتناسب مع العدد الكبير للطائرات المسيّرة والصواريخ التي اطلقتها ايران باتجاهه، وهذا امر طبيعي لم ينظر الى صورة الحدث نظرة اجمالية عابرة دون التعمق بالتفاصيل والجزئيات، والاحاطة بجملة من القضايا الفنية التي قد لايفهمهما بشكل دقيق الا المتخصصون، فضلا عن ذلك فأن بعضا من المعطيات تتطلب مزيدا من الوقت لتتكشف وتتوضح لعموم الرأي العام، ومع ذلك فان ما تحدثت به وسائل الاعلام الاسرائيلية والاميركية والغربية عن الخسائر المادية التي تكبدها الكيان الصهيوني لصد الضربات الايرانية والتقليل من اثارها، بلغت ارقاما صادمة، تجاوزت المليار دولار في غضون ساعات قلائل، ناهيك عن الاضطرابات والاهتزازات السياسية والامنية والنفسية الهائلة التي عاشها الكيان قبل وبعد الضربات.

   ليس هذا فحسب، بل ان القيود والحواجز التي كسرتها ايران، والتصورات والانطباعات المترسخة طيلة عقود من الزمن عن اسرائيل التي لاتهزم وهي المدعومة بقوة من الولايات المتحدة الاميركية والعالم الغربي، والمحاطة بأنظمة سياسية عربية خانعة وخاضعة وذليلة ومنهزمة. اكدت انها-اي ايران-تمثل رقما صعبا للغاية لايساهم في صياغة المعادلات والتوازنات الاقليمية، بل انه هو الذي يحدد سيرها ومساراتها. واليوم فأن الكيان الصهيوني اذا قرر ان يرد، فانه لابد له ان يفكر الف مرة قبل ان يقدم على اي خطوة، ولاشك انه حينما تحثه الدول السبع الكبرى على تجنب الرد، فهذا ليس حبا بايران او حرصا عليها، وانما خوفا من ردود افعالها الانتقامية، وهي نفس تقديرات بعض الدول العربية التي ترتبط بعلاقات وطيدة مع تل ابيب، الا انها حرصت على ان تبقى بمنأى عن ساحة المواجهة المباشرة بين الطرفين، لانها تعرف وتدرك تماما حجم وتأثير ايران، فضلا عن مصالحها الكبيرة معها.

   وارتباطا بقوة ايران وتأثيرها، واتضاح ذلك بدرجة اكبر بعد ضرباتها النوعية الانتقامية للكيان الصهيوني ردا على قصفه القنصلية الايرانية في العاصمة السورية دمشق قبل اسبوعين. فأن قوة وتأثير محور-او جبهة- المقاومة ستتنامى وتتسع، لتساهم بطريقة او باخرى في بلورة وصياغة الحقائق والمعادلات الجديدة في المنطقة.

  وكل ذلك، من الطبيعي والمنطقي ان ينعكس وينسحب في تأثيراته واسقاطاته على علاقات طهران بمحيطها الاقليمي والفضاء الدولي، ولابد ان يحرك ملفها النووي بايقاع ومسار مختلف، ولابد ان يحلحل الملفات الاقليمية الشائكة، ولابد ان يرغم الكثير من الاطراف على اعادة ترتيب اوراقها، ومراجعة مواقفها، وتصحيح او تعديل حساباتها.

أحدث المقالات

أحدث المقالات