كثيرة هي الحوادث بزماننا هذا التي أصبحت من المسلمات ، بل من البديهيات أن يتصرف أصحاب القرار السياسي على المستوى الدولي أو الإقليمي أو المحلي ، وحسب ما يعتقدون أنهم يستغفلون الشعوب والأمم ، ويعاملونهم كالخراف ، حينما يستغلون الأعلام وأنظمة الاستخبارات بالتصرف مع أكاذيب هي بالأساس تكون مكشوفة بواطنها وخلفياتها منذ لحظة ولادتها ، مكشوفة لأصحاب العقول النيرة والمختصين والمتابعين ، ولكنها تنطلي مرحلياً على العامة من اللذين يتأثرون بسرعة مما يتلقونه طائعين ، نتيجة لدوافع مختلفة ، ولكن بعضهم يكتشف الحقيقة متأخراُ فيخبأ رأسه بالرمال حتى لا يقر بالحقيقة أمام من أراد تنبيهه وإرشاده .
منظمة القاعدة ، وما نتج من أفراخها حتى وصلنا لحفيدتها داعش ، والنصرة ، والجبهة الإسلامية ، وعناوين أخرى عديدة ، تستخدم الإسلام عنوان لها ، هي صناعة أمريكية صهيونية بامتياز ، تكلف أل سعود ومشايخ الخليج لدعمها مالياً حتى قوى عودها ، فعاد الأعلام الأمريكي الأوربي المتصهين بإعادة أخراج الأمر على أنه الإسلام المتشدد ، وتم استخدام مصطلح ( الإرهاب ) المأخوذ من أعظم الآيات القرئانية ن من أجل تدنيس هذا الاسم وربطة بعمليات القتل والتفجير وإزهاق الأرواح البريئة ، فأصبح المصطلح مكروهاً يدل على ما وضحناه وأكثر .
تغيير النظام الديكتاتوري بالعراق وإحلال بدلاً عنه نظام ديمقراطي ، ونشر الحرية ، والأرتقاع بحياة الشعب العراقي إلى أفضل الحالات ، هو عنوان جميل ومبهر ، ولكن ماذا حدث ؟ تم المجيء بحثالات السراق واللصوص والقتلة ، من أصقاع الأرض وسلموهم العراق وأعطوهم الضوء الأخضر ليفعلوا ما يشاءون ، مقابل أن يتركوا مشروع بايدن يمر ، ويتم ترسيخه واعتباره أمراً واقعاً يسعى له الناس ويطالبون بتطبيقه تحت عناوين شتى ، أولها وأهمها تطبيق النظام الفيدرالي أو نظام ما يسمى ( الأقاليم ) وعصابات البرزاني نموذجاً .
فسُرقت أموال العراق وآثاره وسعرت الطائفية وكان أوجها سنتي 2006-2007 وبقيت آثارها إلى يومنا هذا ، بل ألأدهى من ذلك ، حينما أصبح لهؤلاء اللصوص والقتلة أنصاراً ومؤيدين ، ومنتفعين يدافعون عنهم ويمنحونهم الأصوات في كل انتخابات تحدث .
تم تشكيل الصحوات ، حينما هبطت مروحية المجرم جوج بوش الابن في محافظة الأنبار وجلس في قاعدة عين الأسد ليقابل زعيم العملاء المحليين أبو ريشة ليبرم معه أتفاق واضح بأن تتحول مجاميع القاعدة المنتشرة بأرض الأنبار ونينوى وصلاح الدين إلى صحوات تقاتل من يرفض الانضمام إلى التجمع الجديد ، وستحصل تلك الصحوات على دعم ورعاية أمريكية كاملة , وحماية حكومية عراقية بأمر الأمريكان ، مع الاستفادة من الرواتب والمكافئات التي تدفع من خزينة الدولة العراقية ، وهذا ما حدث ، وحينما انتهى دورهم الأساسي ، أصبحت الصحوات مشروع للقتل والمطاردة من قبل أنصار نوري المالكي وإيران ولا تزال.
أسس نوري المالكي مجالس الإسناد ليستقطب رؤساء العشائر وما يتبعهم ، ويمنحهم الرواتب وهدايا من المسدسات الشخصية وامتيازات عديدة ، فأستغل أصواتهم الانتخابية ، واستخدمهم
بأسوأ الصور بأمور متعددة ، وحينما برزت القاعدة بعنوان جديد أسمه داعش ، لم نجد جيشاً عقائدياً يواجهها ، ولم نعلم أين ذهبت مليارات الدولارات التي أنفقت بصفقات الأسلحة وعشرات الآلاف من المتطوعين بهذا الجيش ، ليخرج علينا نوري المالكي بعنوان جديد ، أسمه الحشد الشعبي ، ويصرح بعد ذلك ومن دون خجل ، ليقول ( لولا قوات الحشد الشعبي لأحتل العراق ) ولو حاول أي شخص التدقيق بالعناوين الكثيرة والمتنوعة لتشكيلات الحشد الشعبي ، فستجدها عناوين عديدة ، لأسلوب واحد والغالبية العظمى منها مرتبط ويعمل تحت أمرة التوجيهات الإيرانية ، وهذا ليس سر ، فهؤلاء يضعون اللوحات والافتتات التي تملئ شوارع بغداد والمحافظات ، وهي تتضمن صور الخميني والخامنئي وأشخاص إيرانيون قد لقوا حتفهم بالمعارك بالعراق ، وقد يسأل سائل ، لماذا يضطر الإيرانيين إلى تأسيس عدة منظمات بدلاً من منظمة واحدة تكون مركزية يمكن التحكم بها وتوجيهها بسهولة ، الجواب لأن الإيرانيون قد فهموا شخصية الإنسان العراقي جيداً ، واكتشفوا أن أهم ما يميز شخصية الإنسان العراقي ، هو حبه وحرصه على تولي القيادة وإصداره للأوامر ، وحبه وحرصه على نشر آرائه ، فلم يجدوا بداً من زيادة عدد التشكيلات ، كي يتم أقناع أكثر عدد من الأشخاص اللذين سيرضون ذاتهم ، مقابل الولاء للطرف المسيطر والداعم لهم .
الضحك على الذقون أصبح ثقافة مكشوفة ، ولكن يعمل بها ، في أماكن عديدة من العالم ، وبالأمس حينما تم ذبح الرهينة الياباني الثاني ، تسابق زعماء العالم لتوجيه الإدانات وإصدار الدعوات لمحاربة ( الإرهاب ) ، وجميعهم يعلمون مما لا يدع مجالاً للشك ، أن ما يسمونه بالإرهاب هو من صناعتهم وهم من يتحكمون بمفاصله على الدوام ، ويسخرونه حسب مصالحهم ومتطلباتهم ، ولكنهم يضحكون على ذقون الشعوب التي رضيت بأن تظل مستغفلة إلى حد النخاع .