18 ديسمبر، 2024 11:46 م

منذ الأيام الأولى التي وطأت بها أقدام آدم وحواء وذرّيّتهما تراب هذه الأرض كان هناك صراع من اجل السلطة والحكومة وتمثل الصراع الأول على الرغبة في السلطة والطمع في الحكومة بقتل هابيل لأخيه قابيل 0

ومنذ ذلك اليوم كانت هناك مسلَّمةٌ لا ينكرها إنسان رافقت الحياة البشرية وهي أنَّ الحاكم او الحكومة لايرضيان أن ينازعهما خصم على مواقع السلطة وإلاّ كان مصيره التلف من طريق التصفية الجسدية لأزاحته من طريقهما في ممارسة مقتضيات الأدارة والسياسة 0

ومنذ أنْ بلغتُ أنا عمر الشباب في سبعينيات القرن الماضي عاصرت أخبار حكومات العالم وخاصة الكبرى منها فوجدت أنَّ حكومات هذه الدول لا تترك معارضا لها على قيد الحياة وتلاحقه أينما كان حتى تتمكن من تصفيته جسديا ومن هذه الحكومات حكومات بلاد القوقاز (الروس) 0

وأستشهد بعملية اغتيال معارض روسي في السبعينيات أيَّام الاتحاد السوفيتي يوم كان رئيس مجلس السوفيت الأعلى (ليونيد بريجينيف ) حيث كان هناك معارضاً للحكومة الروسية يقيم في امريكا وقد أزعج وأغضب حكومة الكرملن بمواقفه وتصريحاته المعادية لها ، 0

وسأقوم بسردها اعتمادًا على ما تسعفني به ذاكرتي مما يتعلق بها من تداعيات لأنني كنت معاصرا لها ولغيرها من مظاهر وتداعيات واقعية والتي كانت من افرازات ما سمي َّ في ذلك الوقت بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي التي اعقبت احداث الحرب العالمية الثانية 0

 لقد قرّر مسؤولوا ( الدوما ) التخلص من هذا المعارض من طريق القيام باغتياله ووضعوا خطة لذلك وهيئوا السلاح وانتدبوا رجلاً من جهاز المخابرات الروسية لتنفيذ عملية الأغتيال في داخل الأراضي الامريكية 0

ذهب هذا الرجل المكلف الى أمريكا واخذ بمراقبة هذا المعارض وكان سلاحه مِظلَّة مَطَريَّة كان طرف العصا الحاملة لها الذي يقع فوق نسيج المظلة مصنوعًا من انبوب معدني دقيق ومصمَّم على شكل حقنة وفي داخله سمٌّ 0

 وشرع بتنفيذ عملية الاغتيال على النحو التالي كان يحمل المظلة بيده من طرف المقبض واضعا إيَّاها فوق رأسه وعندما تلاقى على الطريق مع المعارض وجهاً لوجه تظاهر بأنّه تعثر وطعنه بالراس المعدني المدبب فدخل السم في جسمه وعندما نهض من عثرته اعتذر من الرجل الخصم وواصل كل منهما طريقه    0

غير اّنَّه بعد فترة من الزمن شعر الرجل الخصم بألم في صدره فراجع الجهات الصحية في أمريكا فتبين بعد الفحص أنّه تعرض الى حالة تسمم وتدخلت الجهات الأمنية والمخابرات الأمريكية فتبيَّن بعد التحقيق أن الرجل تعرض الى عملية اغتيال بهذا الطريقة وفي حينها اتهمت الأدارة الأمريكية مخابراتها حكومة الأتحاد السوفيتي باغتياله وحصلت ضجة كبيرة بين الدولتين0

هذه مقدمة تكاد تكون طويلة بعض الشيء اردت منها أنْ تكون خلفية انطلق منها في تحليل عملية مقتل قائد مجموعة فاغنر العسكرية الروسية يفيغيني بريغوجين والذي شكل مقتله حالة من الصدمة والشك والريبة وسط غموض شديد يلف الحادثة وتكهنات من البعض ومزاعم من البعض الآخر0

وكل ذلك بشأن احتمال اغتياله، وبالمحصلة النهائية تعددت الروايات المتعلقة بتحطم الطائرة التي كانت تقله و6من افراد مجموعته  و3 هم طاقم الطائرة من بينهم المضيفة كريستينا راسبوبوفا وحصل الحادث شمالي العاصمة الروسية موسكو.

لقد أثارت الشك تدوينة المضيفة التي أرسلتها الى ذويها قبل اقلاع الطائرة والتي أشارت فيها الى أنَّ الطائرة فيها أعطال وهي بحاجة الى صيانة ويبدو انه ليس هناك من عطل في الطائرة ولكن كانوا بحاجة الى بعض الوقت  لغرض زرع المتفجرات في بدن الطائرة  وهو أمر رجحته كثير من الاوساط التي اهتمت بالحادث المأساوي وتابعته 0

وقد عزَّزت مصادرغربية الشك في أنَّ سقوط الطائرة واحتراقها ومقتل جميع من كان على متنها حيث روجت لذلك عبر تقارير فيها مقطع فيديو سابقا لبوتين يقول فيه إنه “لا يتسامح مع الخيانة”، وربطته مع حادث تحطم طائرة بريغوجين، الذي كان قد قاد تمرّدًا فاشلا ضد الكرملين في يونيو الماضي 0

وأستطيع القول أنَّ المسؤولين بشكل عام  من الروس ومن غيرهم يقومون بتصفية حتى الأشخاص الذين لا يلائمون مزاجهم حتى وأنْ كان لا يشكل ادنى خطر على سلطته ومن ذلك :- رئيس مجلس السوفيت الأعلى السابق استالين الذي امر ان يؤتى له بمتخصص بالفكر الشيوعي ليلقي عليه محاضرات متعلقة بهذا الفكر وطروحاته الفلسفية والأقتصادية والصراع الطبقي0

 فانتدب له الحزب الشيوعي الروسي اكثر الرجال معرفة بنتاج كارل ماركس النظري والفكري واعمقهم له فهما وبقي الرجل ثلاث سنوات ياتي الى ستالين ويلقي عليه محاضرة 0

وذات يوم ارسل استالين في طلب هذا الرجل المسكين ولما حضر قال له وبغضب : مضى عليك 3 سنوات وانت تلقي عليَّ محاضرات تخص ( هذا الخرة وهذه الزبالة ) وتقول ( هذا فكر نير وعلم متطور) وأمر باعدامه فاعدم 0

لذا كان الأمر يستدعي من قائد فاغنر بيغوجين لأن يأخذ الحيطة والحذرعلى حياته كونه أغضب الحكومة الروسية وعلى رأسها الرئيس بوتين في تمرده في يونيو0

 وأن يكون دقيقا في ذلك الحذر وأن يتوجس الخيفة في نفسه على حياته خصوصاً وأن خصمه حكومة قوية لديها امكانيات هائلة وطرق مختلفة في تصفية خصومها 0

ويبادر الى وضع برنامج او خطة لتحركاته اوعندما يصعد طائرة او سيارة او غير ذلك خصوصا وأنَّه يقود مجموعة قتالية خلفت وراءها الكثير من الضحايا في العديد من دول العالم التي قاتلت فيها الى جانب بعض الأطراف المتصارعة هناك لذلك فهو مستهدف من قبل عديد اطراف حكومة ومدنية داخل روسيا وخارجها قد اصابها منه ضرر ما 0

فضلا عن ذلك فأن يفغيني بريغوجين قد يكون ضحية عملية اغتيال دبرها له فلاديميربوتين انتقاماً منه لأنَّه قاد تمردأ مسلحاً شكَّل خطرأ كبيرأ في حينه على القيادة السياسية والعسكرية الروسية وذلك قبل شهرين والبلاد في حالة حرب ضروس مع دولة اوكرانيا 0

ومن الجدير بالذكر أن أٌقول من قلة التدبير وضعف الحيلة وتهاوي الأدراك وعصيان حكم العقل من قبل أيِّ إنسان مستهدف بأيَّ شكل من اشكال الأستهداف أن يأخذه ألأمان من حاكم بينهما عداوة ونزاع على السلطة 0

وبسبب ذلك يضمر له الانتقام ويتحين الفرص للأيقاع به وهذا هو الفخ القاتل الذي وقع فيه يفغيني بيغوجين بعد ان علقت به مخالب بوتين 0

 كان بوتين قد وصف بيغوجين بأنه «خائن» خلال تمرد فاغنر يومي 23 و24 حزيران/يونيو الماضي والذي ذكرته قبل قليل0

 وقال أيضا عنه منددا بسلوكه : – وارتكب أخطاءً جسيمة في حياته وبهذا التوصيف يكون بيغوجين هو الضحية وبوتين هو الجلاد وذلك على سبيل الشك الشكلي وليس على سبيل اليقين 0