15 أبريل، 2024 9:44 م
Search
Close this search box.

الصفحات المطوية من جمهورية الفقراء

Facebook
Twitter
LinkedIn

حسن حافظ
قرات بشوق لاهف كتاب ( صفحات من جمهورية الفقراء ) للكاتب والصحفي المبدع عبد الكريم ابراهيم ..الذي جاء لينقل الينا لوحات قام الكاتب بالتقاطها بكامرته التي جاءت حاذقة تماما ،لتمثل لنا صورا لشخصيات ظريفة جدا ، ماكان لها ان يذكرها احد ، لولا حذاقة الكاتب في نقلها بل وتخليدها ، مع انها تاتي احيانا شخصيات موجعة كأشدّ مايكون عليه الوجع ! فهي متفردة ومتميزة اغلبها تاتي على شاكلة ( دون كيشوت ) الذي كان يحارب طواحين الهواء بسيف من خشب ! بل وتقترب احيانا من شخصيات الكاتب الراحل ( شمران الياسري ) الذي كان بارعا في التقاط شخصياته وابطاله من المجالس الشعبية ليربطها باحكام بفكرة سياسية يطرحها في ثنايا النص تحت العنوان الموسوم ( احجيها بصراحة يابو كاطع ) وعلى اية حال فاننا نشهد الكاتب وهو يلتقط شخصياته التي كان هي الاساس والمحور لكتابه انف الذكر مع انه قد جاء على شكل مسح ( سيسيولوجي اجتماعي ) لشريحة من المجتمع تسكن مدينة الثورة سابقا ،فهو ابن بيئتها المخلص ،وقد كان بارعا في انتقائه لشخصيات تجعلك تشعر معها بالتعاطف والمشاركة الوجدانية العالية على الرغم من انها تاتي احيانا لتكسر الاعراف المجتمعية والقوانين السائدة ،يتناولها باسلوب شفاف خصوصا يرافقها تلك الطبائع والعادات التي ترد على لسان الكاتب ومعها الامثال الشعبية في تلك البيئات المعدمة تماما والتي لاتليق بحياة البشر ،حيث ورد على لسان رئيس النظام السابق في تصريح له ( ان القيادة لم تعد تحتمل عيش هذه الشرائح الاجتماعية وسط هذه البيئة التي لاتتوفر فيها اقل مقومات الحياة ) لكنه لم يفعل شيئا لتحسين وضعها المادي او الخدمي بل استعمل خطابه للاستهلاك المحلي للمدينة التي كانت تدفع الكثير من الدم لادامة زخم الحرب وهو يندفع من غزوة الى اخرى لدول الجوار ..وهكذا ينقل لنا الكاتب بعين فاحصة صورا من تلك المدينة (المشبعة بالفقر والالم والابداع والكرم حيث البساطة العفوية تغلفان افعال ذلك الجيل ) حيث يجد المتلقي ومن خلال العناوين مدى الاشارات والمفازات للتعبير عن تلك الشخصيات الفريدة ( حمدية ام العلوم / الحرامي النّجر / كيف عرف الهندي بقرة حجية نوعة / وليد ابو العضلات / عباس جنية / ابو كرك / بائعة اسنون الذهب / عِصّابة الحجية كاشيّة الخ….) وكذلك ترد في الكتاب ايّاه الكثير من الامثال الشعبية والهوسات ( العراضة وغيرها ) ممن يتداولها الناس في مجالسهم ومنسباتهم في الاعراس وغيرها ، وهي كثيرة اكبر من ان تحصى ..( مبارك عرسك يالهيبة !/ يسوي للسالفة راس ورجلين / ابو نور فوت بزودك / الزلم تاكل على كد افعالها / ياكل الكاع بسنونه / وجهه مايكصه السيف / الواحد يموت شبعان احسن من يموت جوعان / انضرب كرك براسه ..!)اما عن حكايا الكاتب فلناخذ مثلا الحكاية الظريفة( بقرة حجية نوعة ) التي حينما انتقلت من الريف الى المدينة جلبت معها بقرتها التي تطلق عليها – ام خنيّس – التي كانت تمدها بالحليب ومشتقاته ، فهي لاتريد ان تفارق الحياة التي اعتادت عليها في القرية اذ كانت عزيزة عليها جدا ، حيث كانت تصحبها في جولاته الصباحية كل يوم ، وفي احد الايام استرعى انتباهها ذلك السائق الهندي وقد ترجل من سيارته الكبيرة ليقوم بتلك الطقوس مع بقرتها اذ اخذ يمسح على وجهها وظهرها ،وفقا لمعتقداته ،في الوقت الذي انصرف ذهنها الا ان الهندي الذي يضع عمامة غريبة انه قد تعرف عليها فاخذت تساله ( يمّه جنك عرفت ام خنيّس !) في الوقت الذي تجمع فيه اهالي المنطقة ليروا هذا المشهد الغريب ..مما حمل الهندي الى (يشلع) هاربا من هذا التجمع وهو يغادر بسيارته مسرعا …
اما سالفة ( ابو كرك ) وقفشاته حيث كان اهالي المنطقة يطردون معه الملل والرتابة ليجد هو الاخر متنفسا عما يدور في اذهانهم من رفضهم للواقع المرير الذي كانوا يعيشونه تحت ظل حروب بدات ويبدو انها لاتنتهي ..بما كان يجلبه لهم من فرح للاهالي الذين سلبتهم الحروب كل مقومات الفرح من دمار وحصار ، ومواد فقيرة ورديئة توزع عليهم في الحصة التموينية ،لهذا كان يتحاشى ابو الكرك هذا رجال الامن الذين كانوا بارعين في البحث عمن يخرج عن الخطوط الحمراء التي رسمها الحاكم الطاغية لهم..والا فالكيبلات والتعذيب ينظرهم في دوائر الامن ،اما من سيخرج من معتقلاتهم فسيصببه مس من الجنون ،كما هي حال صاحبنا ابو الكرك !
اما حكاية ( ساعة وحيدة الدلالة ) فالكاتب يقوم برسم لنا لوحة فنية عن جمال المراة ،فسبحان الخلاق العظيم ، فقد كانت آسرة تخلب الالباب ، الامر الذي يجعل اكبر الرؤوس في المنطقة تستدير نحوها حين تقوم بتجوالها ،بينما تشتاط نساء المنطقة غيضًا وكمدا لهذه الحلوى او( الجكليتة ) على حد تعبير ابناء المنطقة ـحيث كانت تتزين بالذهب يسبقها عطرها الفوّاح بامتار مما يجعل اي مكان تحل فيه يترك ذلك العطر الذي يتضوع حتى في الدروب التي سارت فوق ارضها ! وقد تسنى لها الزواج اكثر من مرة الا ان زيجاتها لن تدوم طويلا ..مع انها ذات طابع مرح ( شقايجي ) لن تفارق البسمة وجهها ، الامر الذي كان يثير حفيظة النساء ـفقد كانت قد كسب ود الجميع بعد ان زينت معصمها بساعة ذهبية فاخرة تلتمع بوجه الشمس اذ كانت ترفعها الى الاعلى وتقربها من اذنها بحجة التاكد من عملها ،لغرض اثارة حفيظة النسوة فتتركهن في كمد وحسد وحسرات..باسلوب تبرع فيه بالغنج والدلال والدلع ، فيزداد الغضب في دواخلهن ويمور ..اذ كنّ يعتبرنها خروجا عن المالوف وعن التقاليد والاعراف السائدة خصوصا عندما كان الاخرون يسالونها ( عيني وحيدة بيش الساعة ؟؟) ولكن لابد للغرور ان يبهت وللجمال ان يخفت ، اذ اصيبت وحيدة الجميلة بداء اقعدها الفراش فاضطرت الى بيعها للتداوي بغية معالجة الجسد الذي اصابه الخور وزال عنها ذلك الرونق البهي ـ الا نها حينما استعادت عافيتها ، ظهرت نسوة المنطقة الشماتة نحوها في محاولة للحد من غرورها حينما كان يطرح عليها ذلك السوال ( بيش الساعة ؟) لكنها كانت قوية الشكيمة( ولا تهزك ياجبل ريح )كما يقول المثل ، فهي لن تتوانى عن دورها في الغنج والدلع وظلت تمارس دورها بمعنويات عالية وان كانت بلا ساعة ذهبية !وهكذا نجد الكاتب الاستاذ عبد الكريم ابرهيم ينقل لنا تلك الصور النادرة من شخصيات كاريكتورية ،ذات سلوكيات متباينة ، من نشاتها الاولى حتى مغادرتها الحياة …اتمنى على الكاتب ان يتحفنا بالجديد ان شاء الله.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب