تقديرات الدول التي ترعى الحرية والديمقراطية بظروفها وتوقيتها وتعاديها بظرف وتوقيت آخر، بأنه حتى لو تبقى معتصم واحدٍ فقط في ساحات العز والشرف والكرامة وقضى رفاقه بالتغييب اليومي في السجون، وبالكواتم كل يوم “جمعة” فإن ثورة العراق ضد الطاغوت لن تقف. وتعزو التقديرات السبب إلى رحلة التغيير التي تتوالد ولن تقف عند أسوار العراق. يفرض التغيير قوانينه في عدد من الحالات بينها الضغط الذي يلد الإنفجار وبينها الشيخوخة التي تستحضر بديلها بتجديد حيوية النظام وقياداته. في العالم العربي- العراق- تحديداً يولد التغيير من الحالتين، ومعهما حاجات الدول الكبرى لحماية مصالحها. رحلة التغيير التي بدأت من تونس ماتزال تتوالد.
لكنها تسأل وتجيب في آن: لم يستطع أي فريق من فرقاء المعارضة أو فصائلها أن يحتل موقع الحاجة أو المفاوض المطلوب للتغيير. المقاتلون في واد والممثلون في آخر. “المشردون” و”المرتزقة” موزعون بين “أربيل” وبين دول الجوار. ليس مهماً أن يكون لك موقف لكي تقود. القيادة حضور وعلاقات وثقة وتمثيل أمين للضمير الوطني والإنساني. مؤسف أن لا يكون للدم من يمثله. مؤسف أن لا يكون للدم حضوره المطلوب في الحراك السياسي. لا ينفي هذا عن بعض المعارضين صدقهم ولكن الصدق وحده ليس قيادة.
ضمن إستعراض التقديرات تقف على أخطاء فريقي الخصومة “المعارضة”- الشعبية والسياسية-، و”السلطة”. لكنها لا تساوي بين الجلاد والضحية. المعارضة ترتكب أخطاء في سعيها للحرية لكل المواطنين ويوم تؤخذ هذه الحرية سيكون حساب وعقاب. أما النظام فيرتكب الأخطاء أو الخطايا دفاعاً عن نهبه وقهره وبقائه حرصاً على مصالحه. من هنا فإن أخطاء الثورة وكثيراً من خروجها على ما يجب أن تلتزم به من أخلاقيات العمل والسلوك والخطاب هو رد فعل ينتهي بمجرد نصر الثورة لأنها ستكون بعدها مطالبة بالحرية والمحاسبة. إذن، أيهما أكثر خطأً: السلطة أم المعارضة وقد أصبحت (بعضها) مشاريع صراع مستقبلي.. السلطة خطأ مطلق ضاربة جذوره لعقود مضت. المعارضات أخطاء في الأداء والخطاب والعلاقات سيضبطها خطابها وهدفها بالضرورة أو تستنبت أخطاؤها ثورتها الجديدة.
كما تفترض تقديرات الدول الراعية للحرية والديمقراطية بوجود يد خارجية تساند الثورة وأُخرى تساند الحكم. وتجيب.. الخارج حاضر في جميع الثورات إلا في العراقية غائب ومتغيب عن عمد. الفارق هو أن الغرب وبعض العرب يتدخل دعماً لثورة الحرية + المصالح، أما إيران وحلفاءها وروسيا والصين وبعض المترددين فيتدخلون أو يلجمون التدخل دعما للمصالح + الخوف من تمدد الثورة في أرض مصالحهم. الفارق بين شكلين من التدخل هو الفارق بين الخطأ والخطيئة، أولُهُما أي الخطأ يشفع فيه العفو وثانيتهما أي الخطيئة فللنار.
تعليق:
كان أعرابي لذلك الزمن يصلي وراء “علي” وقت الصلاة ويأكل على مائدة “معاوية” وقت الأكل. وحين سُئِل كيف يجمع بين هذين المتناقضين قال: الصلاة وراء علي أقْوَم، والطعام على مائدة معاوية أدسم.