17 نوفمبر، 2024 9:47 م
Search
Close this search box.

الصورة والزمن

الصورة والزمن

الكاتب يحاول من خلال اللغة أن يعيد الحياة إلى زمن مضى وأن يحتفظ بصور ووقائع من تلك التجربة التي عاشها.

الماضي الحاضر الغائب في ألبوم الصور الذي نحتفظ به عادة، هو تعبير عن نزوع مضمر من الإنسان لتثبيت الزمن في تلك اللحظة العابرة، والانتصار على الشعور بالعدم، من خلال القدرة على استرداد تلك اللحظة الهاربة من عمر التجربة الوجودية التي نعيشها على هذه الأرض.

لكن هذه العلاقة المسكونة بالحنين والأسى معا، تظل بمثابة الفعل المضارع بين زمن مضى وزمن يتشكل عبر تيار الحياة المتدفق، وكأننا نعيد بناء جسور التلاقي فوق هوة الغياب الذي تنطوي عليه تجربة وجودنا، وعلاقتنا بالزمن الذي نحاول من خلال ذلك أن نسير عكس اتجاهه كتعبير عن الشعور بالفقد والخسارة التي نعيشها على مستوى وجودنا.

تتخذ هذه العلاقة على مستوى الكتابة حضورها، سواء في الرواية السيرية أو الرواية التي يتداخل فيها الخيالي بالسيري.

هنا يحاول الكاتب أيضا من خلال اللغة أن يعيد الحياة إلى زمن مضى وأن يحتفظ بصور ووقائع من تلك التجربة التي عاشها، وكأنه يحاول أن يثبِّتها في سياق معروض للتداول، وقابل للاستعادة.

في هذه اللعبة بين الخيالي والواقعي، يصنع الروائي من خلال شخصياته حياة جديدة لها سيرورتها الخاصة، هي مزيج مما عاشه وما كان يتمنى أن يعيشه، بحثا عن قيمة غائبة، لكي ينتصر بالكتابة على شرطه الوجودي.

دوافع عديدة تقف في خلفية هذه تجربة، وتملي على الكاتب اختياراته، عبر صورة العالم التي يبنيها من التداخل العجيب من صور الحياة التي عاشها وخبرها أو تشاركها مع حيوات الآخرين.

ربما هذا ما يفسر سيادة الاتجاه الواقعي بأشكاله وتياراته المختلفة قرونا عديدة، وكأن الرواية أصبحت هي المرآة التي نطالع فيها شيئا من صور حياتنا وصور حياة الآخرين، وخلال ذلك يعيد كتابة الحياة وفق دوافع ورغبات تتداخل في سيرورة التجربة والأهداف التي نحاول من خلالها أن نصنع زمننا الآخر ووجودنا القابل للتأويل والديمومة.

تخرج الصورة هنا عن سياقها عندما تكتسب وحدتها داخل العالم الروائي والزمن الجديد الذي تحولت إلى جزء منه. إن هذه الحياة الجديدة التي تحفل بها الرواية من خلال شخصياتها ووقائعها هي تجريد للزمن الذي كان يتوقف في تلك الصور من عدميته، ومنحه الحياة كذلك من خلال الحركة، التي تكتسبها الصورة في وسائل الميديا المختلفة.

هذا الحضور الطاغي للصورة نجده أيضا في الشعر، بعد أن أصبحت الصورة أهم عناصر بنائه وتشكيله جماليا ودلاليا، لكنها الصورة التي تتداخل في تكوينها معطيات حسية كثيرة لصور كثيرة، باعتبار ذلك تمثيلا لصورة الوجود المتشظي في وعي الشاعر.
نقلا عن العرب

أحدث المقالات