7 أبريل، 2024 12:09 ص
Search
Close this search box.

الصلات العثمانية السويدية.1- زنابق التوليب

Facebook
Twitter
LinkedIn

بعد الخسارة التي لحقت بقوات ملك السويد كارل الثاني عشر في موقعة بولتوفا (في اوكرانيا) أمام الروس، سنة (1709م) لجأ الملك مع ما يقرب من الف من قواته محتميًا بالدولة العثمانية. وكان محل ترحيب من السلطان العثماني أحمد الثالث، وامتدت مدة استضافته لقرابة خمس أو ست سنوات استوطن فيها في: بندر، وأدرنة، واسطنبول (1). مما اتاح للملك كارل الثاني عشر الفرصة الكافية للإطلاع على مختلف شؤون الحياة في تركيا ، والتأثر إيجابيًا بجوانب عديدة مدنية وعسكرية وحضارية عثمانية. كانت العديد من المشاهدات موضع اعجاب وقبول من قِبَله. فعمل على محاكاتها وتطبيقها في مملكته بعد عودته الى الديار.
يُعتقد ان الملك كارل الثاني عشر نقل العديد من الأمور من الدولة العثمانية الى السويد. وليس في النقل مثلبة. ولكنة نتاج طبيعي لتواصل الشعوب وتلاقح الحضارات. فتؤثر احدهما بالاخرى سلبًا وايجابًا. فكما ان الدولة العثمانية لها تأثيرها على من حولها، أو على من تعامل معها. فكذا الآخرون لهم تأثيرهم الإيجابي والسلبي عليها. ولكننا نقتصر في البحث هنا فقط عن الإضافة الحضارية العثمانية التي يعتقد ان الملك كارل الثاني عشر تحديدًا، جَلَبَها الى مملكته في القرن الثامن عشر. ونخصص البحث الأول عن:

زنابق التوليب:
التوليب نوع من النباتات المزهرة التابعة للفصيلة الزنبقية. موطنها شرق تركيا حيث كانت تنمو في سهول وسط آسيا الوسطى، جلبها السلاجقة الأتراك معهم من أواسط آسيا إلى بلاد الأناضول، حيث زرعوها ونقلوها الى اسطنبول عاصمة امبراطوريتهم (السلاجقة والعثمانيون قبائل لأصل واحد).
تسمية التوليب: هنالك خلاف على اصل التسمية. ويبدو انها كلمة عربية مأخوذة من (ولب)، والوالِـبةُ الزَّرْعةُ تَنْبُتُ من عُروق الزَّرعة الأُولى، تَخْرُجُ الوُسْطَى، فهي الأُمُّ، وتخرج الأوالِبُ بعد ذلك. كما في معجم لسان العرب. او ربما تكون التسمية نسبة الى كلمة (تولبند Tülbent) التركية والتي تعني النسيج القطني (الشاش) الذي يُلَف ليشكل العمامة. وعزا البعض الى ان التسمية مشتقة من الكلمة الفارسية (ديلبند delband) والتي تعني الحبيب. وعلى اي حال فاللغة التركية العثمانية استعارت العديد من المفردات والمصطلحات من اللغة العربية ومن اللغة الفارسية واصبحت الفاظ تركية متداولة محليًا.
اطلق عليها الأتراك اكثر من أسم فهي زهرة العمامة (التوربان Türban) وذلك لإنها تتكون من أكثر من طبقة من البتلات الملونة، ولأنها تشبة العمامة التي يضعها الرجال في تركيا على رؤوسهم، بل ويعتقد انه لجمالها ولشكلها الرائع، سُمّيت زهرة (العمامة) والمقصود عمامة السلطان حصرًا. وذلك لما كان للسلطان من الحضور والهيبة والتقدير والاحترام في نفوس الأتراك. فاصبحت زنابق التوليب النضرة الجميلة رمزًا لعمامة السلطان.
كما اطلقوا عليها اسم (اللاله) – اي الزنبق- وشاعت هذه التسمية في عهد السلطان احمد الثالث. واحب الاتراك العثمانيون هذه التسمية على غيرها، لأن حروف كلمة (اللاله) هي ذاتها حروف لفظ الجلالة (الله) وكانت اللغة التركية يومها تكتب بالحروف العربية.

زنابق التوليب والسلطان احمد:
كانت زهور التوليب تملأ وتزين قصور السلاطين وحدائق عُلِيَة القوم ، إذ كانت موضوع تفاخر ورمز للرفعة. وكان السلطان أحمد الثالث مولعًا بهذه الزهرة. مع انها كانت موجودة قبل توليه السلطنة. اذ يعتقد انها نمت في وقت مبكر من القرن الحادي عشر. ولم تصل من الامبراطورية العثمانية الى اوربا، الاّ في القرون التالية. وخاصة مابين عامي 1718م و 1730م في فترة حكم السلطان احمد الثالث. وقد هجَّن المزارعون العاملون في رعاية قصور وحدائق السلطان العشرات من الانواع من هذه الزهرة. وعقدت المسابقات لأفضل من يزرع هذه الزنابق. ولأن عصر السلطان احمد تمتع فيه الناس بالرخاء والرفاهية الى حد كبير. واقترن هذا الرخاء برواج وإنتشار زنابق اللاله بشكل واسع، فقد سمي عهده بعهد اللاله.
اصبحت التوليب رمزًا للسلطنة العثمانية ورمزًا للحب والبركة اجتماعيًا ، ورمزًا للجنة على الارض. فإنعكس حضورها على الثقافة والفنون والقصائد الدينية والابداع الشعبي. وظهرت كنقش في زخارف القصور والمساجد وعلى البلاط والفرش والسجاد والاقمشة والمنسوجات وشواهد القبور والجداريات واعمال الخزف والأواني وملابس السلطان وكرسي السلطنة. بل وحتى ان الذي رسم شخص السلطان في لوحة زيتية، رسمه يمسك بزهرة التوليب.

انتقال التوليب الى السويد:
استقدم الملك كارل الثاني عشر زنابق التوليب الأنيقة الرائعة معة عند عودته لبلاده من الدولة العثمانية، لتزرع لأول مرة في ارض السويد. وبمرور الوقت اصبحت من اكثر الازهار شعبية في السويد. كما نقل التجار الأتراك، وكذا سفراء اوربا ودولاً اخرى في الدولة العثمانية، ابصال وبذور هذه الزهرة الى بلدانهم في كل انحاء العالم. حتى غدت التوليب في هولندا رمزًا عظيما للبلاد ولها تأثير كبير على الاقتصاد الهولندي. لتحتل هولندا المركز الاول عالميا في زراعة وتصدير ازهار التوليب، وتدير 80 بالمائة من التجارة العالمية لأزهارها وابصالها.
هناك اكثر من 6000 نوع من زهور التوليب المسجلة في العالم. و2600 صنف منها متوفرة في السوق العالمية. ويزرع منها في السويد قرابة 400 نوع ، وتزرع السويد كل عام قرابة 160 مليون من زهور التوليب ومعظمها يستهلك محليًا. وانتج السويديون انواعًا جديدة من زنابق التوليب الرائعة، حيث يتم تسجيل الاصناف الجديدة من زهور التوليب من خلال منظمة ((Royal Onion Growers في هولندا. ولأن زهور التوليب الانيقة موضع تقدير، فقد اطلقوا على بعض الانواع المهجّنة الجديدة، اسماء شخصيات مشهورة مثل: اسم الأميرة (فكتوريا) ولية العهد السويدي، واسم الأمير (دانيال) زوج الأميرة ولية العهد فكتوريا، و(انجمار ستينمارك) اشهر المتزلجين السويديين على المنحدرات الثلجية في المناطق الجبلية في السبعينيات والثمانينيات. واسم (آبّا) فرقة الروك الموسيقية السويدية الشهيرة من السبعينيات.
اهتمام الشعب السويدي بالتوليب:
في أواخر الستينيات، بدأت محلات البقالة تعرض للبيع زهور التوليب في حُزَم (باقات). ولإقبال افراد الشعب السويدي على شراءه، اتسعت زراعته في السبعينيات. إن الذي يجعل الشعب السويدي يقبل على زهور التوليب هي انها: تشعر الكثيرين بقدوم الربيع بعد ظلام الشتاء القاسي البرودة. وأنه يضفي نوعًا من الجَمال والشعور بالسعادة لشراء باقة من زهور التوليب في نهاية الإسبوع، تزين بها منزلك وموائد الجلوس. وتبقى نظرة فترة طويلة بعد قطفها. ثم إن المرء يستطيع بكل سهوله العثور على هذه الزهور قريبًا من متناوله، فيجدها اليوم في متاجر البقالة والسوبرماركت ، ومحلات الزهور، والساحات، ومحطات الوقود. ويُعَد السويديون من اكثر سكان العالم شراءًا للتوليب. حيث يستهلكون قرابة 90% من المنتوج المحلي.
تباع في السويد قرابة المليون زهرة كل يوم خلال الموسم القصير نسبيًا، والذي يستمر حوالي اربعة أشهرمن الشهر الاول الى الرابع. ومجموع مايباع يقارب 130 مليون زهرة. وحب السويديون لهذه الزهرة يعبر عن نوع من الثقافة والتقييم. ولذا جعلوا للتوليب مناسبة سنوية لتكريمه والاحتفاء به. اذ يُحتفل به منذ سنة 1990م، في يوم 15 كانون الثاني يناير تحت اسم (يوم التوليب). واليوم يمكن ان تجد زنابق التوليب تزين تقريبًا جميع الحدائق المنزلية والعامّة، والعديد من المساحات، وساحات التقاء الطرق داخل المدن السويدية.
ولمحبي زهور التوليب في المنزل، يَنصح خبراء الزراعة، بتجنب وضع الزهور بالقرب من الفواكه التي ينبعث منها غاز الإيثيلين. مثل التفاح الأخضر. فهذا يُسَرّع شيخوخة زهور الزنابق.
وتبقى زنابق التوليب الأكثر شعبية وتحتل المقام الاول في المنافسة. وهي رمز للجمال والطبيعة بالوانها الزاهية. تبقى محبوبة ليست في تركيا، ولا في السويد فحسب، وانما كما أعتقد في كل ارجاء العالم.
الهامش:
(1) في بحث سابق : لماذا لجأ ملك السويد الى الدولة العثمانية؟.

الرابط والصفحة https://kitabat.com/author/khaladabdelmagid-com/
البريد الالكتروني [email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب