23 ديسمبر، 2024 5:36 ص

الصورة اصدق انباءً من الكلمات !

الصورة اصدق انباءً من الكلمات !

صورة فوتوغرافية ذات دلالة اعلامية ذكية لجسد طفل منكفئ على وجهه على رمال الشاطئ ، حركت ضمائر البشرية حول العالم اكثر من الوف الهاربين من اوطانهم ، صورة واقعية مؤذية لحد الالم التقطتها صحفية تعرف مهنتها ورسالتها الاعلامية ، جسدت مآساة حشود راكبي الزوارق المطاطية التي يصل بعضهم او لا يصل ، فان وصلوا لن يجدوا سوى المحن والقهر والنوم على مقتربات الطرق في العراء ، ولن يجدوا سوى هيئات حكومية وغير حكومية مترددة حائرة وحتى منافقة ، تطيل التفكير بما يجب عمله لمساعدة هؤلاء الفارين من الاستبداد والموت والفقر والقهر في اوطانهم ..

صورة فوتوغرافية لطفل منكفئ على وجهه بقميصه الاحمر وبنطاله القصير الازرق وحذائه الجديد التي ابتاعها له اهله قبل السفر ليتمتع بها في وطنه الجديد المجهول الذي لم يصله ، فقد انكفأ به الزورق المطاطي قبل ان يبتعد كثيرا عن الشواطئ التركية ، فغرق هو واخوه وامه الشابة ريحان …

صورة فوتوغرافيه فردية جعل منها الاعلام قضية عامة ، قضية عالمية ، صورة فردية لطفل مجهول ، كردي سوري ، عرفنا بعد موته ان اسمه عيلان عبدالله ، من عين العرب ( كوباني ) تحولت الى صرخة استغاثة انسانية قلبت الموازين السياسية ، والامنية ،وحركت ملايين البشر للتعامل مع اشكالية النزوح والهجرة من بلدان النزاعات في المشرق وافريقيا نحو اوروبا ، المترفة ، المرتاحة ، التي كانت تحسب ان اوجاع الشرق لن تؤئيها يوما ما !

فجاءهم مستغيثون ..

لم تكبحهم اخبار الموت والعذاب التي تكبدها من سبقهم

مستغيثون من استبداد الشرق

يرجون رحمة الغرب

فكانت صورة الطفل الغريق الذي حملته الامواج الى الشاطئ هي صرخة الاستغاثة ، التي جعل لها الاعلام دويا هائلا … صورة اكدت من جديد ان الاعلام قوة .. له التاثير الاكبرعلى الراي العام الجمعي وهو قادر على ان يكون محركا لزوابع كبيرة تاتي برؤوس حكومات وانظمة ،

صورة لم تتنبأ مصورتها عندما التقطتها على ساحل البحر المتوسط ان يكون لها كل هذا التأثير الوجداني في العالم ، بل وكل هذا التاثير السياسي والامني ، فقد ساهمت هذه الصورة الاستغاثة – مع عوامل اخرى طبعا – في اختراق الاسلاك الشائكة التي نصبتها المجر ، وفي فتح محطات القطارات في بودابست والسماح لالاف اللاجئين بعبور الحدود بين البلدان دون تاشيرات دخول ، بعد ان اضطرت دول – لم تكن تسمح من قبل لشخص واحد ان يتسلل عبر حدودها بصورة غير شرعية ، الى ان تسمح لالاف الافراد غير المسجلين بنزوح جماعي غير مسبوق ، عشوائي ‘ اخترق فيه المهاجرون الجدد المدن ومحطات القطارات والشوارع ، التي وقف مواطنوها يلوحون ويصفقون للقادمين الجدد ويوزعون عليهم الماء والاطعمة .

واتصور ان الكثير من اؤلئك المرحببن– وهم يصفقون للقادمين الجدد المنهكين من مشقات الوصول – كان في ذهنهم ذلك الطفل الغريق المنكفئ على شاطئ البحر الذي امتلأت بصوره وسائل الاعلام المرئية والمقرؤة ومواقع التواصل الاجتماعي .. في كل بقاع الدنيا

هذا النزوح غير المسبوق لمواطني دول عديده في المنطقه ، وخاصة سوريا والعراق الى اوربا ، نزوح – كما شاهدنا على شاشات التلفزيون – عوائل بكاملها ، برجالها ونسائها واطفالها ، مع ان طرق النزوح محفوفه بمخاطر كبيره جدا قد تصل الى الموت ، غرقا في البحار او اختناقا في الشاحنات ، او تشردا في الطرقات او انتظارا على حدود البلدان ، تسبقها عمليات احتيال متنوعة واختلاس وكذب ودجل من قبل المهربين الذين هم اول الهاربين اذا تعرضت رحلتهم للخطر .. .

في لقاءات تلفزيونية خاطفة مع افراد من جموع اللاجئين عن الدافع الذي يدفع المواطنين الى النزوح الجماعي المفرط ، : ظهر واضحا على الكثيرين منهم القنوط الذي يسيطر على نفسية المواطن العربي وخوفهم من نتائج التدخلات الاقليمية والدولية وشراسة الارهاب والتزمت الديني والطائفية والياْس التام من الحكام ، وقال اكثرهم انهم لم يكونوا يتمنون مغادرة بلدانهم ألآ انهم يبحثون عن مجتمع يسوده القانون والنظام لضمان بقاءهم على قيدالحياة التي اوشكوا ان يفقدوها في بلدانهم … وقال مواطنون من العراق وسوريا بالذات انهم لم يهجروا بلدانهم جوعا اوبطرا وانما هجروها للبحث عن الامان ولضمان مستقبل ابناءهم المهدد بالضياع في خضم الفوضى الامنية والسياسيه والاجتماعيه في بلدانهم . . والمستقبل الضبابي والمجهول الذي ينتظر المنطقه باسرها