ما هي العوامل المهمة المفقودة في العراق, والتي من المؤمل أن تدفع به للنهوض؟
هل أن فقدان الروح الوطنية لدى الكثير من العراقيين, يحمل في ثناياه انكسارا في البنية الاقتصادية؟
كثيرة هي الأسئلة التي يطرحها المختصون, والعلماء العراقيين العاملين في مجالات الاقتصاد والسياسة والاجتماع, حيث يحاول هؤلاء إيجاد أجوبة مقنعة, تمكنهم من وضع قدم الإصلاح, على الخطوات الأولى الصحيحة والنافعة, والواقعية!
لم يعد خافيا على المختصين بإدارة الدول والحكومات, أهمية البنية الاقتصادية لأي بلد, يحاول النهوض واللحاق بركب التطور, ولا يخفى عليهم أيضا, أهمية وجود مجتمع مستقر, يأمن مواطنيه على حياتهم وممتلكاتهم, يؤهلهم لمشروع بناء دولتهم, حيث أن أعدى أعداء الاقتصاد الناجح, هو عدم الاستقرار الأمني والمجتمعي, لذا نجد أن الدولة التي تعاني من عدم استقرار أمني ومجتمعي, تكون بالنتيجة معرضة لتكسر في بنيتها الاقتصادية, يقود مستقبلا, إلى تكسر في بنية الروح الوطنية لأبنائها!
كانت هناك الكثير من الدعوات, من قبل المرجعية الدينية الشريفة, ومعها أيضا دعوات الكثير من العلماء والمختصين بعلم الاقتصاد والثروات, تدعو إلى ضرورة عدم الاعتماد على النفط, كناتج محلي, يقوّم الاقتصاد؛ وواقعا إن دعوة المرجعية الشريفة, وإن كانت في ظاهرها, تحمل هم محاولة الدفع بعجلة الاقتصاد السياسي, إلا أن باطنها كان يحمل دعوة أخلاقية, لتفعيل شريان مهم من شرايين بناء الدولة, ألا وهو بناء الروح الوطنية, حيث أن ضعف الصناعة الوطنية في أي بلد, بل ودمارها وانهيارها وانقراضها, يقود إلى خلق حالة من حالات التعلق النفسي (الوجداني), بالمنتج الأجنبي وثقافة البلد المصنع, ويقود أيضا إلى ضعف وانحلال الروح الوطنية, لدى أبنائه وأجياله الجديدة.
المحاولات الأولى البسيطة (جدا), من أجل إيجاد البديل الوطني – ابتداءاً من البضائع الاستهلاكية- والدعوات الكثيرة من أجل تطوير هذه النهضة, أشعل جرس الإنذار لدى الأطراف التي لا تريد خيرا للعراق, فاستمرار عراق مقسم, منهار اقتصاديا, محطم معنويا ووطنيا, إنما يمثل مشروعا استراتيجيا بعيد المدى, للقوى الظلامية التي لا تريد خيرا للعراق, والتي لا تريد أن تنقطع موارد انتفاعها من خيرات هذا البلد, التي عمدت وعلى مدى سنين طويلة, على امتصاصها من دماء الناس!
محاصرة داعش في مناطق تواجده المحتلة, وضرب أدوات انتفاعه الاقتصادية, كآبار النفط التي يستحلها في العراق وسوريا, أو ضرب المئات من شاحنات النفط المهرب, التي يعتمد عليها للحصول على المردود المالي, والتي تمثل أهم عامل من عوامل ديمومته, مع انهيار أسعار النفط؛ كل هذه العوامل مجتمعة, جعلت القادة العسكريين لهذه العصابات, والمخططين الاستراتيجيين (الدوليين والإقليميين), الداعمين والمتعاونين مع هذا المسخ, ينظرون إلى أن هناك ضعفا في إحدى كفتي المعادلة سيحصل في هذه الحرب.
محاولات الدولة العراقية (مرجعية وشعبا وحكومة) للنهوض من خلال تشجيع المنتج المحلي, إنما يعني تحسن اقتصاديات طرف, ومساهمة في زيادة قوته بالاعتماد على نفسه, وضرب لحالة الفساد الناتجة عن مردودات الثروات النفطية المهدورة, جعل القوى الظلامية تستشعر خطر هذه المحاولات, فكانت محاولات عصابات داعش في الأيام الأخيرة, النزول بقوة, عبر تفجيرات كثيرة ونوعية وقوية, لزعزعة الأمن المجتمعي, والإستقرار النسبي الذي تحقق بعد اندحاره في مناطق عدة, وهو يعلم جيدا, ومن خلفه من
داعميه, إن ضرب الاستقرار الأمني والمجتمعي (ما يحصل في البصرة مثلا) , هو من أهم عوامل إفشال مشروع النهوض بالاقتصاد الوطني.
*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالأيديولوجيات السياسية المعاصرة.