23 ديسمبر، 2024 3:25 م

الصولة العبادية لمحاربة الفاسدين شملت الخط الثاني ولم تشمل الحيتان أصحاب الحصانة المدرعة

الصولة العبادية لمحاربة الفاسدين شملت الخط الثاني ولم تشمل الحيتان أصحاب الحصانة المدرعة

غرست البيئة الفاسدة قــوانينها غير المعلنة في فكر العراقيين، وفي العلن الحديث عن الفساد، ليس أكثر من عمليـــة تفـــريغ نفسي في العراق، فيتحدّث المسؤولين العراقيون عن ضياع أكثر من ألف مليار دولار من ثروات العراق، ويشيرون بأصابع الاتهام الى السياسيين والأحزاب ورجال الدين والميليشيات والقادة الأمنيين ومسؤولي الدولة، باعتبارهم الطبقة التي تسيدت المشهد العراقي، فابن فلان الذي كان حتى عام مضى مشغولاً في عمليات النصب على جيرانه لتوفير سكائره، اصبح مليونيرا ويخطب في المنابر دفاعاً عن الوطن والطائفة ضد الفساد الذي ضيّع البلاد والعباد، واخرين سرق أحدهم خمسون مليون دولار في صفقة استغرقت منه اتصالاً هاتفياً، لن يتوانى عن إهداء القنوات الفضائية 4 ملايين منها لأجل ان تصنع منه حامي للمال العام.
وفي مراجعة دؤوبة وتقييم سطحي، لما تضمنته الصولة العبادية، نجد ان السيد العبادي غير مقتنع بان حزمته الإصلاحية ستفعل فعلتها وتنهي السخط الجماهيري وتخترق الحصانات المدرعة للخط الأول لمنظومة الفاسدين، لذا اعتمد السيد العبادي في صولته على زج اسم المرجعية الدينية، واعطائها دورا فعليا واعلاميا في صياغة مضمون الاصلاحات، وبعيدا حتى عن مشاورة رئاسة الجمهورية في تلك الإصلاحات.
وحزمة الاصلاحات لن ولم تهدئ من غليان الشارع العراقي، ولن تكون الحل النهائي، لان الخلل لم يكن في وجود مناصب نواب الرئاسات الثلاث ابدا، وانما في النظام الاداري الفاسد الذي اوجدها؛ بسبب ترهله وانتفاخه بموظفين تجاوز عددهم خمسة ملايين قد لا يعملون أكثر من ساعة واحدة في اليوم، وبدون اصلاحه فان حزمة الاصلاحات، ليست سوى مغالبة والتفاف على المطاليب الحقيقية (كما تم الالتفاف على مطالب المتظاهرين الذين بقوا لأكثر من سنة ونصف)، ولا تتوقف انتفاضة العراقيين ضد احزاب الدين السياسي مطلقا.
وبالتالي فان الغاء هذه الوظائف وترك النظام السياسي والاداري على صيغته الحالية يعني ان حزمة الاصلاحات المقدمة من السيد العبادي تتجاهل اساس المشكلة وتترك جوهر الازمة.
والامر يتطلب من السيد العبادي جرأة (نتمنى ان يمتلكها)، اذ كيف يستطيع معالجة هذا الفساد الهائل المتورم وهو شخصيا دخل الحكومة من الاساس، من بوابة المحاصصة الطائفية-الحزبية؟
ومن يدقق في تصريحات السيد العبادي حول قدرة اصلاحاته على مواجهة هذا الفساد المنتشر عاموديا والمترسخ افقيا، يصل الى نتيجة مفادها؛ ان الخطة المتبعة لمحاربة الفساد المستشري في البلاد مجرد استبعاد لشخصيات سياسية للإطاحة بالخط الثاني من دولة الفساد فقط.
ويشمل الخط الثاني وكلاء الوزراء والمستشارين والمدراء العامين وقادة فرق عسكرية وحلقات إدارية خلّفتها الحكومات السابقة بخاصة في مجلس الوزراء، ومن المنتظر أن تتوسع خطة العبادي في محاربة الفاسدين إلى المحافظين والطاقم المحيط بهم ويعد هذا الخط مركز الفساد والصفقات المشبوهة أكثر مما هو شائع لدى الخط الأول الذي يمثله الوزراء ممن يسعون إلى يكونوا خلف الستار ويعملون خلف الأبواب المغلقة من خلال تفويض الأمر لوكلائهم واخرين، والخط الثاني من المسؤولين مثّل في الغالب الأداة الفعلية لمنظومة الفساد سواء ما تعلق في ملفات تسليح الجيش، وفساد في أغذية البطاقة التموينية، وفي استيرادات الأدوية، ومساعدات النازحين، والسجون، وصفقات النفط، والري، والزراعة، والسياحة الدينية، والمهرجانات، والمؤتمرات أو بعمليات إعادة الإعمار، أو بدعم الميليشيات وتوظيفها في الحصول على عمولات من مختلف الصفقات، وتذكيرا، مناصب الدولة الإدارية والسياسية والعسكرية تخضع للتسعير وفق الأموال التي تدرّها.
ان نادي السياسيين الكــبار هو نفسه نادي أصحاب الأمـــوال الكبار، والشعارات تطرح فيه سواء كانت علمانية او دينية كلما كان مزاج الأموال متاحاً، وحملة د. حيدر العبادي واقع الحال يشير الى انها ستمر كسابقاتها من دون إدانة لحيتان الفساد المالي والإداري في العراق، وما يجري ألان ليس فيه مؤشرات بان الحملة ستنال الخط الأول بالفساد، وكجزء من اللعبة السياسية الفاسدة في العراق، ستكون هناك حملات إعلامية وسياسية لذر الرماد في العيون، ونادي كبار سراق الأموال العراقية يغرق يوميا في الحضيض من المفاسد التي وصلت إلى تنفيذ أفعال ترقى إلى مستوى الجريمة المنظمة في القتل والتصفيات وتزوير الحقائق والدوس على القوانين الشخصية والعامة للمواطن العراقي.
وعلى هذا الأساس تنتابنا المخاوف من أن تكون حملة السيد العبادي لا تعدو كونها عملا تكتيكيا ظرفيا من قبل شخصيات تمتلك الكثير من النفوذ السياسي والمالي، ويستند كثير منها إلى ميليشيات مسلّحة لا يستبعد أن تستخدمها لضرب مسار الإصلاح والنجاة من المحاسبة ومن خسارة المكانة والنفوذ.
ويزداد الامر صعوبة للسيد العبادي في محاربة الخط الأول للفاسدين، بخاصة ان غالبية طبقة الأحزاب والسياسيين الفاعلين هي المستثمر الوحيد في كل المشروعات الفاسدة التي انطلقت منذ 2003 وحتى اليوم، حتى لو كانت تقف خلف واجهات شركات محلية أحياناً، أو دولية أحياناً أخرى، وهذه الشخصيات السياسية والحزبية المتورّطة في قضايا فساد، تعتبر الامر بالنسبة لها(بمثابة قضية حياة أو موت سياسي)، وإنها بالنظر إلى ذلك ليست بوارد الاستسلام وستكون مضطرة للقتال إلى آخر رمق، للنجاة من المحاسبة؛ وما يعزز هذا الرأي؛ أنّ د. حيدر العبادي على بيّنة تامة بالمخاطر التي تتربّص بالمسار الإصلاحي الذي يحاول إطلاقه، وتجسد ذلك، عندما قال: إثر إقرار البرلمان لحزمة إصلاحاته (أعاهدكم على مواصلة طريق الإصلاح وإن كلفني ذلك حياتي) وعاد العبادي مرة اخرى ليؤكّد أن (المسيرة لن تكون سهلة وإنما مؤلمة والفاسدون وأصحاب الامتيازات لن يسكتوا)، في كلمة له بمناسبة الاحتفال بيوم الشباب العالمي.
فالمال العام نُهب ويُنهب، والحرامية يرتدون البدلات الرسمية والعمامات والأزياء العسكرية، بل ان الخط الأول للفساد حًولَ داعش، الى مشروع فساد هائل، فعناصر داعش عقدوا صفقات واستلموا حصصاً مالية من السياسيين والعسكريين والشركات المحلية والأجنبية والمنظمات الدولية، وأصابع تنظيم داعش الإرهابي ممتدة في شبكات تبادل المصالح والأموال مع من يحاربه في الميادين والمنابر اليوم.
ان بيئة الفساد الممتدة، الى حملة استعادة الدولة المحافظات من داعش، انتجت بدورها مشروعات نهب جديدة، كأن يتنافس سياسيون شيعة في الإعلان عن مجموعات وهمية من (الحشد الشعبي)، بغرض الحصول على الأسلحة والمرتبات، أو يتبارى سياسيون سنّة في الحصول على أسلحة للحرب على (داعش)، فيبيعونها الى (داعش) ومن يقوم بذلك هم رؤوس حيتان الفساد المالي والإداري في العراق التي تمتلك حصانة مدرعة، تتعايش وتستفيد من تمرير الصفقات، وتتشارك بالاستفادة من ريع أموال الفساد العام.
ان مشاركة الدكتور العبادي في اجتماع ائتلاف دولة القانون في 12/8/2015 يثير الريب والمخاوف أزاء خطة العبادي لملاحقة الفاسدين، ويضع العديد من علامات الاستفهام في طريق الإصلاحات المزعومة.
وما يعزز مخاوفنا ان مجلس النواب لم يكن ناطقا باسم الشعب خلال السنوات الماضية بل ناطقا بإسم الأحزاب الحاكمة، لذا لم يجرأ على محاسبة نائب أو وزير من الحزب الحاكم.  .
وخلال السنوات الماضية سمعنا تصريحات عديدة من هيئة النزاهة ولجنة النزاهة البرلمانية وقرأنا خطب لقيادات حكومية عن إحالة عشرات الملفات الخاصة بالفساد الى القضاء، ولكن لم يحال للقضاء سوى أسماك صغيرة، أما حيتان الفساد فهم يسبحون مع التيار، ومنهم من غادر مياهنا الإقليمية الى المياه الدولية مع الملايين من الدولارات، ولم تكشف هيئة النزاهة الفاشلة أسماء الخط الأول من الفاسدين طوال عملها بل بالإعداد فقط! وإن كشفت عن أسماء فهي قليلة، وبعد مغادرتهم العراق؛ كونها تعمل وفق إرادة الأحزاب والكتل السياسية.
ونقول: إذا كان مجلس النواب ومجلس الوزراء وكافة الكتل والأحزاب السياسية ومرجعية النجف مع شرعية التظاهرات، إذن التظاهرات ضد من؟ هل الشعب يتظاهر ضد نفسه؟ حتما تظاهراته لها موجبات عديدة.
ان الشعب الذي يشهد الفساد الحكومي والنيابي خلال أكثر من عشر سنوات، ويرى ثرواته تُنهب أمامه ولا يحركك ساكنا لا يستحق شرف المواطنة ولا الانتماء للوطن (فكيفما تكونوا يولى عليكم)، لذا على الشعب الاستمرار في تظاهراته لأجل تصحيح المسار والثائر لشرف المواطنة والانتماء للوطن الذي هتكته هذه الأحزاب والقيادات السياسية والدينية الفاسدة.
ان خيارات السيد العبادي باتت محدودة، وحزمته الإصلاحية ومجلس النواب لا تمس جوهر المشكلة اساسا.
وأخيرا اترك للمتظاهرين الاجلاء؛ تدقيق هذا التصريح ووضعه في مجاله الصحيح؛ قال رئيس الاركان العامة للقوات المسلحة الايرانية اللواء حسن فيروز آبادي في تصريحات نشرتها وسائل إعلام إيرانية في 10/8/2015 ” إن فئات غير مسلمة تقود التظاهرات الشعبية الحاصلة في مدن العراق لأثبات عدم كفاءة الحكومة العراقية بأسباب مصطنعة، وعلى الشعب العراقي الابي سواء الشيعة او السنة الحذر، اذ ان حدوث بعض النواقص المصطنعة والدعوة لتظاهرات بتحريك من بعض الفئات الخاصة وأحيانا غير المسلمة بهدف اثبات عدم كفاءة الحكومة المركزي”.
ونتمنى للسيد العبادي، اقتحام الحصانات المدرعة لحيتان الفساد من خلال الرغبة والهمة العالية في التغيير، فأنهما الأساس (فمن تعلقت همته بالثريا نالها)، وعن الأمام علي عليه السلام: (قدر الرجل على قدر همتهّ)، فمن يعيش لبلده، كانت همته أكبر من يعيش لأسرته، وضعف الإرادة، والخوف السلبي من التغيير، يعرقلا ويجمدا حركة التغيير، وللتغلب على هذا الضعف والخوف، لابد من الإرادة، والتصميم، والاقتحام.
 فعن الأمام علي عليه السلام: (إذا هبت أمرا فقع فيه).
وسأتحدث في مقال لاحق عن أوامر منع السفر الذي امر بها السيد العبادي.