18 ديسمبر، 2024 5:48 م

الصفقة النووية: معالجة امريكية اسرائيلية لبرنامج ايران النووي

الصفقة النووية: معالجة امريكية اسرائيلية لبرنامج ايران النووي

ان ما يظهر على سطح الاحداث، من مواقف وتصريحات في الذي يخص الصفقة النووية بين ايران والقوى الدولية الكبرى، وعلى وجه التحديد؛ عودة الولايات المتحدة الى الالتزام بخطة العمل الشاملة والمشتركة، يشير؛ ان هناك اختلاف بين امريكا واسرائيل. اسرائيل ترفض الطريق الدبلوماسي الذي تتبناه ادارة بايدن، وتريد ان تعمل ادارة بايدن كما عملت أدارة ترامب؛ على محاصرة ايران بالعقوبات، بحدها الاقصى؛ لإجبارها على الرضوخ لشروط الولايات المتحدة؛ بإعادة صياغة الصفقة النووية، مع ملفي الصواريخ والدور الايراني في المنطقة العربية، في حزمة واحدة، والتي فشلت فشلا ذريعا، مما اجبر ادارة بايدن على تفضيل المسار الدبلوماسي، لإعادة الامور على ما كانت عليه، قبل انسحاب امريكا من خطة العمل الشاملة والمشتركة. لكن لو تفحصنا ما يجري في الواقع، اي في واقع العلاقة الاستراتيجية بين امريكا واسرائيل، والمشاورات التي تجري في الغرفة المغلقة، بين امريكا واسرائيل، وتبادل المعلومات، وخطط مواجهة ايران في الصفقة وفي غيرها، وفي فضاءات المنطقة العربية، والتي، وفي جميعها، اي في جميع الاجتماعات بين المسؤولين الاسرائيليين والامريكيين، لم يتسرب منها اي معلومة، مهما كانت صغيرة، الا المعلومات المتداولة والمعروفة، والتي هي، ليست بأسرار ولا تحمل اي جديد. مما يقودنا او يشير لنا ان هناك توافق امريكي اسرائيلي في الذي يخص ايران، سواء بالصفقة النووية او في غيرها، لكن الجانبين حريصان على ان لا يظهر هذا التوافق الى العلن، بل يدفعان باتجاه؛ ان هناك اختلاف بين الموقفين الامريكي والاسرائيلي، لحسابات استراتيجية خفية. امريكا اوبما، عندما تم، ابرام الصفقة النووية بين ايران والقوى الدولية الكبرى في عام 2015؛ قدمت لإسرائيل مساعدات مالية كبيرة، بالإضافة الى الحقل العسكري والامني، طائرات اف 35مثلا، وغيرها من عناصر تقوية الاذرع العسكرية الاسرائيلية. نفس هذا الامر يحدث الان، وبعد الاقتناع الاسرائيلي والامريكي؛ بان اعادة العمل بالصفقة النووية بات على الابواب، حتى وان تأخر قليلا. ربما، او من المرجح من وجهة نظرنا، ان تتم العودة الامريكية لخطة العمل الشاملة والمشتركة، للصفقة النووية، بعد الانتخابات الايرانية.. بسبب ان السيد خامنئي يدفع بهذا الاتجاه. ان المرشد يعمل من الان، وقبل الان، على فوز الجناح المحافظ. كي تكون السياسة الايرانية بمستوى التغيرات القادمة في ايران والمنطقة.. في سنوات الحصار الامريكي على العراق، وفي فترة الاعداد الامريكي لغزوه واحتلاله؛ دفع المرشد في اتجاه، صعود التيار الاصلاحي للرئاسة الايرانية، محمد خاتمي.. لكن حين تم احتلال العراق، دفع في اتجاه صعود التيار المتشدد، نجاد.. لكن، عندما اشتد الطوق على النظام الايراني، تم التوجيه بفتح الطريق لوصول التيار الاصلاحي للرئاسة الايرانية.. انها بحق لعبة ذكية، بل ذكية جدا. نعتقد ان ما يتم تداوله، في الاعلام الامريكي والغربي، والاسرائيلي، باختلاف الموقفين الامريكي والاسرائيلي حول المعالجة الامريكية للبرنامج النووي الايراني، ما هو الا عملية تغطية على حقيقة ما يجري تحت الطاولة، من توافق امريكي اسرائيلي في معالجة البرنامج النووي الايراني، وتوافق أمريكي- أمريكي، في الاطار العام لسياسة امريكا بايدن. اما الاصوات الامريكية الرافضة لهذه السياسة، فهي تكاد تكون جميعها من انصار ترامب، الذين يغردون، خارج السربين، الجمهوري والديمقراطي.. وبالضد لناحية التوقيتات، وليس في جوهرها، في صناعة القرار الاستراتيجي في البيت الامريكي الموجود تحت سطح الارض الامريكية. ان لعبة التغطية هذه، يمارسها الامريكيون والاسرائيليون؛ كي لا يظهرا بانهما قد تخليا عن شركائهم من عرب التطبيع المجاني( النظام الرسمي العربي..)، من جهة ومن الجهة الثانية المحافظة على مسار التطبيع بل زيادة عدد عرباته وسرعتها على هذا المسار . اسرائيل تطرح نفسها كحليف لعرب التطبيع في مواجهة ايران، وفي مواجهة شعوبها؛ بتوفير الاغطية السياسية والاعلامية لها، وتوفير المعلومات الاستخبارية لها، في الاتجاهين، ايران وشعوبها، بالإضافة الى عمليات التسليح، بدعم واسناد اسرائيلي داخل البيت الامريكي العميق، الذي تصنع فيه السياسات الامريكية. في الوقت الذي تجري فيه، بسرعة محمومة، سواء من الوفد الايراني او بقية وفود الدول الكبرى وامريكا( الاخيرة بصورة غير مباشرة) من مفاوضات تفتح الطريق للعودة الامريكية للصفقة النووية، والعودة الايرانية للالتزام ببنودها، والتي هي على بعد زمني غير معروف، ومحدد، لكنه مؤكد بقرب، إعادة العمل بخطة العمل الشاملة والمشتركة للاتفاق النووي او للصفقة النووية؛ يجري عمل اخر موازي وايضا متسارع، في ترميم العلاقة العربية الايرانية( السعودية الايرانية..)، والتي ترتبط بملفات المنطقة العربية وبالذات في اليمن، والعراق، ولبنان، وبدرجة اهتمام وطريق مختلفين، في سوريا. اليمن بدرجة ملحة جدا، لأسباب تتعلق بالبحر الاحمر، ومضيق باب المندب، والقرن الافريقي، والاستراتيجية الامريكية الاسرائيلية في التحكم والسيطرة على هذا الممر البحري الحيوي، وعلى مشارفه من الضفتين. اسرائيل لها وجود عسكري اي قاعدة عسكرية اسرائيلية، في جزيرة تابعة لأرتيريا، وقاعدة عسكرية اماراتية في جزيرة اخرى.. علما بان الوجود الاماراتي الاسرائيلي، وجودا فاعلا ومؤثرا، وصانعا للقرار السياسي على ارض الواقع في جنوب اليمن.. عليه فان الحل في اليمن عاجلا، سوف يقود الى حل الدولتين اي العودة الى ما كان عليه قبل عام 1990. أما العراق فهو من وجهة النظر الامريكية بحاجة الى تنظيم علاقته الاستراتيجية مع امريكا وكما يتصور الامريكيون او يريدونها ان تنبني على اسس راسخة. وهذا لا يحدث او لا يأخذ طريقه، في الوجود على ارض الواقع وتجذيره فيها، الا بتطويع الدور الايراني في العراق، اي الغاء مناطق الاحتكاك وتضارب المصالح على قاعدة تلاقيها، التبادلي المنافعي، بدور عربي وزان ( سعودي وخليجي..) يضبط ايقاع حركة المصالح، بما فيها المصالح العراقية في حدود ومساحة حركتها داخل المسارات الامريكية والايرانية والعربية. ايران من جهتها لعبت وتلعب اللعبة البرغماتية( التقية..) التي تتقنها بذكاء؛ فهي من جانب تضغط على الوجود الامريكي في العراق، ومن الجانب الثاني تناور، لانتزاع الاعتراف الامريكي بدورها فيه. السؤال هنا؛ هل يمكن فصل هذه التحركات عن حوار اعادة العمل بالصفقة النووية وما سوف يأتي بعدها من تغييرات في المنطقة العربية؟ الجواب وبكل تأكيد؛ لا يمكن عزلها عن حوار الصفقة النووية. ان الولايات المتحدة والقوى الدولية الكبرى وايران، يعملون على انضاج حوار الصفقة النووية، مع ملفات المنطقة بحزمة واحدة، وبطريقين متوازيين، ينتهيان في محطة واحدة. السؤال الثاني؛ هل اسرائيل بعيدة عن هذه الطبخة، بكل تأكيد؛ اسرائيل على علم تام وبالتفاصيل بمواد وادوات ووقود هذه الطبخة. وفد امريكي رفيع المستوى، من الخارجية، ومن الامن القومي الامريكي، ومن وزارة الدفاع، يزور الان الدول العربية، الامارات والسعودية، والاردن، ومصر، لطمأنة الشركاء العرب، في الذي يخص العودة الامريكية للاتفاق النووي مع ايران. السعودية وايران اجريتا مباحثات في بغداد قبل ايام. السيد ظريف زار بغداد والدوحة ومسقط، مسؤول يمني حوثي، زار مسقط ليوم واحد، ظريف زارها في تزامن مع زيارة الاول لها، بعد ايام زار وزير خارجية السعودية، مسقط، وبعد يوم زارا الممثل الامريكي في الملف اليمني، والممثل الاممي في اليمن والتقيا الوزير السعودي في مسقط. هذه الزيارات المكوكية ماهي الا لوضع خارطة طريق لأنهاء الحرب في اليمن.. بضغط امريكي اولا، وبعجز سعودي عن حسم الحرب لصالحها ثانيا، ولتغير قواعد اللعبة السياسية في المنطقة ثالثا. وهذا الامر ينطبق على جميع ملفات المنطقة ولو بدرجات مختلفة ومتفاوتة، لكنها تقع في عين الخانة وتسير على ذات الطريق. عليه، فأن المنطقة في القادم من الايام، سوف تشهد تغييرات كبيرة جدا؟.. لكنها، لن تكون حاسمة ونهائية، بل انها سوف تكون عملية تسكين وتهدئة؛ لاختلاف قواعد اللعبة، وتفارقها لجهة النوايا والسياسات والاهداف للاعبين.. ولنية المغذي الرئيسي لها، الامريكي والاسرائيلي، خدمة للاستراتيجية الامريكية الاسرائيلية.. نعتقد ان امريكا سوف تصر على تغيير زمن العمل بالصفقة النووية اي زيادته. الولايات المتحدة تراهن على متغيرات الزمن في الذي يخص النظام الايراني، وجودا وفاعلية وتأثيرا في الداخل الايراني، وفي جوارها العربي، لذا، سوف تعمل على تمديد العمل بالاتفاق النووي. ومن الطبيعي ، ايضا، هذه هي الرؤية الاسرائيلية الحقيقية، وليس الامريكية فقط. بهذه الطريقة، الغير حاسمة والغير نهائية، لناحية النية الامريكية الاسرائيلية في تخليق نتائج تتحرك على الارض، تديم التوتر والقلق الامني لاحقا، اي ايجاد حلول على قواعد وموازنات قلقة. لذا، فان وضع حل حقيقي ومنصف لجميع ملفات المنطقة، امر مستبعد ان لم نقل امر غير وارد في العقل الامريكي الاسرائيلي. مما يقود الى ان يستمر القلق العربي( النظام الرسمي العربي) من سياسة ايران في المنطقة، وبشحن وتأليب وتهويل، مخادع امريكي واسرائيلي. هذا لا يعني ان ايران حمامة سلام، ايران لها ما لها وعليها ما عليها، لكنها، لا تشكل تهديدا وجوديا للدول العربية- نعني؛ اهداف الشعوب العربية نحو حياة افضل، وليس النظام الرسمي العربي، كما هو حال اسرائيل في درجة ومستوى تهديدها للشعوب العربية، في توقها الى الحرية والحياة الكريمة والافضل. هذه العملية هي في الاول والاخير، عملية تبادل ادوار بين الحليفين الامريكي والاسرائيلي، وبلغة ادق لتوصيف واقع العلاقة الامريكية الاسرائيلية؛ بين الرأس الامريكي وذراعه الامني والاستخباراتي والعسكري، والاقتصادي والسياسي والثقافي، الاسرائيلي في المنطقة العربية. يبقى هنا، دور الشعوب العربية وبالذات دور الشعب العراقي في النهوض بدوره التاريخي في هذه المحطة التاريخية الحاسمة من تاريخه ووجوده؛ في انتزاع حقه في حياة كريمة وافضل من افواه الذئاب الدولية والاقليمية، على مسارات يحقق فيها؛ سيادة واستقلال وطنه. نعتقد ان الشعب العراقي وكذلك بقية شعوب العرب، اهلا لها وان تكالبت عليهم هراوات الطامعين في اوطانهم..