تناقلت وكالات الأنباء على لسان سمو أمير البلاد عن توقيع اتفاق كويتي – صيني باستثمارات صينية بعد تأجير جزيرتي فيلكا وبوبيان لمدة تسع وتسعون عام بمبلغ (450) أربعمائة وخمسون مليون دولار في بناء فنادق ومنتجعات ومكاتب تجارية وبنوك ومستشفيات وجامعات ومدارس على أن تدفع الصين ( 40 ) أربعون مليار دولار لتجعل مدينة الحرير الكويتية المركز المالي الأول في العالم العربي وإلى هنا انتهى الخبر الذي يثير مجموعة من التساؤلات ربما نستطيع النجاح في الوقوف عندها من بينها مثلا لا حصرا عن موقف العراق كدولة مجاور ومتشاطئة مع الكويت وما قد تتأثر سلبا من جراء هكذا اتفاقية أو موقف الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة تراب وحزبه من هذا الاتفاق على اعتبار إن أمريكا ضحت كما تدعي وان كانت قد تحملت دول الخليج العربية والعراق الجزء الأكبر من نفقات حربي الخليج الأولى والثانية المالية ولسنا بحاجة لذكر خسائرها البشرية نتيجة تلك الحروب وما تلاها إذا تجاهلنا من باب الإنسانية ما حصل في العراق على الصعيدين المادي والبشري منذ خمسة عشر عام وستستمر الحالة إلى ما كان عند الله في علم المستقبل .
من المعروف إن إمكانيات دولة الكويت المالية عالية وعالية جدا ومن خلالها تستطيع أن تشتري ما تشاء ابتداءا من البشر كمرتزقة للدفاع عنها إلى أدنى حاجاتها على اعتبار إن إمكانياتها البشرية بلا شك محدودة وقوانينها مسخرة للابتعاد عن إشغال مواطنيها وإبعادهم وهذا حقهم عن كل ما يتعبهم فهم ليسو وهذه ليست سبة عليهم أو انتقاص منهم بقدر كونها حقيقة غير مؤهلين للدفاع عن بلادهم بما يكفي للاشتراك في أي معركة مع دولة قوية بل وحتى مع إحدى دول الخليج التي تعتبر الأضعف في دول المنطقة (باستثناء الإمكانيات المادية) إن اشتعلت نار حرب غير محتملة لا سامح الله ومن حقها أن تؤمن وسائل حماية إضافية لمواطنيها ولأراضيها خصوصا وأنها ربما تشعر بتأنيب الضمير إن وجد لدى قادتها جراء تمددها على العراق واغتصاب أراضيه دون وجه حق رغما عن أنوف أصحاب الأراضي المدنيين بل وحتى اقتطعت جزء من منازل سكان مدينة سفوان التي تحاددها أثناء عملية ترسيم الحدود مقابل صمت حكومي عراقي عدا بعض الكلمات الخجولة التي لم تبتعد في تأثيرها عن مكان الترسيم وابتعدت بها رياح الخليج أو طمرها غبار الرميلة الجنوبية ولها من الحق أي دولة الكويت في التعاون مع أي دولة لتامين ما حصلت عليه كغنيمة لكن الأمر في هذه الحالة سيؤدي إلى خنق كامل لمنفذ العراق المائي الوحيد وبالتالي إخضاع اقتصاد العراق بشكل كامل إلى الإرادة الصينية والإرادة الكويتية وأهل الملاحة الذين لم ينطقوا بكلمة واحدة أكثر مني معرفة في طبيعة جريان المياه في شط العرب وما تأكله المياه من جوانبه وترسبات الغرين فيه بحيث سيصبح بعد سنوات قليلة لا يصلح للملاحة البحرية ومرور البواخر المتوسطة الحمولة بل وحتى الصغيرة .
لقد تهاونت الدبلوماسية العراقية وأجهزة الدولة المعنية سابقا مع إنشاء الكويت لميناء الصباح الذي سيصعب الملاحة الداخلة إلى العراق والخارجة منه في المرة الأولى رغم إن القوانين والأعراف الدولية تمكن العراق من الاعتراض ومنع إنشاء الميناء في مكانه المقترح الذي أقيم عليه وها هي مرة أخرى تتقاعس عن النهوض بدورها الوطني ولاذت بالصمت كعادتها إزاء هذه الاتفاقية المريبة وتجاهلت الخبر أجهزة الإعلام المحلية بقصد أو بدونه وربما لم يمر على مسامع العراقيين الذين يشتعل بلدهم بأزمات لا متناهية تبدأ بما حصل في الانتخابات التشريعية وليس انتهاءا بما يجري من تطور واحتجاجات في اغلب مدن الفرات الأوسط وجنوب البلاد وما بينهما من أزمات كبيرة نتيجة نقص الخدمات والبطالة والاتجاه بخطى سريعة نحو المجهول وما يحمله المستقبل عن شكل الحكومة العراقية المقبلة .
طيب الآن قد يتساءل من يتساءل كيف سمحت الولايات المتحدة الأمريكية بعقد مثل هذه الاتفاقية التي يضن البعض إنها ستفقدها سيطرتها على دولة خليجية مهمة ماليا وتعتبر إحدى بقراتها الحلوب السمان خصوصا في عهد رئيسها الحالي دولاند ترامب ؟
حقيقة لا يختلف معي احد على إن دولة الكويت هي قاعدة عسكرية أمريكية بامتياز وترسانة لأسلحتها المتطورة بل قل ولا تتردد إن الكويت ولايتها الواحد والخمسون ولكنها أي الولايات المتحدة الأمريكية دائما ومن خلال استقراء سريع لتاريخها فانك ستلاحظ أنها لا تدخل مباشرة والاشتباك في حرب وقتال إلا بعد أن تعمل بكل جهدها على إنهاك خصمها على كل الصعد من بعيد باستخدام آليات مساعدة أو أن تدفع إلى إيجاد من يقاتل عنها بالنيابة فهي لن تتخلى عن الكويت لصالح الصين بل ربما والله اعلم هي من دفعت بتخطيط مدروس مسبق إلى عقد هذه الاتفاقية وإغراء الطرفين بها فالصين ستوفر رأس المال الذي يعوض النقص الذي سحبته منها أمريكا وستستقطب الأيدي العاملة الرخيصة في نفس الوقت الذي ستدافع فيه الصين عن محمياتها الجدد الجزر الكويتية إذا ما وصلت الأمور إلى هذه الدرجة المتطورة من الخطورة نتيجة انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاقية النووية مع إيران وما تلاها من حصار اقتصادي جزئي وتهديدات الأخيرة بإغلاق مضيق هرمز وهي لن تصل في تدهورها حد نشوب الحرب لطبيعة العلاقات الطيبة والمتناغمة بين الصين وإيران حتى وان انحازت الكويت في الموقف إلى تأييد حليفتها أمريكا من باب رد الجميل أضف إلى ذلك أنها ستضمن تدفق النفط الخليجي عبر المضيق إذا ما تهورت إيران واندفعت إلى تطبيق تهديداتها بقطعه وهذا غير قابل للتطبيق من جانب ومن جانب آخر فإن الولايات المتحدة الأمريكية تتحاشى الاصطدام بالصين لكثير من الأسباب إذا ما تجاوزنا السبب العسكري وما يترتب عليه من خسائر فان الاستثمارات الصينية في أمريكا قادرة على العبث باقتصادها وربما الدفع بها إلى الهاوية وفي كثير من المواقف تراجعت أمريكا لصالح الصين ولنقل إن ذلك يقع ضمن باب تبادل مصالح الدول العظمى ولكن في هذه الاتفاقية بالذات فان أمريكا هي الرابح الأكبر والمستفيد ضمن مجموعة المستفيدين الثلاث.
وشر البلية ما يضحك كما يقال فقد اجتمع مجلس الأمة الكويتي لتدارس الأوضاع في العراق اثر التظاهرات التي حصلت في المحافظات الجنوبية وأرسلوا لنا مشكورين مساعدات نفطية ومولدات كهربائية فإذا كان الجو غائم في العراق فتحو إخواننا في الكويت مظلاتهم فما المانع أو المعيب أن نتعلم منهم ونتحسب ونحذر ونتدارس اتفاقياتهم ونقدر الضرر الذي يلحق ببلادنا .