عندما شرفني الدكتور طه جزاع باهداء كتابه الموسوم ” الصين مخالب التنين الناعمة ” لم اتوقع وانا اقرأه ان اخرج بحصيلة غزيرة من المعلومات العميقة والغنية عن تجربة لا ابالغ اذا قلت فريدة من نوعها عن تجربة صينية تجسد ما يمكن ان تصنعه الارادة والتصميم لبلد استطاع شعبه بعد سبات طويل ان ينهض ويتقدم ليكون منافساً بل نداً للولايات المتحدة الاميركية بما تمثله من قوة سياسية واقتصادية وعسكرية ليتأهل ( التنين ) الذي نوم لقرون ليكون قطبا اخر في العالم يقض مضاجع قادة القطب الاميركي الواحد بعد انهيار المعسكر الاشنراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي في 1991 . من هنا جاء عنوان مقالي ” الصين مخالب التنين الناعمة ” درس كبير .. فكتاب الدكتور طه جزاع يمنحنا فرصة الاطلاع على الظروف والمراجل التي مرت بالصين تاريخياُ وسياسيا واجتماعياً باسلوبه الشيق والرصين الذي تميز به .. الكتاب من مقدمته التي كتبها الدكتور عبد الحسين شعبان والتمهيد الى عناوينه الرئيسية الـ 18 والفرعية ال 78 قراءة موضوعية وعلمية لتجربة صينية لها خصوصياتها المرتبطة بارثها الحضاري القديم وتقاليد سكانها وانظمة الحكم التي مرت عليها في مختلف العصوروتحولها الى دولة شيوعية ثم انفتاحها بعد موت الزعيم ما وتسي تونغ الى اشتراكية يصفها البعض الاشتراكية الراسمالية لتواكب عصر السباق التكنولوجي والعلمي المتسارع في العالم .. من دون ان يغفل الكاتب موضوع كورونا والاتهامات المتبادلة بين الصين واميركا بشأن مصدره ..ف ( التنين الاكبر يقدم وصفة لقمع الانسان ) بعد انتشار وباء كوفيد 19 في اميركا واوربا هذه الدول التي وضعت قيوداً على حرية تنقل الناس وقيدت ممارساتهم الاجتماعية . الكتاب ليس تاريخيا لكنه يعطي القاري فرصة الاطلاع على تاريخ الصين وتقاليد سكانها وطريق الحرير وعلاقة العرب القديمة بهذا البلد ووجبات الافاعي وادمغة القرود والفلسفة الصينية وتشابه التاوية الصينية مع النزعة الصوفية وكونفوشيوس ، كما يلخص تجربة صراعها مع المحتلين خاصة البريطانيين الذين تعمدوا نشر الافيون بين سكانها ومراحل سياسية مرت على هذه البلاد حيث تحولت من امبراطورية الى جمهورية بمفاهيم قومية ثم الى الشيوعية عنجما اعلن ماو تسي تونغ قيام جمهورية الصين الشعبية في تشرين اول من عام 1949 وما خلفته الثورة الثقافية من تداعيات تم تجاوزها وتجاوز التمسك الحرفي بالافكار الماركسية اللينية الماوية ان صح التعبير لتمسك بزمام النهضة والانفتاح الاقتصادي لتغزو ببضاعتها العالم كله بما فيه قلعة الراسمالية اميركا .. الدكتور طه جزاع الذي لم يزر الصين استطاع بنجاح ان يقدم صورة حية عن هذا البلد معززاً ارائه باقتباسات واراء شخصيات سياسية واعلامية مهمة بدءً من برتراند رسل وانتهاء بالمفكر جورج طرابيشي مرورا بهادي العلوي وجلال الحنفي من دون ان يقوتنا ما قاله هنري كيسنغر وهيلاري كلنتون عن الصين واثر اول زيارة يقوم بها رئيس اميركي الى الصين ..
اخيراً لادعي هنا اننا اوفيت الكتاب حقه كما ان ما قدمته ليس استعراضا لما جاء فيه لان ذلك يحتاج الى اكثر من مقال ، غير انني ومن دون محاباة ومجاملة للزميل الكاتب وبموضوعية اعتقد انه كتاب يجدر قراءاته بعناية خاصة لنا نحن العرب سياسيين ومواطنين لنستخلص العبر والدروس عن نظام لم يعترف به العالم مدة ثلاثين عاما غير انه استطاع بالصبر والارادة والعودة الى جذوره والحكمة بان يأخذ مكانه الذي يستحقه في عالم كبير لامكان فيه الا لمن يعرف اصول السياق والتنافس العلمي والتكنولوجي الذي من دونه تبقى اية دولة تعيش على الهامش ..