22 نوفمبر، 2024 10:15 م
Search
Close this search box.

الصرخة

عند قراءتي للرواية يشدني الحماس الى معرفة تفاصيل الرواية و تفاصيل حياة التي تخص شخصيات الرواية و كما تأخذني الرواية الى خيال بعيد عن الواقع الحالي و تجعلني اتصور كيف كان يعيش الايزيدية آنذاك من خلال الهرب المستمر من الموت الذي كان يلاحقهم حتى في ارضهم الجديدة أرمينيا و جورجيا و روسيا و يجعلني الكاتب ان اعيش تلك اللحظات منها الشعور بالموت القادم و الشعور بالفرح معهم لنجاتهم من الموت و الشعور بالانتماء للمجتمع الايزيدي .
لا ادري هل سيكون هذا المقال منصفا بحق الرواية المكنى ب الصرخة ( و جاء الربيع ) لان الرواية قد تحتاج كتاب لوصف هكذا قصص و تراجيديا و هي بحق صرخة في وجه الظلم آنذاك بحيث ان كل شخصية في الرواية تستحق ان تكون رواية على حدة و فيلم على حدة لان كل شخصية لديها قصة تختلف عن الاخر و يتجمعون فقط في سبب الموت و هو انهم ايزيديون .
كما ان الايزيدية أنذاك عانوا الخيانة كما عانوها الان من خلال خيانة الجار و اعتبارهم كفار و مشاركتهم في قتل الايزيدية و خطف نساء الايزيدية و نهب ممتلكاتهم و اراضيهم .
يبدا الراوي الرواية ببشرى عن فيودور الذي يعبر هو مفتاح الرواية و خاتمها لان تبدا القصة مع رحلة البحث عن فيودور الايزيدي المسيحي الشيوعي و من خلاله تبدا ابواب اخرى فتح
اقفالها المغلقة من خلال روي العم مسكوف و العم جاويش للقصص بشكل سلس و متسلسل و تنتهي الرواية مع نورة عندما تتكلم عن اخيها فيودور و ما حدث له و شجاعته و كيف تم قتله .
الرواية في بدايتها تظهر لنا حجم المعاناة التي كان الايزيدية يواجها في زمن الدولة العثمانية أنذاك و بالتعاون مع الاكراد المسلمين الذين فضلوا الدين على القومية أنذاك و ساهموا بشكل كبير في الابادات الايزيدية أنذاك مع الاتراك بحجة وقوفهم مع اخوانهم في الدين .
في نفس الوقت ينتقل الكاتب الى قصة فتاة مخطوبة لعلي اغا كبير عشيرة سيبكا و كيف تهرب الفتاة غزال و تذهب الى بيت حبيبها و تقول اما اموت او اكون معك , مما يولد الخوف لدى والدة جاويش من عائلة الاغا و هنا يضيف التشويق للرواية لتشجيعك على الاستمرار بالقراءة.
ثم ينتقل الى بيان كيفية بحثهم عن طريق للنجاة الابدي من الاتراك و الذهاب الى روسيا القيصرية أنذاك و طلب المساعدة منهم و كيف كان الروس على اهب الاستعداد لذلك ؟ و كيف تم اخفاء الامر عن الاتراك ؟ و كيف علم الاتراك بعد وشاية احد الخونة و كيف تم اعتقال كبير القرية ؟
يتكلم عن احدى الاعياد بشكل جميل و العيد المكنى عندنا خدر الياس و هناك مكنى ب خدر نافي و هو مقدس جدا عند الايزيدية و يبين العادات و التقاليد التي ترافق هذا العيد .
كما يذكر شجاعة الايزيدية و ذكائهم في مواجهة الاتراك و المساعدة التي قدمتها روسيا للأيزيدية من خلال ارسال قوة عسكرية تساعدهم في هجرتهم و تحميهم من الاتراك .
ثم الكلام عن استقبال الايزيدية الذين سبقوا هؤلاء بالهجرة الى روسيا للأيزيدية القادمين من تركيا و احتواء كل عائلة لعائلة قادمة من تركيا بكل فرح و سرور في مدينة قارص .
بعد فترة يتم اختيار زعيم للقرى الايزيدية الجديدة و خاصة التابعة لعشيرة سيبكا و يتم اختيار علي اغا من قبل الايزيدية و المفوض الروسي للمنطقة .
كما بعد فترة بسيطة يتم اختبار علي اغا من خلال رده لكرامة شخص ايزيدي تم اغتصاب ابنته من قبل تركي و تم قتله من قبل رجال علي اغا أنذاك بقيادة اوكيز ممو الشخصية الشجاعة و الجريئة في الرواية .
كما يذكر الكاتب احدى قصص الخطف التي حدثت أنذاك من قبل شقيق علي اغا اكيد اغا لفتاة تدعى كوليزار من عشيرة هسنا و في هذه الاثناء تموت اختها نتيجة دفعها من قبل اصدقاء عكيد اغا و مما يولد خلاف كبير بين العشيرتين و كانت قد تصل الى معركة بين الطرفين لولا تدخل المفوض الروسي و فرض قوة القانون و ذهاب وفد من قبل عشيرة سيبكا و تقديم هدية لزعيم عشيرة هسنا و تعويض والد الفتاة المقتولة ب 5 رؤوس من الاغنام و المعز ز اجبار الفتاة المخطوفة على تغيير اقوالها لصالح عكيد اغا في المحكمة و لكن يتجه الكاتب الى ابراز شجاعة المرأة و تمردها
على اوامر الرجال شيء اعتبره ك رسالة للنساء الايزيديات للصحوة و الخروج من قوقعة المجتمع الايزيدي المحافظ الشرقي و الذي يعطي الرجال حق التحكم في مصير النساء . هذا الامر الذي يبرزه الراوي ب فصل خاص عن كوليزار في محكمة من خطفها .
كما يتم نفي عكيد اغا الى سيبيريا في وسط روسيا و هي منطقة يخاف منها الجميع و هنا يتجه الكاتب الى اضفاء طابع التغيير و طرح مشكلتنا ك ديانة مغلقة من خلال طرح قصة عن التغيير في قوانين الدين منها زواج الايزيدي من غير ديانة و تقبله في الدين ، طرح مثل هذه الفكرة فيه شيء من الجراءة حقيقة و خاصة ان هكذا امور في ذلك الوقت كان يقتل من يفكر بيها فكيف من يكسرها و لكن من تزوج من غير ايزيدية لم يقتل لأنه شقيق كبير القوم .
التكلم في القوانين الدينية الايزيدية موجودة من قبل اوكيز ممو الذي يطرح سؤاله بكل جرأة الى القوالين ، لماذا لا نقبل من الأديان الأخرى و لماذا علينا محرم ؟
قلة من تجرؤه في ذلك الوقت طرح هكذا اسئلة على رجال الدين و لا زال هناك الكثير من الايزيدية الى الان يخافون طرح هذه الأسئلة على رجال الدين الايزيدية و كأنه هذه رسالة من الكاتب الى القارئ الايزيدي للتكلم عن التغيير و ان وقته قد حان ليس في يومنا هذا و انما منذ اكثر من 100 عام مضت دون جدوى .
كما ان زواج عكيد اغا من امرأة روسية مسيحية و طرحها بهذه الصيغة التي تبين ان الاغا تزوج نتيجة الظروف التي مر بها و هذه رسالة اخرى مفادها ان الاندماج في المجتمعات الجديدة تحتاج إلى فتح الباب امام الانفتاح الديني لأنه موجود و لكن هو غير
معروف نتيجة بعد تلك العلاقات عن المجتمع و اخفائها من قبل اصحابها خوفا من المجتمع و نظرة المجتمع الايزيدي حول هذه الامور و التي تعتبر من اقسى المجتمعات من هذه الناحية .
كما طرح الكاتب مشكلة عدم الدخول في المدارس لأنها كانت محرمة و محاولة معالجتها و ايجاد الحلول لذلك و التي انتهت بفتح مدارس لتعليم الايزيدية في قراهم لغتهم الام و تخرج كوكبة كبيرة منهم و الذي يعد الكاتب حاجي جندي من ابرز خريجين تلك الحقبة.
و بعدها يتم التطرق الى الشاب فيودور ليتكن الذي اصبح قائدا للثورة الروسية في سيبيريا و هو شاعر و هو من اب ايزيدي و ام مسيحية روسيا و الذي كان احد مؤسسي الجيش الاحمر الروسي و تم اختياره ك مسؤول للشؤون الداخلية في عموم الاتحاد السوفيتي أنذاك الى ان تم قتله من قبل اتباع القيصر الروسي .
كما يبين بشكل ما ان الايزيدية تعاونوا مع الارمن اثناء الحرب التركية الروسية و شاركوا في المعارك جنبا الى جنب و دفع الكثير من الايزيدية دمائهم دفاعآ عن ارمينيا الحالية .
اوكيز ممو اكثر شخصية اثرت في من كل شخصيات الرواية لأنه كان ذو هدف اسمى كل شيء و هو التطور في الدين و كان يطرح الافكار بدون خوف و كان واقعي و عبارته التي تبقى هي المسيطرة على ذهني هي ( مشكلة الايزيدية تكمن في تشتتنا و عدم ثقتنا بعضنا البعض ) و التي لازالت هي المشكلة الاكبر في وقتنا هذا و يا ترى كم نحتاج شخصيات امثال اوكيز ممو .
الرواية تعتبر وثيقة مهمة توثق ما جرى للأيزيدية أنذاك و كما تبين ان الاعتراف بالابادة الارمنية و رغم تأييدنا لها و احترامنا لها و لكن الاعتراف بإبادتهم وحدهم ظلم بحق الايزيدية الذين كان من الاولى الاعتراف بإبادتهم ايضا مع الارمن لانهم ذاقوا نفس الموت و بنفس الاعداد و لكن فقط تنقصنا الشواهد و الدلائل و هذه الرواية تعتبر احدى الدلائل المهمة.
اعادة طرح الرواية بهذا الشكل و لو ان الشباب الايزيدي يقراءها و يفهم معناها و رسائلها لوجدنا الحاجة الى حركة تمرد على القوانين الحالية و كما أظن ان تقديم الرواية تأخر جدا و لكن نقدم الشكر والتقدير لمن كتبها و لمن ترجمها و لمن قدمها جعلونا نتعرف على جزء مهم من تاريخ الايزيدية و لا الحقبة السوداء في تاريخ الايزيدية و هي فترة العثمانيون.
لا يسعني الا ان اوجه التحية لروح الكاتب حاجي جندي الذي سيبقى اسمه خالد من خلال هذه الرواية التي تعتبر افضل ما جاء في الادب الايزيدي و الشكر للدكتور اسماعيل محمد حصاف الذي ترجم الرواية و الشكر الكبير للكاتب و الحقوقي الايزيدي صائب خدر الذي نجح في تقديم الرواية بشكل و لا اجمل و كان ناجحا في اختياره و كما اعيد شكري الكبير للأستاذ صائب خدر لأنه اهداني نسخة من الكتاب و جعلني اتشرف بقراءة الرواية التي لن انسها و ستبقى افضل ما قرئت .

أحدث المقالات