22 ديسمبر، 2024 7:54 م

الصين وامريكا: صراع بارد بطريقتين مختلفتين

الصين وامريكا: صراع بارد بطريقتين مختلفتين

في ظل التوتر غير المسبوق بين الولايات المتحدة الامريكية والصين؛ تعددت وتنوعت التحليلات السياسية، وبالذات من الكتاب والمحللين الروس واخرين من جوانب المعمورة الاربع، والتي، مفادها او جوهرها؛ ينحصر بان هذا التوتر سوف يقود في نهاية المطاف الى الحرب بين الجانبين. قسم من هذه التحليلات ذهب الى ان الصين ستكون مجبرة على الدخول في حرب مع الولايات المتحدة الامريكية، حين يتم محاصرتها من قبل امريكا وهنا، أن هذه التحليلات، اعتمدت على فرضية؛ ان امريكا سوف تمنع عن الصين الطاقة اي النفط والغاز مما يجعل الصين او يضعها في خانق يؤدي بها في نهاية المطاف الى كسر جدران هذا الخانق بالحرب كما كان وقد حدث في الحرب العالمية الثانية، عندما حاصرت امريكا، اليابان، ومنعت وصول امدادات الطاقة لها؛ مما اجبر اليابان على مهاجمة امريكا.. لكن الوضع الان مع الصين يختلف تماما، الصين ترتبط بعلاقات اقتصادية وتجارية وغيرهما مع الاتحاد الروسي، اضافة الى علاقات التحالف الاخرى مع روسيا، من ابرزها هو خط الانابيب الذي ينقل الطاقة من شرق سيبيريا الاقصى الى البر الصيني، ويجري العمل الان على مد خط انابيب ثاني. ثم ان الصين قادرة على حماية سفنها التجارية او التي تحمل الطاقة اليها؛ لأنها تمتلك من سفن الحرب، سواء على سطح البحر او تحت سطحه، اكثر مما في حيازة امريكا من هذه السفن، على الرغم من ان الاخيرة، تحوز سفنها الحربية على تكنولوجيات عسكرية اكثر تطورا، ان هذا العدد الكبير يشكل عامل حاسم، يقطع الطريق امام اي محاولة امريكية لحصار الصين بحريا. ثم ان اي حصار امريكي بحري على الصين يشكل اعلان حرب، وهذا هو ما لن تجازف امريكا وتقدم عليه؛ لحسابات تتعلق بالنتائج الكارثية على امريكا اولا وعلى العالم ثانيا. في السياق ذاته ذهب اخرون؛ الى ان المزاج السياسي والاجواء جميعها تشبه ما كان وقد حدث وقاد الى اشعال الحرب العالمية الاولى. يبقى اهم هذه التوقعات او التحليلات ما قاله هنري كيسنجر، ثعلب السياسية الامريكية كما كان يُوصِف، حين كان وزيرا للخارجية الامريكية؛ هنري كسنجر لم يقل ان الحرب قادمة لا محال بين العملاقين الاقتصاديين والنوويين؛ ان الذي نبه اليه؛ هو ان تعمل الدولتان على تلافي اي احتكاك قد يقود الى اشعال الحرب بينهما؛ بوضع او الاتفاق أو التفاهمات، على ترتيبات تمنع او تحد من المواجهة العسكرية بينهما والا فان الحرب سيتكون قادمة. في البداية وقبل كل شيء ان لا حرب تحدث بين الدولتين.. ان التناطح البارد أو الصراع البارد بينهما، سوف يستمر ويزداد كلما تقدم الزمن بلا حرب. ان التوتر بين الاثنين، شكل ويشكل بداية لصراع بارد وليس حرب باردة؛ لأن الصراع يختلف تماما عن الحرب الباردة، ففي الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وامريكا، كان هناك، في ظليهما معسكران، وضع بينهما خط احمر وهمي ولكنه مُعرف، ومعلوم يفصل بين المعسكرين؛ جغرافيا وسياسيا وايديولوجيا، لا يسمح لأي منهما بعبوره او تجاوزه، بطريقة التفاهمات الغير معلنة، ولكنها في عين الوقت معلومة لأي منهما. بينما في الصراع الحالي بين الخصمين ليس هناك خط احمر يفصل بين مناطق نفوذيهما، لأنها في الاساس غير موجودة او انها موجودة كمناطق نفوذ لأمريكا بينما الصين ليس لديها حتى الان مناطق نفوذ واضحة ومعلومة، لكنها وفي الوقت ذاته، متغلغلة في اركان كواكب الارض بطريق ناعمة وهادئة ولكنها مؤثرة على صعيد المستقبل اقتصاديا وتجاريا وماليا وتكنولوجيا، وابرزها هو ابتكارها اي الصين للحزام والطريق الذي لا يستثني اي دولة بما فيها دول الاتحاد الاوربي، اضافة الى دخولها في محاور كمحور الصين روسيا، او دخولها كطرف مؤثر واساسي، في أوراسيا، ومنظمة شنغهاي. هذا لا يلغي، او، لا ينفي؛ ان الوضع الحالي بين العملاقين، يشبه الى حد كبير ما كان عليه الوضع بين الاتحاد السوفيتي، والمعسكر الاشتراكي من جهة ومن الجهة الثانية، امريكا والمعسكر الرأسمالي. لكن، في المقابل او في الجانب الثاني، الصراع البارد بين الصين وامريكا، لا يشبه الحرب الباردة بين امريكا والاتحاد السوفيتي لجهة القدرة على الصمود والتطور والتدافع بين الخصمين على مسارات النفوذ، بطريقين مختلفين؛ للسببين التالين؛ -الصين لا تعمل ابدا على تصدير ايديولوجيتها..- كما انها مصنع دولي؛ يأخذ بناصية تطوير المنتج كما ونوعا، شكلا وتقنيا بما يلبي حاجة الذائقة في الاسواق العالمية، هذا اولا وثانيا وهو الاهم؛ يوفر هذا المصنع الصيني، في المنتج؛ اخر تقنيات المعرفة الرقمية.. مما أدى بالصين الى الثراء، وتوفير فرص العمل وبالنتيجة؛ التطور الحضاري لشعوب الصين، والسلم الاهلي والاستقرار، بينما كان الوضع في الاتحاد السوفيتي،على النقيض تماما من كل هذا. كما ان الوضع بين الدولتين وكذلك الوضع الدولي في الوقت الحاضر؛ لا يشبه الوضع بين الدولتين، ولا الوضع الدولي، في السنوات التي سبقت الحرب الكونية الاولى؛ أذ، لم تكن هناك ترسانة نووية لدى الدول التي دخلت الحرب العالمية الاولى، كما ان الصراع في ذلك الحين على مناطق النفوذ، يختلف كليا عن صراع القوى الكبرى والعظمى في الوقت الحاضر. ان الصراع البارد بين الصين وامريكا سوف يكون او ان مركز ثقله سيكون في المحيط الهندي والهاديء، اضافة الى صراعهما في المناطق الاخرى في الكرة الارضية، بطريقتين مختلفتين كما اسلفنا القول فيه، في الذي سبق من هذه السطور. بناءا عليه، تحاول الولايات المتحدة، بناء تحالفات أو محاور، لمحاصرة ليس الصين فقط بل الصين وروسيا، في أوراسيا، وفي المحيط الهندي والهاديء؛ كما جرى اخيرا في طوكيو، من اجتماع وزراء خارجية اليابان وامريكا والهند واستراليا، لتأسيس محور بين الدول انفة الذكر، لحماية مصالحهما في المنطقة سابقة الاشارة. بعد حين ربما يطول قليلا هذا الحين، من هذا المسار من الصراع، وتجنبا للصدامات غير المرغوب فيها، وحتى لا تقود الى الحرب او الحروب بين القوى الدولية الكبرى وبالذات بين الصين وامريكا سوف يصار الى اعادة تشكيل النظام الكوني على اسس جديدة في المقبل من الزمن وهو ليس بعيد من الأن؛ لتنظيم الصراع البارد بين الخصمين، بالإضافة الى الخصوم الاخرين الذين، سيصطفون مع او ضد احد هذين الخصمين، بطريقة تختلف كليا عن ما جرى في الحرب الباردة في القرن المنصرم. عليه؛ لابد للخصمين ان يتفقا ضمنيا اي تفاهمات ضمنية من خلال مجسات او متحسسات الخطورة الكارثية ان لم يتفهما ضمنيا عليها، بالشكل الذي ينظم مخرجات هذا الصراع. ان هذه التفاهمات الضمنية سوف تحدث من دون الاتفاق عليها او مناقشتها، انما الواقع والحقائق التي سوت تظهر على سطح الاحداث مستقبلا هي من تجبرهما وبالذات الولايات المتحدة على الأخذ بهذه التفاهمات بلا مناقشتها او وضع محددات لها، انما الواقع الذي سوف يتحرك على الارض او ان المصالح وتصادمها هي من تضع امام صانع القرار في الدولتين؛ هذه التفاهمات، وهذا هو ما قصده تحديدا هنري كيسنجر..