في احد الاحتفالات الوطنية الكبرى كان الحضور بهياً, مما اثار تعجبي! فهل يعقل ان الجمهور اصبح برتبة متقدمة من الوعي, كي يندفع هكذا للمشاركة, سألت احد الحاضرين عن سبب هذا الحضور الجماهيري الكبير وكان رجلا بالخمسين من العمر فقال: “سيوزعون دجاجتين لكل شخص”, لحظتها تكشفت لي بشاعة الموقف, هنا الجوع هو السبب في هذا الشعور الوطني, ولولا الجوع والحاجة لما تقدم هذا المواطن واخرين خطوة باتجاه الاحتفال الوطني.
الواقع مهما يبهجك ظاهره, لكن ستشعر بالخيبة ما ان تكتشف بواطنه, فالواقع السياسي فاسد وداعر, والمجتمع غارق في الفوضى والانحرافات.
ذكرني الاحتفال الوطني بلقطة من المسلسل المصري (بدون ذكر اسماء), حيث مشهد يتحدث عن رفض احد الممثلين تمثيل دور مسلم, واصراره الشديد على تمثيل دور الكافر, مدعيا انه يملك مؤهلات كبيرة تناسب الدور, وكان يلح وبشدة, مع ان المخرج قال له ان هيئته الضعيفة تناسب دور مسلم! لان دور الكافر يحتاج لشخص سمين, وبقي يلح الى ان وافق المخرج, وعندها اتضح سبب الاصرار وذلك لان الكافر في المشهد يأكل ما لذ وطاب من اللحم, حيث اصبح الجوع هو الذي يحدد مكان الممثل من الدراما.
حتى في الرياضة دخل غول الفساد ليقتلع القيم والاعراف السائدة, ليحولها الى ساحة للنهب.
احد رؤساء الاندية في لقاء تلفازي يتحدث اني رئيس نادي “متطوع” من دون استلام اي فلس! وهو بالعمل التطوعي منذ 12 عام! بل الادهى انه يقول بعت سيارتي في سبيل تسديد مصاريف ومديونية النادي, ولا اعلم هل سعر سيارة يكفي لانقاذ نادي من الفضيحة! لكن عندما تدقق الصورة تجدها بالمقلوب, لقد كان اول من حارب قانون منع ازدواج المناصب, وتجده يجمع اكثر من منصب, ومتمسك بالكرسي وبقوة, مع الاشارة لوجود تمويل حكومي كبير سنوي للنادي, نعم هو فشل في تحقيق اي انجاز للنادي, لكن يرفض التنازل عن كرسي حكم النادي, فانظر لبشاعة الواقع.
عندما نبحث خلف اي موقف سياسي او اجتماعي نجد واقع بائس, وهذا يعني مصيبة حقيقية نعيشها على هذه الارض.
فما الصراع السياسي على الموازنة العامة للدولة والاقتتال المستميت حول ابواب الصرف, ذلك الصراع المعلن لاسباب الخوف على مصالح الوطن, ومحاربة الفساد, والحفاظ على المال العام, لكن بعد اقرارها تكشفت حقيقة الصراعات السياسية, حيث اتضح ان همهم كان المكاسب من توفير التخصيصات, وتوزيع المال بين الحيتان الكبيرة, فان رضا جميع الساسة بالموازنة يعني انهم كلهم سيأكلون من خزينة الدولة ولن يشبعوا ابدا.
عندما تجد كثرة المنابر السياسية, وحالة التعددية الحزبية, وتنوع الصحف المحلية, والنظام الديمقراطي القائم ستشعر بالفرح والسرور, فالحلم تحقق على هذه الارض.
لكن عندما تنظر لباطن القضية ستجد حفنة من اللصوص وعديمي الضمير وهم يتحكمون بقرار الوطن, وتحول الاحزاب لدكاكين لنهب البلد, والقنوات والصحف والاذاعات الاعلامية اصبحت الة بيد السلطة لنشر الجهل والانحراف والجريمة, وعاد الخوف والقلق لينتشر في الارض خوفا من غضب الاله المصطنعة, واقعنا عبارة عن فلم زومبي لا ينتهي.