في زاوية من زوايا الصف، يقف معلمٌ واحد، أمام سبورةٍ واحدة، يُحاول أن يُخاطب خمسين عقلًا،
كلٌّ منهم يريد أن يفهم بطريقته، كلٌّ يحمل منظاراً مختلفاً، كأنك تحاول شحن خمسين هاتفًا بشاحنٍ واحد…
مشهدٌ يختصر مأساة الفجوة بين التعليم والتعلّم.
لكن المشكلة ليست في العدد وحده، بل في الفكرة التي تحكم الصف، فنحن نتعامل معه كقاعةٍ لتوزيع المعلومات، بينما هو في جوهره بيئةٌ لتشكيل العقول، ومختبرٌ صغير يُصنع فيه المستقبل.
الطالب لا يحتاج إلى معلومةٍ تُلقى، بل إلى صوتٍ يُسمع، وفكرٍ يُحترم،
وسؤالٍ يُشجَّع، حتى لو بدا بسيطاً أو عابراً، فالتعليم الحقيقي لا يحدث حين نقول لهم:
“اكتبوا ما على السبورة”،
بل حين نجعل عقولهم هي السبورة، وحين نُعلّمهم كيف يُفكّرون، لا ماذا يحفظون.
الصف ليس مكاناً لتكديس الأجساد، بل فضاءٌ حيٌّ لتلاقح الأفكار، وميدانٌ يُختبر فيه الصبر،
وتُصاغ فيه الشخصية،
ويُبنى فيه الإنسان.