23 ديسمبر، 2024 8:42 ص

من الغريب أن دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الامريكية ذات مساحة الاراضي الشاسعة وعدد الولايات الاكبر (خمسون ولاية) وكل ولاية هي دولة قائمة بحد ذاتها من حيث الامكانيات الاقتصادية والبشرية،وايضا”عدد نفوس تلك الدولة العظمى والذي يتجاوز مئات الملايين ومن اعراق واجناس مختلفة مما ولد تعدد في الثقافات والاتجاهات والميول الى افراد الشعب الامريكي(بل الشعوب الامريكية) الا انه على الرغم من كل ذلك تلك الدولة العظمى الحاكمة والمتحكمة في العالم حاليا” لايوجد بها سوى حزبان فقط، اجل حزبان الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري،ومن المفارقة الكبرى أن أفكارهذان الحزبان متشابهان في كل شي الا في جزيئات بسيطة حول بعض السياسات الخارجية، أو في مجال الامور والمعالجات الاقتصادية ولو أن أختلافهم الاكبر يكون في الشؤون الداخلية وخصوصا” الرعاية الصحية والضرائب.
ومع زيادة حمى الحملات الانتخابية الرئاسية الامريكية وأقتراب موعدها والتي ستجري في مطلع شهر تشرين الثاني القادم، بعد أن رشح الحزب الجمهوري (رومني) لمنافسة الرئيس الديمقراطي الحالي (اوباما)، برزت على الساحة الامريكية حاليا” مفهوم الصقور والحمائم أي الاعتدال والتطرف من ناحية الامور السياسية الخارجية والمعالجات الاقتصادية والاجتماعية،حيث مثل أوباما وحزبه الديمقرطي جانب الحمائم حيث السياسة الهادئة ، ومثل رومني وحزبه الجمهوري جانب الصقورحيث السياسة الصاخبة والهجومية، أن هنالك الكثير من الاختلافات فيما بين شخصية المرشحين اذا ما عرفنا سياسة اوباما الخارجية المتزنة(على الاقل نظريا”) والتي حاول من خلالها أصلاح بعض أخطاء الرئيس الجمهوري السابق (بوش) ،وايضا”بعد أن نجح وبصورة كبيرة في أنعاش الاقتصاد الامريكي والذي يعتبر أساس الدولة ومن خلاله مازالت أمريكا متربعة على السيادة المطلقة على اوضاع ومقدرات العالم بمجمله.أما عند ملاحظة تصريحات المرشح الرئاسي الجمهوري وبرنامجه الانتخابي المتطرف والذي يمثل التيار المحافظ(أو الصقور) فهو على العموم أكمال لمسيرة الرئيس السابق جورج بوش والذي ضاق منه الامريكان ذعرا”، حيث أدخل الولايات المتحدة في حروب مباشرة بأفغانستان والعراق كلفت الخزينة الامريكية مليارات الدولارات,وايضا أن البرنامج الاقتصادي للمرشح الجمهوري مبهم وهو الجانب المهم والذي ينظر اليه الناخب الامريكي بالاساس أولا” قبل أن ينظر الى السياسة الخارجية أو الدفاعية.
أن هذه الامور التي أشرت اليها فيما مضى هي على الصعيد النظري والتصريحات الاعلامية ،حيث أن تجربة اوباما الرئاسية الماضية اثبت انه لم يكن بعيدا” عن الحروب وسياسة التدخل الخارجي وأنما أتبع نهجا” ذكيا” من خلال أعطاء الضوء الاخضر لبعض الدول الغنية بالمال والقريبة من الاحداث(وهنا لاننسى الدور القطري والسعودي في المنطقة) من خلال تمثيل الولايات المتحدة في التدخل غير المباشر بحروبها وخصوصا” في منطقة الشرق الاوسط، حيث جنب بلاده الخسائر المادية الضخمة بعد ان تكفلت الدول الخليجية تلك في دفعها وساهمت في تفيذ المخططات الامريكية بكل دقة واتقان، وبذلك حققت أمريكا في عهد اوباما أنتصارات كبيرة في الشرق الاوسط من خلال زيادة هيمنتها بالمنطقة من دون خسائر بشرية او مادية تؤثر على الاقتصاد الامريكي والذي كان يترنح خلال عهد الرئيس بوش، مما أدى ذلك الى أنعاش الاقتصاد الامريكي من دون أن تفقد أمريكا موقعها الريادي بالمنطقة والعالم.
ان مبدأ(الصقور والحمائم) في السياسة الامريكية هو مجرد كذبة أمريكية يراد منها ذر الرماد في العيون ،وهي هواء في شبك حيث ان السياسة الامريكية هي واحدة سواء كان الرئيس ديمقراطيا” أو جمهوريا”،وهذا ما شهدناه طوال سنوات وعقود ماضية، أن الرؤساء الامريكان هم صقور وايضا” هم في نفس الوقت حمائم،أنها سياسة مرسومة بدقة منذ سنوات ماضية وعلى الرئيس القابع بالبيت الابيض ومهما كان توجه او حزبه تنفيذها بحذافيرها والوصول الى النتائج المخطط لها.
أن حزبي (الفيل أو الحمار)وهما شعاري الحزب الديمقراطي والجمهوري، الحزبان الوحيدان في الولايات المتحدة همهما الاكبر وغايتهم الاسمى هو كيفية استمرار العصر الامريكي في الهيمنة على الدول الكبرى والصغرى بالعالم،حيث منطق القوة وفرض الارادات على الجميع بعيدا” عن الصقور والحمائم واللذان هما بعيدان عن عالم لايرحم تقوده دولة واحدة على ظهر فيلٍ او حمارٍ الى أفاق مجهولة.